المنطقة تغلي

هل الوقت يخدم "الجمهوريّة الإسلاميّة" ام انّه يزيد الوضع الداخلي الإيراني صعوبة ويزيد من حدّة الأزمات الداخليّة.
لا يوجد في الغرب من هو مستعد لتوقيع اتفاق جديد مع ايران بموجب شروطها
توقيت الضربة الاسرائيلية لمطار دمشق مريب ويعكس نوعا من التصعيد ضد ايران

ثمّة حركة غريبة في المنطقة كلّها توحي بأن شيئا ما يمكن ان يحدث قريبا، خصوصا ان تركيا تستعد لعملية عسكريّة في شمال سوريا. ترافقت الإستعدادات العسكريّة التركية مع ضربة قويّة وجهتها إسرائيل إلى مطار دمشق. أدت هذه الضربة، وهي الأولى من نوعها، إلى تدمير مدرّج المطار وقسم من منشآته. سيتوقف المطار، الذي يستخدم في رحلات تأتي بأسلحة ايرانيّة، يرسل بعضها إلى لبنان، عن العمل بضعة ايّام.

من الواضح ان توقيت الضربة مريب من جهة ويعكس نوعا من التصعيد العسكري تجاه ايران والنظام السوري التابع لها من جهة أخرى. كذلك، يمكن اعتبار الضربة الإسرائيلية رسالة إلى "حزب الله"، وهو لواء لبناني في "الحرس الثوري" الإيراني. ليس الحزب بعيدا عن نشاطات مختلفة تمارسها ايران عبر مطار دمشق.

في الواقع، تعكس سلسلة تحولات يشهدها العالم والمنطقة الرغبة الواضحة في التأكيد لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة" في ايران أنّ مشروعها التوسّْعي لا يمكن ان يستمرّ إلى ما لا نهاية من جهة وأنّه لا يمتلك أي افق سياسي من جهة أخرى. عمليا، ومن خلال ما جرى على الأرض لا يصلح المشروع الإيراني سوى لتدمير دول عربيّة معيّنة من داخل. إلى ما قبل فترة قصيرة، لم تكن من مشكلة لدى الغرب عموما، ما دام الأمر يتعلّق بدول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهي دول تعتقد ايران انّها مجرد أوراق في ترسانتها التفاوضيّة مع "الشيطان الأكبر" الأميركي.

ليس صدفة ظهور هذا التحوّل الأوروبي والأميركي قبل أيّام قليلة من خلال طرح اربع دول مشروع قرار امام مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة النوويّة في فيينا. طلبت اربع دول هي الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا من مجلس المحافظين في الوكالة ادانة ايران بسبب استمرارها في انتهاك نسب تخصيب اليورانيوم بموجب اتفاق العام 2015.

يكشف هذا التحوّل أنّ هناك يأسا من امكان التوصل إلى إعادة الحياة لاتفاق صيف العام 2015 الذي وقعته ايران في عهد باراك أوباما مع الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين ذوي العضوية الدائمة في مجلس الأمن زائدا المانيا. ترجمة هذا اليأس دعوة ايران إلى توقيع اتفاق جديد يأخذ في الاعتبار التغيرات التي حدثت منذ صيف العام 2015، بما في ذلك سلوك ايران في المنطقة وصواريخها الباليستيّة واحتمال اقترابها من الحصول على القنبلة النووية.

