تركيا تُشكل حزاما ديمغرافيا لتقويض حلم كيان كردي بشمال سوريا
البزاعة (سوريا) - أنشأت تركيا مجمعا سكنيا في شمال سوريا في مناطق خاضعة للسلطة الاحتلال التركي وميليشيات سورية موالية لها وبدأت في نقل عشرات العائلات النازحة من مخيمات عشوائية في المنطقة إلى المجمع الذي ينظر له على أنه مشروع إنساني، لكنه لا يخلو من توظيف سياسي حيث يعتقد أن هذه الخطوة محاولة من جانب أنقرة لخلق واقع جديد في المنطقة بحيث يمكن تشكيل حزام ديمغرافي يقوض على المدى البعيد أي طموحات لأكراد سوريا في إقامة كيان كردي في خاصرة تركيا.
ويضم المجمع السكني 300 وحدة سكنية ويقدمه مسؤولون محليون وداعموه الأتراك على أنه مشروع لخدمة النازحين، لكن يُنظر إليه أيضا على أنه خطوة تجاه مساعي تركيا لإرساء منطقة "عازلة" في شمال سوريا تعيد إليها اللاجئين السوريين، المقدر عددهم بنحو 3.6 ملايين لاجئ.
ومنذ العام 2016، شنّت أنقرة مع فصائل سورية موالية لها ثلاث عمليات عسكرية واسعة النطاق في شمال سوريا ضد المقاتلين الأكراد بشكل رئيسي ولطرد تنظيم الدولة الإسلامية. وأتاحت لها تلك العمليات السيطرة على منطقة حدودية واسعة تضم العديد من المدن الرئيسية.
وإلى جانب رعايتها لمجالس محلية أنشأتها لإدارة مناطق نفوذها في الشمال السوري والتواجد العسكري لقواتها، ضاعفت تركيا استثماراتها في قطاعات عدة مثل الصحة والتعليم. وتضم هذه المناطق مكاتب بريد واتصالات وتحويل أموال تركية ومدارس تعلّم باللغة التركية. وتتبع المجالس المحلية للولايات التركية القريبة مثل غازي عنتاب وكيليس وشانلي أورفا.
واعتمدت السلطات المحلية تدريجيا في تلك المناطق الليرة التركية في التداول اليومي كبديل عن الليرة السورية.
وينظر لتلك الإجراءات على المدى البعيد على أنها محاولة لتتريك الشمال السوري وطمس الهوية السورية وخلق سلطات محلية تابعة للدولة التركية، في الوقت الذي أعلن فيه النظام السوري في أكثر من مناسبة أنه عازم على استرداد كامل أراضيه واصفا الوجود التركي في شمال البلاد بأنه احتلال.
ولم تعلن تركيا أبدا عن جدول زمني للانسحاب من الأراضي السورية وتعمل باستمرار على تمديد وجودها وترسيخه كواقع بذريعة حماية أمنها القومي.
وتعلو البسمة وجه مريم لدى وصولها مع أفراد عائلتها إلى منزلها الجديد في مجمّع سكني تم بناؤه مؤخرا بدعم تركي، في إطار مشاريع عمرانية تغزو مناطق الشمال السوري ويُنقل قاطنو المخيمات العشوائية إليها تباعا.
وتقول مريم (28 عاما) وهي أم لأربعة أطفال قتل زوجها خلال معارك ضد قوات النظام قبل سنوات "عندما سمعنا أننا سننتقل إلى بيت لم نصدّق، فرحنا جدا وبات همنا أن ننتقل إليه" بعدما أمضت قرابة عام ونصف العام في مخيم عشوائي قرب مدينة الباب في شمال البلاد.
وعلى غرار آلاف العائلات النازحة في شمال سوريا، تتحدث مريم عن ظروف معيشية صعبة قاستها في المخيم العشوائي الذي يفتقد للخدمات الأساسية عند أطراف بلدة بزاعة وقد قطنت فيه منذ نزوحها من ريف حلب الغربي مع أطفالها إضافة والدها وشقيقها اللذين يعانيان من شلل يعيق قدرتهما على العمل. واعتادت العائلة العيش على مساعدات توفّرها لهم جمعيات محلية أو أفراد.
وأوضحت الأرملة السورية "في الشتاء، البيت أفضل إذ لا تدخل الأمطار إلينا. وفي الصيف يبقى باردا لأن الحجارة تحفظ البرودة أفضل من الخيم التي تتحول نارا" مع ارتفاع درجات الحرارة.
