حماس ترمي بحجر في مياه الأسرى الراكدة

الحركة تسعى لتحويل أنظار بايدن نحوها والتشويش على السلطة الفلسطينية واستثمار الأزمة السياسية في إسرائيل لممارسة مزيد من الضغوط.
ملف الأسرى قد يعزز الانقسام داخل منظمة التحرير الفلسطينية
حماس تسعى لاستنساخ صفقة غلعاد شاليط الشهيرة
غزة

حركة حماس في طريقها إلى ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد عبر محاولة تحريك ملف الأسرى من جديد في توقيت حساس جدا، حيث يستعد الرئيس الأميركي جو بايدن لزيارة إسرائيل والأراضي الفلسطينية.
واستعدادا للقاء بايدن يعكف الرئيس الفلسطيني محمود عباس على ترتيب ملفاته التي سيعرضها على الرئيس الأميركي باعتباره "ممثلا لجميع الفلسطينيين". بينما تنشغل إسرائيل بأزماتها السياسية الداخلية وحالة الوهن التي تعاني منها الحكومة.
وعرضت كتائب القسام الجناح العسكري لحماس الثلاثاء، مقطعا مصورا يستغرق 40 ثانية للإسرائيلي هشام السيد الأسير لديها وهو موصول بجهاز تنفس ويبدو أنه في حالة صحية متدهورة. والسيد بدوي من عرب 48 يحمل الجنسية الإسرائيلية.
السيد عبر إلى قطاع غزة طوعا في عام 2015. وتقول حركة حماس إنه من قصاصي الأثر  بينما تقول عائلته أنه يعاني من اضطرابات عقلية. وهي المرة الأولى التي ترى فيها وجه ابنها حسب تصريحات والده لقناة   12 الإسرائيلية.

الرسالة الأولى، وهي بديهية، التي استوعبها الإسرائيليون هي أن الأسير السيد مازال على قيد الحياة. وذلك سعيا من حماس لرفع شروط التفاوض مع الجانب الإسرائيلي في إطار صفقة تبادل أسرى. فالتفاوض على أسرى أحياء يختلف عن التفاوض عن جثامين.
وقال المنسق السابق لشؤون الأسرى في الجيش الإسرائيلي موشي طال للإذاعة الإسرائيلية الرسمية (كان)، صباح الثلاثاء، إن "الإعلان غير العادي هو بمثابة سلم يسمح لحماس بالنزول من الشجرة في ما يتعلق بادعائهم أن أحد الجنديين على قيد الحياة".
وأضاف قائلا إن "إعلان حماس عن تدهور في صحة أحد الأسرى هو دعوة للاستيقاظ".
أما الرسالة الثانية فوجهتها حماس للداخل الإسرائيلي المنهك بأزمته السياسية في انتظار انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. 
وقال المراسل العسكري للقناة 12 الإسرائيلية نير دفويرن إن "الفيديو الذي ظهر به السيد هو محاولة من حماس لتحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى، وممارسة ضغوط على الحكومة الإسرائيلية في قضية الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين".
فحماس وإنْ كانت تعلم جيدا أن الحكومة الحالية باتت مؤقتة غير قادرة على اتخاذ قرار بشأن صفقة لتبادل الأسرى، لكنها محاولة من الحركة لمزيد من تأجيج الرأي العام الإسرائيلي بهدف ممارسة ضغوط اضافية وإجبار الحكومة على الرضوخ لمطالب حماس.

حماس تسعى لاستدراج اهتمام بايدن وإقراره بأهميتها في التوازنات الكبرى لعملية السلام

