الحجاب يفجر انقسامات حادة في إيران والجيش يتوعد المحتجين

في الوقت الذي تشهد فيه أكثر من 80 مدينة إيرانية احتجاجات عارمة تنديدا بممارسات شرطة الأخلاق، حرك النظام الديني أنصاره لمظاهرات مضادة داعمة لارتداء الحجاب محتكما للشارع في مواجهة مضادة لموجة سخط شعبي.
الحرس الثوري يصف الاحتجاجات بـ"الأعمال الخبيثة"
واشنطن تعلن إجراءات لتسهيل اتصال الإيرانيين بالانترنت
رئيسي: المسيرات المؤيدة للحكومة تظهر قوة إيران

طهران - فجرت قضية ارتداء الحجاب والضوابط الصارمة التي تطبقها شرطة الأخلاق المتهمة بقتل الفتاة الإيرانية الكردية مهسا أميني، انقسامات حادة في إيران بين مؤيد لتلك الضوابط وبين رافضين لها ولممارسات السلطة الدينية، بينما توعد الجيش الإيراني بالتصدي لمن وصفهم بـ"الأعداء" مع تصاعد واتساع نطاق المظاهرات المناوئة للنظام.

وفي الوقت الذي تشهد فيه أكثر من 80 مدينة إيرانية احتجاجات عارمة تنديدا بممارسات شرطة الأخلاق وبمقتل مهسا أميني، حرك النظام الديني أنصاره لمظاهرات مضادة محتكما للشارع في مواجهة موجة سخط شعبي.

وتشهد مدن إيرانية الجمعة تظاهرات دعت إليها منظمة حكومية تأييدا لوضع الحجاب بعد أيام من احتجاجات على وفاة أميني التي أوقفتها شرطة الأخلاق ودخلت في غيبوبة قبل أن تتوفى في ظروف لم تتضح بعد. وفي الوقت ذاته، تبقى قيود مشددة مفروضة على الانترنت في كل أنحاء البلاد.

ودعا المجلس الإسلامي لتنسيق التنمية المكلّف بتنظيم التظاهرات الرسمية في إيران إلى تظاهرات مؤيدة للحجاب الجمعة.

ووصف المجلس المحتجين بـ"المرتزقة الذين أهانوا القرآن الكريم والنبي وأحرقوا مساجد وعلم الجمهورية الإسلامية المقدس ودنّسوا حجاب النساء والأماكن العامة ومسّوا بالأمن العام"، وفق ما نقلت عنه "إرنا".

وسارت تظاهرات حاشدة الجمعة في عدة مناطق إيرانية دعما للحجاب، بعد سبعة أيام من احتجاجات تخللتها مواجهات ردا على وفاة الشابة مهسا أميني بعد توقيفها على يد شرطة الأخلاق بسبب "لباسها غير المحتشم".

ونقل التلفزيون الإيراني الرسمي صورا من طهران وتبريز وقم وحمدان وأصفهان والأهواز وغيرها بدت فيها أعداد ضخمة من المتظاهرين تسير في الشوارع، وقد حمل كثيرون منهم أعلاما إيرانية وصور مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي.

وشوهد في بعض المسيرات رجال يتقدمون إلى جانب بعضهم، بينما النساء اللواتي ارتدين التشادور بمعظمهن يسرن مع بعضهن.

وأشاد المتظاهرون في وسط طهران الذين انطلقوا في مسيرتهم بعد صلاة الجمعة بالقوى الأمنية المستهدفة من المتظاهرين. وقال الإمام سيد أحمد خاتمي في خطبة الجمعة في مسجد جامعة طهران "أطلب بحزم من السلطة القضائية التحرك بسرعة ضد المشاغبين الذين يعنفون الناس ويضرمون النار في الممتلكات العامة ويحرقون القرآن"، مضيفا "عاقبوا هؤلاء المجرمين بسلاح القانون".

ورفع المتظاهرون لافتات شكروا فيها قوات الأمن "العمود الفقري للبلاد"، وحملوا على النساء اللواتي أحرقن حجابهن خلال تظاهرات احتجاجية في الأيام الماضية. وهتفوا "الدعوة إلى إلغاء الحجاب تنفيذ لسياسة الأميركيين".

وبدأت التظاهرات بعد إعلان السلطات في 16 سبتمبر/أيلول وفاة أميني (22 عاما) المتحدرة من محافظة كردستان (شمال غرب) في ظروف لم تتضح.

