الاختباء بجوار الأعداء.. هكذا توارى القرشي عن الأنظار

زعيم تنظيم الدولة الإسلامية الذي قتل في عملية أميركية كان يختبأ وسط النازحين في أطمة قرب الحدود التركية التي قدم إليها من حلب على أنه تاجر يبحث عن الأمان.
زعيم داعش وأسرته عاشوا بين النازحين في شمال سوريا ولم يلحظهم أحد
القرشي قتل في مكان غير بعيد عن مكان اختباء سلفه البغدادي
قوات أميركية بدأت تدريبات على اقتحام مخبأ القرشي منذ أواخر 2021
الكاظمي يكشف عن تعاون عراقي أدى إلى مقتل القرشي

عمان/أطمة (سوريا) - لم يكن مكان اختباء زعيم تنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أمس الخميس مقتله في عملية أميركية خاصة، بعيدا عن مكان اختباء زعيم التنظيم السابق أبوبكر البغدادي الذي قُتل أيضا في غارة أميركية في 2019، إذ اعتمد الاثنان التواري عن الأنظار وسط النازحين دون أن يلفتا الانتباه إليهما.

وفي مكان ناء بسوريا يكتظ بالنازحين الذين شردتهم الحرب الأهلية على مدى 11 عاما، كان زعيم داعش وعائلته يعيشون على مرأى من الجميع.

وكانت الأسرة تدفع الإيجار بانتظام في الوقت المحدد وتفرض على نفسها طوقا من العزلة، في مكان لا يتلصص فيه الجيران على ماضي بعضهم البعض.

وتغير كل شيء وتحطمت هذه التفاصيل مساء الخميس عندما اقتحمت القوات الأميركية الخاصة بلدة أطمة في شمال غرب سوريا لمداهمة المخبأ.

وفجر أبوإبراهيم الهاشمي القرشي زعيم إحدى أشد الجماعات إثارة للرعب في العالم، نفسه كي لا يقع في الأسر. وتقول الولايات المتحدة إن الانفجار أسفر عن مقتل عدد من أفراد أسرته وآخرين غيرهم.

واعتُبرت وفاته ضربة لتنظيم الدولة الإسلامية مع عودة مقاتليه إلى الظهور كمصدر للتهديد الدموي في سوريا والعراق.

وحتى تلك اللحظة، كان سكان المنطقة يعتقدون أن القرشي تاجر سوري قادم من حلب بحثا عن الأمان النسبي لنفسه وعائلته في أطمة قرب الحدود التركية، بعيدا عن خطوط المواجهة في الصراع السوري.

لم يكن هناك ما يلفت الأنظار أو يشد الانتباه إلى المبنى المكون من ثلاثة طوابق على أطراف المدينة منذ أن استأجر القرشي شقة فيه قبل عام، حيث أخذ الطابق الأول في البداية قبل أن يتوسع لاستئجار الطابق العلوي أيضا.

وقالت امرأة كانت تعيش في الطابق الأرضي وتشير إلى جيرانها على أنهم "عائلة أبوأحمد"، إن سلوك الأطفال كان طيبا بشكل عام، مضيفة أنهم كانوا يبتعدون عن الأنظار ويرافقون والدتهم إلى المتاجر في بعض الأحيان.

وأضافت المرأة التي اكتفت بتقديم نفسها باسم "أمينة" في مقابلة عبر الهاتف "كانوا في حالهم وأولادهم كانوا بيلعبوا مع الأولاد برا (بالخارج) بين كل فترة بس ما كان في بينا اجتماعيات".

وأضافت المرأة أنها تلقت ذات مرة دعوة من إحدى زوجات القرشي وهي أم أحمد، لتناول الشاي. قالت لأمينة حينها إن زوجها تاجر من حلب فر من المدينة بسبب الحرب.

بعد أن مضى أوان الدهشة، تتذكر أمينة باستغراب كيف لم تلحظ ندرة ظهوره. وكانت ملابس النساء سوداء تغطيهن بالكامل وهي طريقة ملبس يُعرف بها المسلمون المحافظون.

وفي حين لم تكن الأسرة من أطمة، ما كان ذلك بالشيء اللافت للانتباه في منطقة فر إليها عشرات الآلاف من جميع أنحاء البلاد.

وتقول أمينة "كنا نفكر أنهم مروا بكثير، بس زي ما بتعرف الكل عنده مأساة هون ما حدا بيحكي للتاني شو صار معه في ها الأزمة وبنفضل تبقى بداخلنا".