ووصف مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت قبل تخليه عن المنصب لوزير الخارجية يائير لابيد قرار حماس بنشر الفيديو بأنه "عمل يائس وبغيض". وعلّق لابيد قائلا إن "حماس منظمة إرهابية حقيرة".
وأفادت مصادر دبلوماسية مصرية أن الحكومة الإسرائيلية سارعت بالاتصال بالوسيط المصري وطلبت منه إبلاغ حماس بعدم التصعيد في الراهن "لعدم استعدادها للتفاوض".
وتفيد تقارير إسرائيلية أن حماس تحتجز حاليا 4 إسرائيليين، إثنان منهم على قيد الحياة وهما أفيرام منغيستو وهشام السيد، بالإضافة إلى جثتي جندييْن إسرائيلييْن  وهما أورون شاؤول وهدار غولدن اللذان قُتلا خلال حرب غزة سنة 2014.
وأجرت إسرائيل وحماس محادثات غير مباشرة في محاولة للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى لكنها لم تثمر عن نتائج فعلية بسبب ما اعتبرته إسرائيل مغالاة من حماس في تحديد عدد ونوعية الأسرى الفلسطينيين الذين تطالب بالإفراج عنهم والذين تعتبر إسرائيل أن بعضهم "أياديهم ملطخة بالدماء". وتأمل حماس في عقد صفقة "تاريخية" مماثلة لصفقة إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط لسنة 2011 عندما تم الإفراج عن 1027 أسيرا فلسطينيا.
وتوقع الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب أن يفتح فيديو الجندي هشام السيّد المجال أمام الوسطاء "لإبرام صفقة تبادل إنسانية عاجلة، بالإفراج عن الأسير السيد مقابل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين المرضى في السجون الإسرائيلية".
وقال المختص بشؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين عبد الناصر فروانة إن "هدف كتائب القسام هو تحريك المياه الراكدة في ملف التبادل"، واصفا هذه الخطوة بـ"الإيجابية في سياق البحث عن أدوات ضاغطة وتغيير آلية التعامل مع الملف".
ويرجح محللون ألا تفوّت حماس زيارة بايدن إلى المنطقة لتوجيه رسائل نوعية.
وذكر المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس طاهر النونو في مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي، أن "المقاومة الفلسطينية الشاملة قادرة على التصدي وإفشال مشروع الناتو الإقليمي التي تريد الإدارة الأميركية الجديدة زرعه، كما أفشلت مشروع صفقة القرن الذي أراد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرضه في المنطقة".
وقد يكون بايدن مدعوا الآن إلى وضع حماس في حساباته إثناء مفاوضاته مع المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين في وقت لاحق من الشهر الجاري، لأن الحرص الأميركي على حماية مصالح إسرائيل يجبر بايدن في هذه المرحلة على استدعاء الحركة وجناحها العسكري في ذهنه، على ذكر متابعون.

تحرير رموز النضال الفلسطيني يعني لحماس إرباك السلطة الفلسطينية والتشويش على محمود عباس نفسه

ولعل ما ترغب حماس في أن يدركه بايدن هو أن المرور عبر الحركة هو أحد مسالك السلام مع إسرائيل لاسيما وأنها تتحكم بواحد من أكثر الملفات حساسية بالنسبة للطرفين، وهو ملف الأسرى. ومن شأن هذا الملف استدراج اهتمام بايدن وإقراره بأهمية حماس في التوازنات الكبرى المتعلقة بعملية السلام.
وبالتالي ستتمكن الحركة من التشويش على تحركات السلطة الفلسطينية وتشتيت تركيزها بخصوص الدعم الذي تنتظره من الإدارة الأميركية. وهو ما يعني لحماس مزاحمة السلطة الفلسطينية في رام الله وعلى رأسها الرئيس محمود عباس. وهذا هو مضمون الرسالة الحمساوية الرابعة.
فالرسالة الرابعة تستهدف أساسا البيت الفتحاوي المنقسم بدوره بسبب الخلافات الحالية داخل حركة فتح بشأن تصورات ما بعد عباس. 
وقد تسعى حماس من خلال تحريك ملف الأسرى للتشويش على السلطة الفلسطينية خاصة في حال تمكّنها من تحرير رموز النضال الفلسطيني الذين ضمّنتهم في قائمة خاصة. وهم الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات والقيادي الفتحاوي مروان البرغوثي، الذي يعني خروجه في التوقيت الراهن خلطا لكافة أوراق المشهد.
ولتحرير البرغوثي حسب مراقبين، تأثير مباشر على صراع السلطة في منظمة التحرير الفلسطينية المحتدم بين تيار حسين الشيخ ومن معه من القيادات الأمنية والاستخباراتية، وتيار جبريل الرجوب ومن معه من القيادات التاريخية.
ويبدو أن حماس جادة ومتحمسة لتحريك ملف الأسرى الذي يُعتبر ملفا أمنيا واستخباراتيا بامتياز داخل الحركة بدليل أن مقطع الفيديو نشرته كتائب القسام وليس المكتب السياسي للحركة.
ويشرف على إدارة ملف الأسرى في حماس القيادي البارز في الجناح العسكري محمد ضيف بمساعدة يحيى السنوار الذي كان أسيرا لدى إسرائيل وخرج في صفقة غلعاد شاليط.