مخاوف جزائرية من حصانة ضد الطرد لطلاب المدارس
الجزائر – فيما يستعد ملايين طلبة المدارس الجزائريين للعودة لمقاعد الدراسة، اتخذت وزارة التربية الجزائرية قرارا بمنع طرد التلاميذ دون سن الـ 16 مهما كانت المبررات في خطوة تهدف لمحاصرة ظاهرة التسرب المدرسي لا تحظى باجماع خاصة داخل الأسرة التربوية مع انتشار العنف المدرسي والظواهر المخلة بالنظام داخل هذه المؤسسات.
ووفق إحصائيات وزارة التربية، يغادر مقاعد الدراسة سنويا في الجزائر نحو نصف مليون طفلـ ويتورط معظمهم في الانحراف بسبب ضعف أداء مراكز التكوين التي لا تستقطب سوى العدد القليل من هؤلاء التلاميذ في ظل غياب التنسيق بين مراكز التكوين والمدارس.
وفي حل ترقيعي للمشكل، ووفق وسائل اعلام محلية، أعطت مديريات التربية تعلميات صارمة بعدم طرد التلاميذ دون سن الـ 16 مهما كانت الأسباب، وتسهيل عودتهم إلى مقاعد الدراسة بالترخيص لهم بإعادة السنة.
وطالبت المديرية أيضاً، بالالتزام بالتطبيق الصارم لفحوى القانون رقم 08/04 المتضمن القانون التوجيهي للتربية، الذي يضمن حق التمدرس للجميع من دون استثناء.
والقرار لا يستثني المؤسسات التعليمية الخاصة.
واستندت المديرية في خطوتها على استيفاء السن القانونية للتعليم الإلزامي المضمونة دستورياً.
ودعت المديرية مدراء المؤسسات التربوية الذين وقعوا في "أخطاء" مماثلة إلى "الاستعجال في استدراك الأمر ومعالجته تفادياً لتفاقمه"، وحذرت من توجيه هؤلاء الطلاب إلى الحياة العملية.
ورأى النقابي عبدالكريم شاوشي، أن القرار غير واقعي ولا يستند إلى أي أساس تربوي، إذ من غير المعقول أن يتم السماح للطلاب المطرودين تحت تبريرات عدة من إعادة السنة، وهم لا تتوافر فيهم الشروط، مبرزاً أن عدم حضور الامتحانات الفصلية من دون مبرر، وتكرر استعمال العنف مع الأساتذة، من الأسباب التي تؤرق المؤسسات التعليمية.
وتعتبر الغيابات غير المبررة وعدم حضور الامتحانات الفصلية، والعنف الجسدي المتكرر، وتناول السجائر والمخدرات والمهلوسات، أو حيازة أسلحة وأدوات حادة، من أهم الأسباب التي تستدعي عقد "مجلس الأقسام" المشكل من الأساتذة وإدارة المؤسسة التعليمية وممثل الأولياء، من أجل اتخاذ قرار الفصل.
وتابع شاوشي أن مثل هذه الخطوة سياسية أكثر منها تربوية، وقال إنه لا يمكن الحكم على انعكاسات القرار وآثاره على التعليم ما دامت السياسة تتدخل في شؤون تسيير المؤسسة التربوية، موضحاً أن لهذا الإجراء سلبيات كثيرة منها الاكتظاظ داخل الأقسام، وصعوبة تلقين الأساتذة الدروس، وتوسع دائرة العنف والتشويش، وتراجع بذلك المستوى التعليمي.
ويخشى أخصائيون من ان يعتبر بعض الطلاب القرار ضوءا أخضرا للتمادي في سلوكياتهم المندفعة، محتمين بالحصانة التي يوفرها القرار.
خطوة سياسية أكثر منها تربوية
تشير تقارير نقابات التّربية في الجزائر إلى أنّ حالات العنف تقع يوميا عبر مختلف المؤسّسات التّربوية الجزائريّة، وأدّى البعض منها إلى حصول وفيات وإعاقات جسديّة دائمة، فقد تعرّضت أستاذة بولاية “تبسّة” الحدوديّة للتّشوّه الدّائم بعدما رُمِي عليها حمض كميائيّ، تورّط فيه مدير متوسطة ومقتصد.
