السيناريو المسكوت عنه في استفتاء التونسيين على الدستور
مع انطلاق العد التنازلي للاستفتاء على الدستور التونسي الجديد تحشد المعارضة جهودها لإجهاض المشروع سعيا منها لإسقاط مسار 25 يوليو برمته الذي أطاح بمنظومة حكم الاسلاميين التي استغرقت أكثر من عشر سنوات.
ونص المرسوم الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين للاستفتاء بوضوح على مسار قبول الدستور الجديد، في حالة الإجابة بـ"نعم" دون الإشارة إلى فرضية الإجابة بـ"لا".
حزب النهضة الإسلامي والموالون له يسعون لحصد أكبر عدد ممكن من اللاءات على الدستور الجديد لإفقاد سعيّد شرعيته الشعبية التي ما فتئت تتعاظم منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في الـ25 من يوليو الفائت. لكنها لم تبحث في تداعيات الفراغ التشريعي والمؤسساتي والسياسي المنجرة عن تلك الحالة.
الإجابة عن فرضية تصويت التونسيين ضد الدستور الجديد تبدو تقنية أكثر منها سياسية. فقد حذر أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، مما وصفه بالفوضى المؤسساتية في هذه الحالة.
مشروعية سعيّد مرتبطة بنتيجة الاستفتاء، دون ضرورة طرح فرضية الاستقالة أو التنحي
ورجحت المستشارة السابقة برئاسة الجمهورية رشيدة النيفر في تصريحات تلفزيونية أن "يتحمل قيس سعيد مسؤوليته وسيقدم استقالته إذا فشل في تحقيق ما وعد به"، مستدركة أن "سعيد يعوّل على الشعب التونسي للدخول في مرحلة جديدة."
وهذا السيناريو يتقاطع بدرجة كبيرة مع السيناريو الذي عرفته فرنسا خلال حقبة الجمهورية الخامسة مع الجنرال شارل ديغول سنة 1969 الذي استقال مباشرة عقب تصويت الشعب ضد خياراته في الاستفتاء.
لكن وجب التنويه إلى أن ديغول لم يقدم استقالته إلا بعد الاستفتاء الثالث وبعد أن وعد هو بنفسه الشعب الفرنسي بالاستقالة في حال فشل الاستفتاء الثالث.
لكن هناك من يرى أنه يمكن الاستلهام من الجمهورية الفرنسية الرابعة عندما تم سنة 1946 إعداد مشروع دستور أول رُفض بالاستفتاء، وأُعد مشروع ثان تم التصويت عليه. بيد أن هذا الرأي يعارضه مناوئون لمشروع سعيّد بالقول إن تلك السلطة التأسيسية لديها مشروعية لتعيد تمرير مشروع جديد.
ولئن لم يعلن قيس سعيّد إلى اليوم عن اقتران نجاح أو فشل الاستفتاء ببقائه في الرئاسة، فإن القراءات السياسية تصب في اتجاه أن مشروعية سعيّد ستتوقف على نتيجة الاستفتاء، دون الذهاب إلى فرضية الاستقالة أو التنحي.
وشدد أستاذ القانون الدستوري سليم اللغماني في تصريحات إعلامية أن فرضية فشل تمرير الدستور الجديد لن تكون لها آثار قانونية أو مؤسساتية على رئيس الجمهورية بقدر ما ستؤثر على شعبية الرئيس.
وأضاف أن "إقبال التونسيين في الـ25 من يوليو المقبل على الاستفتاء لا يعكس فقط موقفهم من نص قانوني جديد بل يعكس أيضا مدى ثقة التونسيين في رئيسهم".
غالبية التونسيين يرفضون المنظومة القديمة وفشل الاستفتاء يهدد السلم الأهلية
وينبه مختصون في القانون الدستوري من دعوات المعارضة للعودة إلى منظومة ما قبل 25 يوليو بدستورها وحكومتها وبرلمانها، في حال فشل الاستفتاء في تمرير الدستور الجديد. وهو أمر سيفتح باب الفتنة ويهدد السلم الأهلية في تونس لا سيما وأن أغلب التونسيين يرفضون المنظومة القديمة حسب ما بينت نتائج استطلاعات الرأي والاستشارة الوطنية التي نظمتها الحكومة في يناير الماضي والتي خلصت الى أن أكثر من 86 بالمئة من المشاركين يفضلون التحول إلى نظام رئاسي في البلاد، وأكثر من 70 بالمئة ليسوا مع دستور 2014 بصيغته الحالية منقسمين بين إما المطالبة بتعديله أو بوضع دستور جديد للبلاد.
لذلك يتوقع محللون أن يشهد الاستفتاء القادم إقبالا إيجابيا من التونسيين الراغبين في مجملهم في التخلص من حقبة تميزت باستشراء الفساد والمحسوبية وتدهورت خلالها قدرتهم الشرائية بشكل غير مسبوق.
وقال متابعون ان نتيجة الاستفتاء على الدستور ايا كانت، فإن تونس مقبلة في الأيام القادمة على أحد ثلاثة سيناريوهات: إما إقبال كثيف وتصويت مكثف بنعم، وهو السيناريو المثالي لداعمي مسار 25 يوليو. وإما إقبال ضعيف وتصويت بنعم، وهو سيناريو سيربك مشروعية سعيّد دون أن يؤثر على الشرعية القانونية للدستور الجديد وسيتواصل المسار. وإما تصويت أغلبي بـ"لا"، وهو سيناريو تتمناه النهضة وحلفاؤها لإعادة التموقع في السلطة والإطاحة بمشروع سعيّد.
ويبدو السيناريو الثالث هو الأقل حظا كما أنه الأخطر على واقع التونسيين ومستقبلهم خاصة مع احتمال فتح باب التنازع على السلطة في هذه الحالة.