واقعية إماراتية تعبد طريق عودة سوريا إلى الحضن العربي

استقبال الإمارات للرئيس السوري تشكل مفاجأة في توقيتها لكنها تعتبر في سياقها السياسي والزمني خطوة طبيعية تأتي في إطار إعادة قراءة المشهد والتعامل بواقعية مع المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة.
الفراغ العربي في سوريا ترك دمشق فريسة للتغلغل الإيراني
الإمارات تعتمد على مقاربة واقعية في التعاطي مع المتغيرات الجيوسياسية
الخطوة الإماراتية أقلقت واشنطن لكن العلاقات لن تتأثر سلبا

بيروت - يرى عدد من المحللين أن استقبال الإمارات للرئيس السوري بشار الأسد خطو على طريق عودة سوريا إلى الحضن العربي بعد أكثر من عقد من انقطاع الروابط بين دمشق والعالم العربي.

ولن تكون مثل هذه الخطوة مفاجئة في سياق الدبلوماسية الإماراتية الهادئة القائمة على الواقعية السياسية والتي تراعي في جانب كبير منها المتغيرات الجيوسياسية وهي في نهاية المطاف قناعة بأن الفراغ العربي ترك سوريا كما العراق من قبل فريسة سائغة للتمدد الإيراني.

والمفاجأة في مجمل التحرك هي زيارة الأسد للإمارات أما عن تطبيع العلاقات بعد سنوات من القطيعة فالخطوات بدأت مبكرا وكانت أبوظبي سباقة في إعادة فتح سفارتها لدى دمشق في 2018 وأتبعت تلك الخطوة بأخرى أكثر أهمية حين قام وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي بزيارة العاصمة السورية التقى خلالها بالرئيس بشار الأسد وكانت أول زيارة لمسؤول إماراتي رفيع لدمشق.

وزيارة للأسد إلى بلد عربي هل الأولى منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، متسببا بسقوط حوالي نصف مليون قتيل وبنزوح ملايين الأشخاص.

وقطعت الإمارات وباقي دول الخليج (باستثناء عُمان) ومعظم الدول العربية، علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق في فبراير/شباط 2012 تزامنا مع تعليق جامعة الدول العربية عضوية سوريا، بعد قمع موجات الاحتجاجات الغاضبة والتظاهرات المطالبة بالديمقراطية والحرية عام2011 ، ما دفع البلاد إلى حرب مدمّرة ونزاع دام تنوعت أطرافه والجهات الداعمة له.

ودعمت دول خليجية وعربية وغربية المعارضة السورية بأطيافها المختلفة في حراكها ضد نظام الرئيس الأسد، فيما دعمت إيران وروسيا دمشق لتقترب الحرب من نهايتها باستعادة النظام السوري السيطرة على معظم أراضيها بينما عززت طهران وموسكو وكذلك أنقرة من نفوذها في سوريا.

وبعد اعادة الإمارات فتح سفارتها لدى دمشق أعلنت البحرين التي أغلقت بعثتها الدبلوماسية في العاصمة السورية في مارس/مارس 2012 "استمرار" العمل في سفارتها في سوريا، في إشارة إلى نيتها إعادة فتحها.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، التقى وزير الخارجية الإماراتي الأسد في دمشق في أول زيارة لمسؤول إماراتي رفيع إلى سوريا منذ بدء النزاع. وأثارت هذه الخطوة تنديدات أميركية بجهود تطبيع العلاقات مع رئيس تصفه واشنطن بأنه "دكتاتور".

ويقول الأستاذ في جامعة الكويت بدرالسيف "ترى الإمارات العربية المتحدة نفسها "قائدة للعالم العربي وتأمل بأن تتبع بقية الدول خطاها"، مضيفا "يمكننا أن نفهم استقبالها للرئيس السوري بشار الأسد في هذا السياق".

وقال سيف إن الإمارات "ضغطت باتجاه عودة سوريا للجامعة العربية بغض النظر عن دور النظام في مقتل وتهجير الكثير من السوريين".

من جانبه يوضح الباحث في معهد نيولاينز نيكولاس هيراس أن الإمارات تسعى "لأن تكون صانعة قرار في الشرق الأوسط وأبعد من ذلك في أوراسيا، ويشمل ذلك أن تلجأ إليها كل أطراف النزاع باعتبارها موضع ثقة".

وتحاول أبو ظبي من خلال هذا الدور، الانفتاح على حكومات المنطقة تزامنا مع تراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وإعادة تركيز اهتمامها على آسيا.

وبالنظر لدورها وجهودها في دعم الاستقرار في المنطقة وفي محاربة التطرف الديني ومكافحة الإرهاب بمختلف صنوفه وباعتمادها سياسة تصفير المشاكل تكون الإمارات قد أسست لنفسها قاعدة عمل متينة كصانعة قرار في المنطقة بينما تعتمد في جهودها على إرث سياسي ودبلوماسي وإنساني قام منذ عقود على الواقعية وعلى حل الأزمات في المنطقة بالحوار.  

