غاز شرق المتوسط إنقاذ للبنان وامتياز لإسرائيل

لحقل الغاز كاريش لدى إسرائيل أبعاد استراتيجية تعزز دورها كمزود رئيسي في المنطقة بينما يكتسي أبعادا اقتصادية معيشية للبنان الباحث عن الخبز والكهرباء.
بيروت

يرى لبنان في حقل الغاز كاريش بارقة أمل للخروج من أزماته الاقتصادية المركبة. وترى إسرائيل أن الحقل سيخطو بها خطوة إلى الأمام للعب دور متقدم في سوق الغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط. ويرغب حزب الله في إعادة التموقع داخليا وإقليميا لا سيما بعد انحسار دوره داخل لبنان عقب الانتخابات التشريعية الأخيرة.
واستعانت إسرائيل في يونيو/ حزيران الماضي، بالسفينة اليونانية العائمة إنرجان باور لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في حقل كاريش المتنازع عليه وتصنيعه وتخزينه.
واستقرت السفينة على بعد 80 كيلومترا قبالة الساحل الشمالي لإسرائيل، ومن المزمع أن تبدأ الإنتاج في الربع الثالث من هذا العام.
وستستخدم السفينة عدة مراسٍ على عمق 1676 مترا في المياه من أجل تثبيت موقعها، ومن ثم سيتم ربط معدات في قاع البحر متصلة بحقل الغاز بواسطة خراطيم بالسفينة العائمة.
ووصف الرئيس اللبناني ميشال عون أي نشاط إسرائيلي في منطقة بحرية متنازع عليها بأنه يشكل "استفزازا وعملا عدوانيا".
وقال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في يونيو/ حزيران الماضي إن "محاولات العدو الإسرائيلي افتعال أزمة جديدة، من خلال التعدي على ثروة لبنان المائية، وفرض أمر واقع في منطقة متنازع عليها ويتمسك لبنان بحقوقه فيها، أمر في منتهى الخطورة".

تبلغ احتياطات حقل الغاز كاريش المتنازع عليه 1.8 تريليون قدم مكعبة

وقبيل وصول الوسيط الأميركي آموس هوكسشتاين إلى بيروت للبحث في استكمال المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل في شأن ترسيم الحدود البحرية، تظاهر مئات الأشخاص وعدة نواب لبنانيين الشهر الماضي، في الناقورة الحدودية في جنوب لبنان احتجاجا على اعتبار إسرائيل حقل كاريش "من الأصول الاستراتيجية للدولة العبرية"، مثلما ذكر البيان المشترك لوزراء الدفاع والطاقة والخارجية الإسرائيليين في وقت سابق.
ويتخبط لبنان منذ سنوات في أزمات سياسية واقتصادية معقدة بسبب عدم الاستقرار السياسي وتفشي الفساد والحرب في سوريا وجائحة كورونا مما أدى إلى تهاوي قيمة الليرة اللبنانية وارتفاع نسب التضخم وتدهور القدرة الشرائية.
ويرى متابعون أن من شأن حقل الغاز كاريش البالغة احتياطاته 1.8 تريليون قدم مكعبة المساعدة في حل جانب من مشاكل اللبنانيين.
فلبنان غير قادر اليوم حتى على تأمين احتياجاته الداخلية للتيار الكهربائي الذي يحتاج إلى الغاز للتشغيل والذي يشهد انقطاعات متكررة.
وخلال الشهر الماضي أكد ميت مور مدير عام إيكو إنيرجي لاستشارات الاقتصاد الاستراتيجي في إسرائيل، أن لبنان الذي يعاني من أزمة كبيرة في الطاقة سيبدأ باستيراد الكهرباء المولدة في الأردن من الغاز الإسرائيلي.
وأشار إلى أن الأردن ينتج نحو 80 بالمئة باستخدام الغاز الطبيعي المورد من إسرائيل.  
ورأى مور أن "المفارقة ستتعاظم عندما سيبدأ لبنان بتلقي الغاز من مصر، حيث ستبدأ شركة الكهرباء اللبنانية قريبا من خلال صفقة دائرة مع شركة الغاز المصرية، بتلقي غاز طبيعي من إسرائيل في صالح محطة توليد الطاقة في طرابلس، وسيصل الغاز عبر الأردن وسوريا بحجم 0.5 مليار متر مكعب في السنة، بتكلفة تقدر بنحو 100 مليون دولار".