وأظهرت أشرطة فيديو تم التداول بها على مواقع التواصل الاجتماعي نساء في التجمعات يخلعن الحجاب، وألقت بعضهن حجابهن في النار.

وحمل الحرس الثوري الإيراني بدوره على المتظاهرين وندّد بـ"عملية نفسية وحرب إعلامية مفرطة" بدأت "بذريعة وفاة مواطنة"، مشيدا بـ"جهود وتضحيات الشرطة"، واصفا ما يحصل بأنه "مؤامرة جديدة سيكون مصيرها الفشل".

ودعا رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إجئي الخميس المدعي العام والقضاء إلى التحرك "للحفاظ على الأمن وسلامة المواطنين في كل البلاد ومواجهة العناصر المخربة والمشاغبين المحترفين".

وقال "الأشخاص الذين ألحقوا ضررا بالممتلكات العامة وخالفوا أوامر الشرطة والمرتبطون بأجهزة تجسس خارجية يجب أن يعاملوا وفق القانون، من دون أي رحمة".

كما أعلنت أجهزة الاستخبارات في بيان أن "كلّ مشاركة في تظاهرات غير قانونية ستُعاقب أمام القضاء".

وقال الجيش الإيراني في بيان اليوم الجمعة إنه "سيتصدى للأعداء" لضمان الأمن وذلك في تحذير هو الأشد حتى الآن للمحتجين الغاضبين الذين خرجوا في أنحاء البلاد إثر وفاة مهسا أميني خلال احتجازها لدى شرطة الأخلاق.

واعتبر أن "هذه الأعمال اليائسة جزء من إستراتيجية خبيثة للعدو هدفها إضعاف النظام الإسلامي"، مضيفا أنه "سيتصدى لمؤامرات الأعداء المختلفة بهدف ضمان الأمن والسلام لأولئك الذي يتعرضون للاعتداء ظلما".

ووصفت وسائل إعلام إيرانية المسيرات الموالية للحكومة بأنها "زئير حماسة الشعب ضد مثيري الشغب".

ويخشى رجال الدين الذين يحكمون إيران من عودة الاضطرابات التي شهدتها البلاد عام 2019 احتجاجا على ارتفاع أسعار البنزين والتي كانت الأكثر دموية في تاريخ الجمهورية الإسلامية. وذكرت رويترز أن 1500 شخص قتلوا آنذاك.

وفي أحدث الاضطرابات، أضرم محتجون في طهران ومدن أخرى النيران في مراكز شرطة ومركبات تابعة لها، وسط غياب أي مؤشرات على تراجع حدة الغضب بشأن وفاة أميني، فيما تشير أنباء إلى تعرض قوات الأمن للهجوم. وأفادت وسائل الإعلام الإيرانية باعتقال 280 من مثيري الشغب أمس الخميس.

وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إن المظاهرات المؤيدة للحكومة اليوم الجمعة تظهر قوة الجمهورية الإسلامية، مضيفا في كلمة نقلها التلفزيون مباشرة، عقب عودته من نيويورك حيث حضر اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة "وجود الشعب في المسيرات اليوم هو قوة وشرف الجمهورية الإسلامية".

أعلنت واشنطن الجمعة أنها خففت قيود تصدير التكنولوجيا المفروضة على إيران لتوسيع الوصول إلى خدمات الإنترنت التي قيدتها الحكومة بشدة وسط حملة لقمع التظاهرات مستمرة منذ أسبوع احتجاجا على وفاة شابة أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق.

واعتبرت وزارة الخزانة الأميركية أن قطع طهران الإنترنت محاولة "لمنع العالم من مشاهدة حملتها العنيفة ضد المتظاهرين السلميين". وقال نائب وزير الخزانة والي أدييمو في بيان إن الإجراء الجديد سيسمح لشركات التكنولوجيا "بتوسيع نطاق خدمات الإنترنت المتاحة للإيرانيين".

وأضاف "مع خروج الإيرانيين الشجعان إلى الشارع للاحتجاج على وفاة مهسا أميني تضاعف الولايات المتحدة دعمها لتدفق المعلومات بحرية إلى الشعب الإيراني".

وقالت أيضا إنها تتخذ إجراءات للسماح بالوصول إلى البرامج بما في ذلك أدوات مكافحة الفيروسات والبرامج الضارة بالإضافة إلى خدمة مؤتمرات عبر الفيديو لدعم "وصول الشعب الإيراني إلى معلومات تستند إلى حقائق"، مضيفة "بهذه التغييرات نساعد الشعب الإيراني في أن يكون أفضل استعدادا لمواجهة جهود الحكومة في مراقبته والتضييق عليه".