الاختباء بجوار الأعداء

وتولى القرشي قيادة الدولة الإسلامية بعد مقتل مؤسسها أبوبكر البغدادي في 2019. وتشابهت النهايتان، إذ قُتل البغدادي أيضا عندما فجر عبوة ناسفة أثناء غارة للقوات الخاصة الأميركية.

واختبأ البغدادي هو الآخر في شمال غرب سوريا، آخر معقل كبير للمعارضة المسلحة التي تقاتل الرئيس بشار الأسد. ولم يبعُد مخبأه سوى 25 كيلومترا عن أطمة بمحافظة إدلب أيضا.

وكان مخبأ القرشي قريبا من نقطة تفتيش تديرها الجماعة المسلحة التي تسيطر على معظم إدلب وهي هيئة تحرير الشام، الفصيل الذي كان يُعرف في السابق باسم جبهة النصرة ولها خصومة منذ سنوات مع الدولة الإسلامية.

ولم يكن بعيدا أيضا عن مواقع القوات التركية في منطقة عفرين القريبة بشمال غرب سوريا.

وعلى الرغم من قرب القوات المعادية، كان المكان جيدا نسبيا للاختباء بالنسبة للقرشي الذي كان يسعى لإحياء تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على ثلث العراق وسوريا في 2014 قبل أن يتقهقر.

ويقول السوريون إنه من السهل على الغرباء المرور دون أن يلحظهم أحد. وعلاوة على النازحين، يعيش بالمنطقة إسلاميون أجانب سافروا إلى البلاد أثناء الحرب كمتطوعين للقتال أو للأعمال المدنية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، تم القبض على قيادي آخر في تنظيم الدولة الإسلامية وهو سامي جاسم، في شمال غرب سوريا في عملية عراقية نفذت بمساعدة تركية.

وقال مسؤول كبير بالبيت الأبيض، إن هناك اعتقادا بأن الانفجار أسفر عن مقتل القرشي وزوجتيه وطفل في أحد طوابق المنزل، وطفل آخر على الأرجح كان في طابق آخر مع مساعد القرشي وزوجته اللذين قتلا بعد إطلاق النار على القوات الأميركية.

وقال عمال إنقاذ سوريون إن 13 شخصا قتلوا بينهم أربع نساء وستة أطفال، فيما ذكر شهود أنهم رأوا لعب أطفال متناثرة في الشقق المدمرة.

وكشف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الجمعة، أن معلومات جمعتها القوات الأمنية لبلاده قادت إلى مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبوإبراهيم القرشي.

وقال الكاظمي في تغريدة على حسابه الرسمي بتويتر، إن "مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي جاء امتدادا للجهود الجبارة التي بذلتها القوات الأمنية العراقية بكل صنوفها".

وأضاف أن هذه الجهود تمثلت في "قتل العشرات من القيادات والعناصر الإرهابية بعمليات نوعية داخل العراق واعتقال المئات منهم وجمع وتحليل المعلومات التي قادت في النهاية إلى دكّ وكر رأس التنظيم العفن".

وقال رئيس إقليم كردستان في شمال العراق نيجيرفان بارزانيفي تغريدة إن مقتل القرشي "ضربة كبيرة لقيادة التنظيم"، مضيفا "يمثل مقتل القرشي أيضا إنصافا لضحايا جرائم التنظيم الإرهابي".

وتابع "نثني على شركائنا في الولايات المتحدة لمهمتهم الناجحة ونكرر التزامنا بمحاربة الإرهاب والقضاء عليه".

وعُين أبوإبراهيم الهاشمي القرشي قائدا جديدا لتنظيم داعش في عام 2019 خلفا لمؤسس التنظيم أبوبكر البغدادي الذي قُتل في عملية أميركية مماثلة شمالي سوريا.

والقرشي اسمه الأصلي أمير محمد سعيد عبدالرحمن ويعرف أيضا باسم عبدالله قرداش، وينحدر من تلعفر في محافظة نينوى شمالي العراق.

ويأتي مقتل القرشي بعد تزايد ملحوظ في نشاط التنظيم الذي شن هجمات عنيفة داخل العراق على مدى الأشهر القليلة الماضية.

وكان داعش قد سيطر على نحو ثلث مساحة العراق في صيف 2014، قبل أن تعلن بغداد استعادة كامل أراضي الدولة في 2017، لكن خلايا نائمة للتنظيم مازالت تنتشر في مناطق واسعة هي المسؤولة عن الهجمات التي تشهدها البلاد.

