تونس تستعد لإرساء نظام رئاسي متين

في التعديلات الدستورية المقترحة، الحكومة تتخلى عن دورها السياسي للتفرغ للشأن الاقتصادي في شكل هيئة حُكمية يرأسها وزير أول وليس رئيس حكومة.
تونس

كشف المنسق العام للهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة الصادق بلعيد، الإثنين، في حوار تلفزيوني، أن مهمة اختيار وتعيين "الوزير الأول (رئيس الحكومة) ستوكل لرئيس الجمهورية وليس للحزب الفائز في الانتخابات كما هو جار به العمل حاليا وفق دستور 2014، ما يؤسس للنظام الرئاسي بدلا عن البرلماني.
ووصف بلعيد النظام الحالي بـ"الكارثي" في إشارة إلى ما أفرزه من عدم استقرار حكومي طيلة السنوات العشر الماضية فضلا عن تنازع الصلاحيات المستمرة بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة.
وأكد أن "الدستور الجديد يسعى إلى تحقيق توازن بين صلاحيات رئيس الدولة والهيكل الحكومي، ولكنه يحرص على التعاون بين مختلف السلطات حتى لا تحدث المآزق كما كان في السابق".

هيئة حُكمية تعنى بالشأن الاقتصادي بدل حكومة سياسية تنفيذية

وعاشت تونس أزمات سياسية بسبب خلافات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة انطلقت بالخلاف بين رئيس الجمهورية الاسبق المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة الاسبق حمادي الجبالي إبان فترة حكم الترويكا التي قادتها حركة النهضة بين 2011 و2014. وبلغت الخلافات بين رأسيْ السلطة التنفيذية ذروتها ووصلت حد التلاسن في المنابر الإعلامية بين الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد الذي تحصّن بحركة النهضة ضد حزبه نداء تونس.
وكانت معركة رئيس الحكومة هشام المشيشي مع رئيس الجمهورية آخر المعارك بين جناحيْ السلطة التنفيذية والتي انتهت بإقالة الحكومة وإقرار إجراءات استثنائية في الـ25 من يوليو الماضي. 
وستأخذ الحكومة، حسب تصريحات بلعيد، شكل "هيئة حُكمية" بحيث لن يكون لديها سلطة تنفيذية صرفة، بل سلطة مبادرة ومراقبة وتفكير، وستكون مكلفة أساسا بالوضع الاقتصادي، مما يعني أنها ستكون هيئة تقنية لا سياسية. 
وأشار بلعيد إلى أن الجمهورية الجديدة ستتخلى عن منطق "الدولة الراعية" التي تحتكر وسائل الإنتاج، مشددا على ضرورة الخروج من الدور المهيمن للدولة من خلال الإدارة التي وصف خدماتها بالمتردية وعاب عليها "سيطرتها على الإنتاج دون خلق ثروة".

وخلافا لما ورد في دستور 2014، فإن الدستور الجديد سينص على أن رئيس الجمهورية هو الذي يتولى تعيين الوزير الأول (وليس رئيس الحكومة) في مناسبة أولى. وفي حال الفشل يعين بديلا له في مناسبة ثانية. وفي حال الفشل مرة أخرى يلتزم رئيس الجمهورية بالاستقالة من منصبه.
 

رئيس الجمهورية سيستقيل إذا فشل مرتين في اختيار وزير أول 

وينص دستور 2014 على أن الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية هو من يقوم بتعيين رئيس حكومة تستمد شرعيتها في ما بعد من تصويت البرلمان بالمصادقة عليها.
وهذا ما لن يحدث مع دستور الجمهورية الجديدة حسب ما أفاد بلعيد إذ "سيكتفي البرلمان بدوره التشريعي، وسيكون دور رئيس الجمهورية في المقابل أعلى من الهياكل الدستورية والهياكل الحزبية"
ولم يوضح بلعيد ما هي آلية تحديد الفشل والنجاح لرئيس الهيئة الحُكمية (الحكومة)، بينما يتساءل مراقبون هل ستكون هذه الآلية موكولة للبرلمان بنظام التصويت بالأغلبية أم لا، وما هي آلية استقالة الرئيس في هذه الحالة.
وبخصوص الهيئات الدستورية والمحكمة الدستورية، كشف المتحدث أنه لا يوجد أي داع لإدراج هذه الهيئات في الدستور. كما تحدث بلعيد عن ضرورة إحداث هيئة دستورية "وازنة وذات هيبة" لمراقبة القوانين حتى تكون قادرة على إصدار قراراتها المتعلقة بمراقبة الدستور.
وعلق مختصون على مواقع التواصل الاجتماعي بالقول إن ملامح الجمهورية الجديدة تنبئ بعودة نظام رئاسي قوي محذرين من الانحراف نحو التسلط في إشارة إلى قول بلعيد إن الدستور الجديد لن يسعى إلى تكريس مبدأ الفصل بين السلطات حسب معايير مونتسكيو. 
وأضاف بلعيد في هذا الشأن أن منظومة مونتسكيو المتعلقة بالفصل بين السلطات "أصبحت غير مواكبة وتجاوزها الزمن".

في المقابل، يرى أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي أن هناك "مبالغة في حجم التخويف من النظام الرئاسي"، مشيرا إلى أن "الممارسة السياسية هي التي تجنح نحو التسلط والدكتاتورية لا دخل لطبيعة النظام في ذلك". 

وفي أيلول/ سبتمبر الماضي قال وليد الحجّام مستشار الرئيس قيس سعيّد، إن "دستور 2014 وضع نظاما سياسيا أثبتت التجربة أنه لم يعد مجديا وليس فيه منافع لتونس بل ساهم في تفتيت السلطة وتشابكها وأصبح من الصعب مواصلة العمل به"، لافتا إلى أن الاتجاه سيكون نحو تغيير النظام السياسي الراهن إلى نظام أكثر عدلا وتحديدا للمسؤوليات ويعطي فرصة للسلطات لممارسة مهامها كما يجب".

وأظهرت نتائج الاستشارة الالكترونية الوطنية التي أجرتها رئاسة الجمهورية في الفترة الفاصلة بين يناير ومارس 2022 أن نحو 86,4 %  من المشاركين يريدون تغيير النظام السياسي في البلاد إلى نظام رئاسي.