وتعقّد النزاع السوري مع تعدّد الأطراف الدولية المتداخلة فيه، ولعبت موسكو بتدخلها العسكري المباشر في 2015 الدور الأبرز في ترجيح الكفة لصالح قوات النظام بعدما كانت خسرت مناطق واسعة خلال سنوات الحرب الأولى.

في المقابل، تدعم الولايات المتحدة في شمال شرق البلاد قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الأكراد عمودها الفقري.

ويُضيف هيراس أن الأسد حليف أساسي لموسكو ويرى الإماراتيون في ذلك فرصة للتفاوض على واقع جديد في الشرق الأوسط "يُساهم في استقرار المنطقة، لأن الأسد ربح في حربه الأهلية وهناك قوة نووية تدعمه بشكل كامل".

وتأتي زيارة الأسد إلى الإمارات بعد أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى موسكو حيث التقى نظيره الروسي، في وقت تواصل فيه القوات الروسية غزوها لأوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط.

ويعتبرُ هذا الدفء في العلاقة مع دمشق، انتصارا دبلوماسياً صغيرا لموسكو، حيث استقبلت أبو ظبي واحدا من الرؤساء القلائل الذين يدعمون الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتجنّبت السعودية والإمارات وهما من أكبر مصدري النفط الخام في العالم وتربطهما علاقات قوية مع الغرب وموسكو، اتخاذ موقف ضد روسيا حتى الآن.

ويرى هيراس أن الإمارات تنظر إلى روسيا على "أنها لاعب مهم في الشرق الأوسط لسنوات قادمة وقوة خارجية يمكن التكهن بسياساتها بشكل أكبر من الولايات المتحدة"، مضيفا أن أبوظبي لم تعد ترغب بالمساهمة في "الجهود الأميركية الرامية للحفاظ على إجماع دولي بعدم التطبيع مع الأسد".

والعلاقات بين الإمارات والولايات المتحدة علاقات تاريخية وإستراتيجية لكنها تمر تسلم الرئيس الديمقراطي جو بايدن السلطة بحالة من الفور واختبار الصمود والأمر ذاته ينطبق على العلاقات السعودية الإماراتية.

والفتور في العلاقات لم يكن مفاجئا فبايدن الذي كان نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما جزء من علاقات اتسمت بالتوتر منذ عهد أوباما وبالتالي كان متوقعا أن يستمر على تلك السياسية على خلاف سلفه الجمهوري دونالد ترامب.

فلطالما كانت الإدارات الجمهورية أكثر حزما مع إيران ووكلائها في المنطقة بينما اتسمت الإدارات الديمقراطية بليون وصلت حدّ الإرباك والاضطراب والرؤية المشوشة.

وتعليقا على زيارة الأسد للإمارات قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركي نيد برايس السبت في بيان "نشعر بخيبة أمل عميقة وبقلق بسبب هذه المحاولة الواضحة لشرعنة بشار الأسد"، مضيفا "نحضّ الدول التي تعتزم إجراء حوار مع نظام الأسد على النظر بجديّة إلى الفظائع التي ارتكبها النظام".

لكن بدرالسيف أشار في المقابل إلى أن واشنطن دعت في الوقت نفسه حلفاءها في المنطقة إلى تحمّل المزيد من المسؤولية عن شؤونهم الأمنية.

وقال إن "الإمارات العربية تشارك في ذلك بالضبط، ما يعني أنه لن يكون هنالك توافق دائم مع الولايات المتحدة، حيث تسعى كل دولة لتحقيق مصالحها"، معتبرا أن "العلاقات الإماراتية الأميركية لن تتأثر سلبا جراء هذه الزيارة".

من جانب آخر، يرى مدير مركز دمشق للدراسات الإستراتيجية بسام أبوعبد الله أنه "لا يمكن النظر للمسألة السورية كما كان الأمر قبل 11 عاما"، لافتا إلى أن محادثات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني والغزو الروسي لأوكرانيا، دفعت بعض الدول لإعادة "التموضع وتقييم المسألة السورية بنظرة جديدة".

وفي بلد يعيش ما لا يقل عن تسعين بالمئة من سكانه تحت خطّ الفقر ونزح وتشرّد أكثر من نصف سكانه ودُمّرت بنيته التحتية، تسعى دمشق أيضا إلى إعادة الدفء لعلاقاتها مع دول المنطقة لإعادة إعمار البلاد التي مزّقتها الحرب. ويقول أبوعبد الله "سوريا تواجه تحديات اقتصادية كبيرة جدا وتحتاج لوقوف دول عربية معها".