ومنذ وصولها إلى المخيم، سجلت مريم اسمها على قائمة الراغبين بالانتقال إلى المجمع السكني، فيما وأعلنت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية وهي منظمة إغاثية غير حكومية، أنها دعمت بناء أكثر من 18 ألف وحدة سكنية منذ العام 2019 في مناطق واقعة تحت سيطرة الفصائل الموالية لأنقرة في شمال وشمال غرب سوريا.
وأوضح أمين عام الهيئة دورموس أيدين أن "أكثر من 50 ألف شخص استقروا في المنازل التي بنيناها حتى الآن"، مشيرا إلى أنه سيتم إيواء ضعف هذا العدد في إجمالي 24325 منزلا من المفترض أن يكتمل تجهيزها بحلول أبريل.
ودعمت منظمة إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد" بناء المجمع السكني في منطقة بزاعة والذي يتألف من 300 وحدة سكنية بحسب مسؤولين محليين.
وتتألف كل وحدة من طابق يضم غرفتين ومطبخا وحماما وهي مجهّزة بأبواب معدنية كبيرة ونوافذ جانبية صغيرة، وخزّان مياه.
وخصصت هذه الوحدات لاستقبال ساكني مخيمات النزوح القريبة والذين تم نقلهم على دفعات إلى مساكنهم الجديدة. ويضم المجمع، بحسب المنظمة التي دعمت مشاريع عدة مماثلة في المنطقة، مسجدا ومدرسة فضلا عن مركز طبي لا يزال قيد الإنشاء.
وأوضح حسين العيسى (38 عاما)، أحد المسؤولين المحليين المشرفين على إعادة إسكان أهالي المخيمات، أن المجمع السكني في بزاعة بُني على أرض يشرف عليها أحد المجالس المحلية و"بتنسيق كامل مع إخوتنا الأتراك".
ويرى أن المشروع هو "عبارة عن مساكن مؤقتة لأخوتنا المهجرين"، الذي يرغبون على حد قوله بالعودة إلى قراهم وبلداتهم.
وإذا كان البعض يجد في الانتقال من خيم عشوائية إلى وحدات سكنية خلاصا من شقاء نزوح طويل، فإن آخرين لا يبدون راضين بهذا الحل.
ومن هؤلاء محمّد حاج موسى (38 عاما) النازح من جنوب إدلب والذي أمضى السنوات الخمس الأخيرة "مشردا" مع أسرته المؤلفة من خمسة أفراد من مخيم إلى آخر على حد وصفه.
وقال "نقلونا إلى هذه الدار التي تختلف بشكل بسيط عن الخيمة"، مضيفا "الأمر كمن يكذب على نفسه، نريد حلا للموضوع. نود العودة إلى منازلنا ومناطقنا"، مضيفا بانفعال "مستعدون لأن نبرك في أراضينا ولو من دون منازل. لا نريد هذه البيوت ولا المخيمات. لو ملّكونا الدنيا كلها، تبقى بلدنا هي الأصل".
وبجانب محمّد، يجلسُ أحمد مصطفى كتولي على كرسي بلاستيكي ويتّكئ على عكّازين للمشي، يتحدث عن المسكن الجديد قائلا "الحمد لله نقلونا من مخيم بزاعة إلى تلك المنازل أتينا ظنا أن الغرف ستكون أفضل لكنها صغيرة جيدا بالنسبة لعائلة كبيرة".
وأضاف الرجل الذي نزح مع زوجته وأطفاله الستة قبل عشر سنوات من مدينة حلب "هذه البيوت لا تعوض حجرا مما خسرناه، لكنني مجبر على السكن هنا".
وعلى الرغم من أن المشروع السكني قد يخفف من معاناة الكثير من العائلات السورية التي كانت تعيش في مخيمات عشوائية في ظروف قاسية إلا أنه يشكل في الوقت ذاته جزء من خطة تركية أوسع لتهجير النازحين وترحيل اللاجئين السوريين من أراضيها.
وتشكو تركيا من تحمل أعباء ملايين اللاجئين السوريين على أراضيها على الرغم من أنها قبضت مليارات اليوروهات من الاتحاد الأوروبي نظير كبح الهجرة إلى أوروبا وتوطين اللاجئين على أراضيها.
ويبدو أن الحكومة التركية عدلت بوصلتها باتجاه تخفيف الأعباء بترحيل أكبر قدر ممكن من اللاجئين لما تسميه المنطقة العازلة والتي تقول إنها منطقة آمنة بينما كشف عدة تفجيرات أن مقول الأمن في تلك المنطقة ليست إلا مجرد وهم تسوق له أنقرة.