وأثارت وفاة أميني الغضب بشأن قضايا من بينها القيود المفروضة على الحريات الشخصية في إيران، بما في ذلك إلزام النساء بارتداء الحجاب، فضلا عن الاقتصاد الذي يترنح تحت تأثير العقوبات.

وقتل 17 شخصا على الأقلّ في التظاهرات الاحتجاجية التي خرجت في مناطق عدة من إيران منذ إعلان وفاة أميني وتخللتها مواجهات، بينهم عناصر في قوى الأمن، بحسب الإعلام الرسمي الإيراني، لكنّ الحصيلة قد تكون أعلى، وفق منظمات غير حكومية تتابع الشأن الإيراني في الخارج وتقول إن عدد القتلى أكثر من 30 شخصا.

وقد أورد مركز حقوق الإنسان في إيران الذي يتخذ من نيويورك مقرا أن عدد قتلى الاحتجاجات ارتفع إلى 36، مشيرا إلى تواصل الاحتجاجات في مدن عدة.

وجاء في تغريدة على صفحته على تويتر "في اليوم السابع من الاحتجاجات في إيران، أقرّ المسؤولون بمقتل 17 شخصا على الأقل، بينما تشير المصادر المستقلة الى36"، مضيفا "من المتوقع أن ترتفع الحصيلة. على قادة العالم أن يضغطوا على المسؤولين الإيرانيين للسماح بالتظاهر من دون استخدام السلاح القاتل".

وكانت الشابة الإيرانية أوقفت بسبب ارتدائها "لباسا غير محتشم". وقال ناشطون إنها تلقت ضربة على رأسها، لكن السلطات الإيرانية نفت ذلك، وقالت إنها فتحت تحقيقا في الحادثة.

وتخلّلت الاحتجاجات مواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن، وأحرق المتظاهرون آليات للشرطة وألقوا الحجارة باتجاهها، وفق أشرطة فيديو تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وناشطين. وردت الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع وأوقفت عددا من الأشخاص، بحسب وسائل إعلام إيرانية.

وقال مركز "هنكاو" لحقوق الإنسان الكردي والذي يتخذ من أوسلو مقرا إن قوات الأمن استخدمت "أسلحة نصف ثقيلة" ضد المتظاهرين ليلا في مدينة أوشناويه في الشمال.

وقال مركز حقوق الإنسان في إيران إن الحكومة ردّت على المتظاهرين بـ"الذخيرة الحية والمسدسات والغاز المسيل للدموع، وفق أشرطة فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي التي ظهر فيها أشخاص ينزفون بغزارة".

وبين أشرطة الفيديو المتداولة، إقدام متظاهرين، على تشويه أو إحراق صور للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، في تصرفات نادرا ما تسجّل في إيران.

وأثار موت مهسا أميني البالغة 22 عاماً إدانات شديدة في عدد من الدول والمنظمات غير الحكومية الدولية التي انتقدت أيضا قمع التظاهرات الاحتجاجية التي رفعت فيها هتافات تطالب بالحرية وسقوط النظام.

ولا تزال خدمات الإنترنت والاتصالات شبه مقطوعة بالكامل عن البلاد منذ يومين. وتحدث موقع "نيتبلوكس" لمراقبة الإنترنت عن "اضطرابات" في الشبكة. وكانت خدمات واتساب وانستغرام أوقفت منذ الأربعاء.

وذكرت وكالة أنباء "فارس" أن الإجراء اتخذ بسبب "أعمال نفذها مناهضو الثورة ضد الأمن القومي عبر شبكات التواصل الاجتماعي".

وأثار موت مهسا أميني البالغة 22 عاما، إدانة شديدة في عدد من دول العالم، وندّدت منظمات غير حكومية دولية بقمع "وحشي" للتظاهرات.

وأعلنت واشنطن الخميس فرض عقوبات اقتصادية على شرطة الأخلاق الإيرانية وعدد من المسؤولين الأمنيين لممارستهم "العنف بحق المتظاهرين".

وتظاهرات الأيام الماضية هي بين الأكبر في إيران منذ تظاهرات نوفمبر/تشرين الثاني 2019 التي اندلعت إثر رفع أسعار الوقود في أوج أزمة اقتصادية. وامتدت حركة الاحتجاج إلى نحو مئة مدينة وتم قمعها بقوة. وبلغت الحصيلة الرسمية 230 قتيلا وأكثر من 300 بحسب منظمة العفو الدولية.