بكلام أوضح، لا يوجد في العالم الغربي، أي في اميركا وأوروبا، من هو مستعد لتوقيع اتفاق جديد مع ايران بموجب شروطها. لا يوجد حتّى من يريد السماع بإعادة الحياة الى الاتفاق القديم اذا لم تلتزم "الجمهوريّة الإسلاميّة" شروطا معيّنة من بينها الرضوخ لكون "الحرس الثوري" باق على "لائحة الإرهاب" ولا امل لديه بالخروج منها ما دامت كلّ دولة من دول المنطقة تشعر بانّه بات يشكل تهديدا لها. تمارس ايران هذا التهديد بشكل مباشر وغير مباشر، عبر الميليشيات المذهبيّة الإيرانية التابعة لـ"الحرس" الموجودة في العراق وسوريا ولبنان واليمن. كان آخر تعبير عن نشاط هذه الميليشيات قصفها موقعا قنصليا اميركيا قيد الإنشاء في أربيل بصواريخ "كاتيوشا". تولى تنفيذ عملية القصف هذه طرف عراقي على علاقة مباشرة بـ"الحرس الثوري" الإيراني!

يبدو بوضوح ان المنطقة تغلي. ظهر ذلك بوضوح من خلال الخطاب الأخير للامين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله الذي راح يتوعّد إسرائيل والعالم واليونان، عبر الدولة اللبنانيّة التي اعترف بوجودها فجأة، في ضوء تجاوز سفينة، يظنّ انّها يونانيّة، الخط الرقم 29 في مياه جنوب لبنان.

إلى أين سيأخذ الغليان المنطقة في وقت بدأت ايران تكتشف ان ليس في استطاعتها الإستفادة من الحرب الأوكرانيّة وتداعيتها وانّه سيكون عليها، عاجلا ام آجلا، اخلاء الجنوب السوري. لا تمتلك ايران القدرة على استيعاب انّه ليس مسموحا لها استغلال أي انسحاب عسكري روسي من سوريا.

في النهاية، ما الذي ستفعله ايران في ضوء عجزها عن عقد صفقة مع "الشيطان الأكبر"؟ هذا السؤال سيطرح نفسه في المرحلة المقبلة بعدما حشرت "الجمهوريّة الإسلاميّة" نفسها في زاوية يصعب عليها الخروج منها. يصعب عليها الخروج منها نظرا إلى ان إدارة جو بايدن لم تعد تمتلك هامشا واسعا للمناورة مهما بلغ تعاطف المسؤول عن الملفّ الإيراني فيها (روبوت مالي) مع "الجمهوريّة الإسلاميّة". لا يمكن تجاهل انّ إدارة بايدن في وضع لا تحسد عليه ولم تعد قادرة على عقد أي صفقة مع ايران مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية التي يخشى ان تؤدي إلى فقدانها الاكثريّة في مجلسي الكونغرس.

يبقى لايران خيار الرهان على وضع غير مستقرّ في إسرائيل بعدما فقدت الحكومة الحالية برئاسة نفتالي بينيت الأكثرية في الكنيست. لكن تجارب الماضي القريب والبعيد تشير إلى ان الأمن يبقى العنصر الأهمّ الذي يتحكّم بسياسات إسرائيل بغض النظر عن طبيعة الحكومة فيها.

هل لدى إسرائيل شهيّة للحرب؟ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال في وقت لدى "الجمهوريّة الإسلاميّة" القدرة على استخدام ميليشيات متنوعة في المنطقة ابرزها "حزب الله" في لبنان. يستطيع الحزب الذي يسيطر عمليا على لبنان والذي يعمل وفق اجندة ايرانيّة الحاق اذى كبير بإسرائيل. لكنّ الوضع القائم في المنطقة، سيؤدي، على الرغم من دقّته، إلى مزيد من العقوبات يفرضها العالم على ايران بغية تفادي حرب واسعة في الشرق الأوسط والخليج. مثل هذا المنطق يقود إلى سؤال من نوع آخر: هل الوقت يخدم "الجمهوريّة الإسلاميّة" ام انّه يزيد الوضع الداخلي الإيراني صعوبة ويزيد من حدّة الأزمات الداخليّة التي يعاني منها نظام لم يتخل يوما عن شعار "تصدير الثورة". جعله هذا الشعار في هرب مستمر إلى خارج حدوده من دون ان يسأل نفسه عن ثمن ممارسة هذا الهرب من الواقع الداخلي الإيراني... إلى ما لا نهاية!