تسعى إسرائيل لاقتناص الفرصة  لتوفر عرضا في سوق الغاز المسال لتلبية جزء من الطلب الأوروبي بحثا عن الحماية الغربية

ويملك لبنان 10 مناطق امتياز على طول حدوده البحرية. لكن الخلاف مع إسرائيل يدور عند حدود المنطقة 9 حيث يقع حقل كاريش. 
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس مطلع الشهر الماضي إن الخلاف مع لبنان بشأن احتياطات الغاز الطبيعي البحرية "مسألة مدنية ستُحل دبلوماسيا بوساطة أميركية".
ورحبت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار بوصول السفينة وقالت إنها تأمل في أن تبدأ العمل سريعا. وقالت "سنواصل العمل على تنويع سوق الطاقة والحفاظ على الاستقرار والثقة".
ويفيد محللون أن تمسك إسرائيل بحقل كاريش له أبعاد استراتيجية أكثر منها اقتصادية، إذ تأمل تل أبيب في تضخيم دورها كلاعب أساسي لسوق الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط لا سيما بعد انضمامها إلى منتدى شرق المتوسط وتوقيعها اتفاقيات تصدير مع كل من مصر والأردن.
وأجرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ووزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي زيارات متتالية إلى تل أبيب بحثا عن الطاقة، الأمر الذي زاد في إحساس إسرائيل بأهميتها في المنطقة في وضع عالمي يشهد صعوبات على مستوى التزود بموارد الطاقة خاصة الغاز والنفط جراء الحرب الدائرة في أوكرانيا.
وتملك إسرائيل مجموعة حقول للغاز الطبيعي قبالة سواحلها على البحر المتوسط، إلا أن نسبة منها أغلقت بسبب نفاد الاحتياطات فيها. لكن حقولا أخرى ما تزال فاعلة وبها كميات كبيرة من الغاز.
ويعتقد محللون أن إسرائيل تسعى  لاقتناص الفرصة بتسريع مسار الإنتاج، من أجل أن توفر عرضا في سوق الغاز المسال لتلبية جزء من الطلب الأوروبي، الأمر الذي سيزيد من فرص حمايتها ودعمها من الغرب. 
وتعوّل إسرائيل على السيطرة على كاريش دون حدوث صدام عسكري مع لبنان لتثبيت أمر واقع لا يمكن التراجع عنه.
لكن قد تبدو هذه المهمة صعبة بالنظر إلى محاولات حزب الله اللبناني التصعيد مع إسرائيل. 

الأضواء في منزل أمين عام حزب الله ستشعل بواسطة الغاز الإسرائيلي

وأكد حزب الله المدعوم من إيران السبت الماضي، أنه أطلق ثلاث طائرات مسيرة باتجاه حقل كاريش  للقيام "بمهمة استطلاعية"، معتبرا أن "المهمة أنجزت والرسالة وصلت".
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه اعترض المسيرات الثلاث المتجهة من لبنان إلى إحدى منصات الغاز التابعة لها في البحر المتوسط وتمكن من إسقاطها.
وفي تصريحه لصحيفة إسرائيل اليوم قال مدير عام إيكو إنرجي الإسرائيلية بتهكم "المفارقة أن الأضواء في منزل أمين عام حزب الله حسن نصر الله، ستشعل عمليا بواسطة الغاز الإسرائيلي".
وذكرت الصحيفة أن تلك التصريحات جاءت عقب "رسائل التهديد التي أطلقها زعيم حزب الله نحو إسرائيل".
وكان حزب الله حذر إسرائيل في السابق من التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة المتنازع عليها حتى يحل النزاع وقال إنه "سيتخذ إجراء إذا حدث ذلك".
ويرى بعض المحللين أن تهديدات حزب الله تدخل في إطار الدعاية الإعلامية لا غير بحثا عن موقع له في لبنان وفي المنطقة خاصة بعد تضاؤل حجمه السياسي بناء على نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أجريت في لبنان في أيار/ مايو الفائت.
وتصر إسرائيل على أن الحقل "يقع ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة وعلى أن المفاوضات الجارية حول ترسيم الحدود البحرية لا تشمله".
 وتوقفت المفاوضات التي انطلقت بين الطرفين عام 2020 بوساطة أميركية في أيار/ مايو من العام الماضي جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها.
وكان من المفترض أن تقتصر المحادثات لدى انطلاقها على مساحة بحرية تقدّر بنحو 860 كيلومترا مربعا تُعرف حدودها بالخط 23، بناء على خريطة أرسلها لبنان عام 2011 إلى الأمم المتحدة. لكن لبنان اعتبر لاحقا أن الخريطة استندت إلى تقديرات خاطئة، وطالب بالبحث في مساحة 1430 كيلومترا مربعا إضافية تشمل أجزاء من حقل كاريش وتُعرف بالخط 29.