والعام الماضي، شهدت ابتدائيّة "الشّهيد بوعلام خليف" بحي مناصرية بمدينة الكاليتوس جنوب شرق العاصمة الجزائر، جريمة مروّعة راح ضحيّتها تلميذ في السّنة الرّابعة بعد تلقّيه ضربات على مستوى الصّدر والقلب والرّأس من قبل زميله خلال شجار انتهى بجريمة قتل.
وتغيب الإحصاءات الرّسمية الحديثة حول حالات العنف المسجّلة داخل المدرسة الجزائريّة، لكن المفتّش العام بوزارة التّربية الوطنيّية مجادي مسقم، أشار في تصريح إذاعيّ إلى إنّ تنامي ظاهرة العنف بمختلف أنواعه داخل المدرسة الجزائريّة، أدّى إلى تسجيل أربعين ألف حالة عنف سنة 2014 بالمؤسّسات التّربويّة.
في المقابل، رأى مدير متوسطة "الإخوة فروخي"، بوعلام سيساني، أن الوزارة تسعى بقرارها إلى دعم التلاميذ في محاولة لتدارك الأمر، ومنحهم الفرصة للحفاظ على مستقبلهم الدراسي، مضيفاً أن الخطوة تعمل على تحقيق التعليم الإجباري للأطفال الذين بلغوا السن القانونية، أي ست سنوات كاملة، وضمان الحق الدستوري في التمدرس للتلاميذ إلى غاية سن 16. وأوضح أن الترخيص بإعادة السنة من صلاحيات "مجالس الأقسام على اعتبار أن قراراتها تعد غير قابلة للنقاش"، ولفت إلى أنه، بخصوص كيفية معالجة الحالات، يجب تثبيت الحادثة من خلال تقرير الأستاذ أو مشرف التربية، وإذا كان الأمر يتعلق بتناول سجائر أو مواد محظورة أو حيازة أسلحة أو أدوات حادة أو هاتف نقال وغيرها، فيجب حجزها ومصادرتها وإرفاقها بالتقرير الذي يرسل للمدير أو المستشار إذا كان الأمر ليس خطيراً، ليتم استدعاء ولي أمر التلميذ وإبلاغه بالوقائع، ثم اتخاذ العقوبات اللازمة، بحسب القانون، التي تنحصر بين الإنذار إلى التوبيخ الكتابي، أو الإحالة على مجلس التأديب، أو الإحالة على لجنة الإرشاد والمتابعة، وهناك حالات تستدعي التحويل لمجلس التأديب.
وتستعد نالمدارس في البلاد لاستقلال ما يقارب 11 مليون تلميذ في المراحل التعليمية الثلاث، الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وذلك بزيادة تقارب نصف مليون تلميذ مقارنة بالعام الماضي.
وقال وزير التربية الوطنية، عبد الحكيم بلعابد، في مؤتمر صحافي، عشيّة إعلان نتائج امتحانات شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) وبدء التحضير للدخول المدرسي المقبل في الجزائر، إنّ "التقديرات الرسمية تشير إلى أنّنا نقترب من عتبة 11 مليون تلميذ عبر المستويات التعليمية في خلال السنة الدراسية المقبلة، منهم 425 ألف تلميذ جديد سيلتحقون للمرّة الأولى بالمدرسة، أي ما يقارب ارتفاعاً بنسبة 4.3 في المائة من تعداد التلاميذ"، وهي نسبة أقلّ من تلك التي سُجّلت في العام الماضي بستة في المائة.
وتفرض القوانين الجزائرية إلزامية التعليم على الأطفال عند بلوغهم سنّ السادسة، وتطاول هذه القوانين العائلات التي تتخلف عن تمدرس أبنائها أو تمنعهم منه.
والتعليم مجاني في الجزائر، إذ تتحمّل الدولة كلّ النفقات حتى المرحلة الجامعية، ما عدا تكاليف الكتاب المدرسي.
وتخصّص الدولة وجمعيات خيرية مع بداية كلّ موسم دراسي مساعدات خاصة بالعائلات الفقيرة، فتوزَّع الحقائب والأدوات المدرسية، فيما أقرّت الحكومة تخصيص منحة تمدرس لأبناء العائلات المعوزة.