وقد تدربت القوات الأميركية مرارا وتكرارا على تنفيذ غارة بطائرات هليكوبتر على أمل الإمساك بزعيم تنظيم الدولة الإسلامية من الطابق الثالث بمبنى سكني في البلدة السورية على الحدود التركية حيث كان مختبئا مع أسرته.

لكن قبل أن تتمكن تلك القوات من الوصول إليه، فجر أبوإبراهيم الهاشمي القرشي نفسه بقنبلة مما أدى لانفجار قوي قذف جثته وجثثا أخرى من المبنى إلى الشوارع المحيطة.

وكانت الأحداث مروعة بالنسبة للسكان في بلدة أطمة إذ جاءت القوات الأميركية على متن طائرات هليكوبتر ثم حاولت إجلاء المدنيين من المبنى واستخدمت مكبرات صوت لتطلب منهم الرحيل.

وروت امرأة التحذيرات الأميركية التي سمعتها قائلة "الرجال والنساء والأطفال ارفعوا أيديكم. أنتم في أمن التحالف الأميركي الذي يطوق المنطقة. ستموتون إذا لم تخرجوا".

وقال الجنرال في مشاة البحرية فرانك ماكنزي الذي يشرف على القوات الأميركية في المنطقة وكان يقدم لبايدن تطورات الوضع، إن قواته أخرجت ستة مدنيين بينهم أربعة أطفال من الطابق الأول من المبنى قبل الانفجار الذي دمر الطابق العلوي، مضيفا "الانفجار الذي كان أقوى مما يمكن توقعه من سترة انتحارية، قَتل جميع من كانوا في الطابق الثالث وقَذف العديد من الأشخاص فعليا من المبنى". وقال إن القرشي وزوجته وطفلين قتلوا.

ومع تقدم القوات الأميركية إلى الطابق الثاني، بدأ مساعد للقرشي وزوجته إطلاق النار على تلك القوات ثم قُتلا. وقال ماكنزي إن طفلا عُثر عليه مقتولا هناك وتم إخراج ثلاثة أطفال آخرين ورضيع بأمان من الطابق الثاني.

وقال البنتاغون إن عضوين مسلحين على الأقل من فصيل محلي تابع لتنظيم القاعدة قتلا بنيران طائرة هليكوبتر أميركية بعدما اقتربا من مكان الغارة بينما لا تزال القوات الأميركية هناك.

قال مسؤولون أميركيون إن مقتل القرشي انتكاسة جديدة لتنظيم حكم يوما دولة الخلافة التي أعلنها وشملت أراض في سوريا والعراق.

وقال المسؤولون إن العملية كانت قيد الإعداد منذ أوائل ديسمبر/كانون الأول عندما أصبح المسؤولون مقتنعين بأن زعيم الدولة الإسلامية مقيم في المبنى. وقال مسؤول كبير بالبيت الأبيض إن بايدن تلقى إفادة مفصلة بشأن الخيارات المتاحة للإمساك بالقرشي حيا في 20 ديسمبر/كانون الأول.

وأشار أحد المسؤولين إلى أن العملية كانت معقدة لأن القرشي كان لا يترك مقر إقامته في الطابق الثالث من البناية إلا نادرا وكان يعتمد على شبكة من أفراد المراسلة كي يتواصل مع آخرين.

وذكر المسؤولون أن عدد الأطفال والأسر في المنطقة وفي الطابق الأول دفع المسؤولين الأميركيين لمحاولة إعداد عملية تتضمن حماية المدنيين، مشيرين إلى أن ذلك تطلب وضع أفراد القوات الأميركية المشاركين في المداهمة في خطر بدلا من تنفيذ ضربة عن بعد.

وتخضع الإجراءات التي يتخذها الجيش الأميركي حاليا لحماية المدنيين خلال مداهمات كتلك لتدقيق متزايد بعد ضربة بطائرة مسيرة في أفغانستان أخطأت هدفها رغم أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أشادت في البداية بالعملية ووصفتها بأنها ناجحة.

وقال البنتاغون إنه سيراجع كل المعلومات الخاصة بالغارة في أطمة للتأكد من عدم إصابة أي مدنيين بأذى على أيدي القوات الأميركية، لكنه شدد على أن جميع المؤشرات تفيد حتى الآن بأن سقوط قتلى مدنيين كان بسبب مقاتلي الدولة الإسلامية أنفسهم.