حملة القمع تفشل في إخماد حراك 'مهسا اميني' في غرب إيران
طهران - فشلت إيران في كبح أسوا احتجاجات تشهدها البلاد منذ مظاهرات الحركة الخضراء في العام 2009، على الرغم من حملة قمع واسعة تستخدم فيها السلطات كل الوسائل لإخماد الحراك التي بدأ عقب وفاة مهسا اميني بعد احتجازها من قبل شرطة الأخلاق.
حذّرت الشرطة الإيرانية الأربعاء من أن وحداتها ستواجه "بكل قوتها" المتظاهرين الذين يحتجون منذ 12 يوما على وفاة الشابة مهسا اميني التي كانت موقوفة لدى "شرطة الأخلاق"، وذلك في حملة قمع أوقعت حتى الآن عشرات القتلى.
ومساء الثلاثاء تواصلت التظاهرات الليلة احتجاجا على وفاة أميني البالغة 22 عاما خلال احتجازها لدى "شرطة الأخلاق" لعدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة للجمهورية الإسلامية.
والأربعاء جاء في بيان لقيادة الشرطة أوردته وكالة أنباء "فارس" الإيرانية أن "عناصر الشرطة سيواجهون بكل قوتهم مؤامرات مناهضي الثورة والعناصر المعادين، وسيتصرفون بحزم ضد من يخلّون بالنظام العام وبالأمن في كل أنحاء البلاد".
ويقول نشطاء حقوقيون إن الشرطة أطلقت على المحتجين الخرطوش والرصاص الحي.
وبحسب حصيلة جديدة نشرتها الثلاثاء وكالة أنباء فارس "قتل نحو 60 شخصا" منذ 16 سبتمبر/أيلول. وأعلنت الشرطة مقتل عشرة من عناصرها لكن لم يتّضح إن كان هؤلاء العشرة من ضمن الحصيلة التي أوردتها وكالة "فارس".
والاثنين أفادت منظمة "حقوق الإنسان في إيران" غير الحكومية ومقرها أوسلو بمقتل "76 شخصا على الأقل".
ووتندد السلطات بوقوف "مجموعات انفصالية" وراء التظاهرات التي ترى فيها "مؤامرات خارجية"، موجّهة الاتهام إلى الولايات المتحدة، العدو اللدود للجمهورية الإسلامية.
والأربعاء، قدّمت عائلة مهسا أميني شكوى ضد عناصر الشرطة الذين أوقفوا ابنتها، وفق ما نقلت وكالة "إسنا" للأنباء عن محامي العائلة صالح نيكباخت.
وقال المحامي "تقدّمت عائلة مهسا أميني بشكوى ضد المسؤولين عن توقيف ابنتها وعناصر الشرطة الذين تكلموا معها منذ وصولها إلى مركز شرطة الأخلاق".
وأضاف "طلبنا من المدعي العام وقاضي التحقيق إجراء تحقيق مفصل عن كيفية حصول الاعتقال حتى نقل مهسا إلى المستشفى"، مطالبا السلطات بتأمين "كل مقاطع الفيديو والصور" المتوفرة طوال فترة اعتقال مهسا أميني لدى شرطة الأخلاق.
ويقول ابن عمة مهسا، عرفان صالح مرتضائي الذي يقطن منذ عام في كردستان العراق حيث انضمّ إلى تنظيم "كومله" الكردي المسلّح المعارض للنظام في إيران، إن أميني تعرّضت لـ"ضربة شديدة على رأسها" على يد "شرطة الأخلاق" يوم توقيفها في 13 سبتمبر/أيلول.
ويروي مرتضائي نقلا عن والدة أميني أن الشرطة تعرّضت للشابة بـ"الضرب" قبل أن تنقلها إلى حافلة حيث تلقت "مزيدا من الضربات". وبعد ذلك تم نقلها إلى المستشفى حيث توفيت إثر غيبوبة استمرت ثلاثة أيام.
وقالت وسائل إعلام معارضة مقارها في الخارج إن احتجاجات واسعة النطاق استمرت في مدن مختلفة، لكن نشطاء قالوا إن القيود المفروضة على الإنترنت تجعل من الصعب على نحو متزايد إرسال لقطات فيديو.
والأربعاء أعلن وزير الاتصالات عيسى زارع بور "فرض قيود على بعض المنصات خصوصا الأميركية" التي "أدت دورا تنظيميا لأعمال الشغب"، مشيرا إلى أن "رفع القيود المفروضة على الإنترنت يتوقف على قرار السلطات".
وخلال الاحتجاجات تطلق هتافات مناهضة للسلطات كما تمزّق صور للمرشد الأعلى علي خامنئي ولمؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله روح الله الخميني، كما يتم رشق قوات الأمن بالحجارة وإحراق سيارات الشرطة ومبان حكومية، وفق مقاطع فيديو.
وأعلنت السلطات توقيف أكثر من 1200 متظاهر منذ 16 سبتمبر/أيلول. وبحسب منظّمات غير حكومية تم توقيف نشطاء ومحامين وصحافيين.
والثلاثاء اعتقلت السلطات فائزة هاشمي ابنة الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني بتهمة "التحريض على الاحتجاج". وتقود النساء التحركات الاحتجاجية التي تشهدها إيران، فيما تخرج عدة تظاهرات تضامنية خارج إيران.
وعلى غرار دول أوروبية أخرى، استدعت إسبانيا الأربعاء سفير إيران لديها لإبلاغه احتجاج المملكة على قمع التظاهرات.
وهذه الاحتجاجات هي الأوسع نطاقا منذ تظاهرات نوفمبر/تشرين الثاني 2019 التي نجمت عن ارتفاع أسعار البنزين في خضم الأزمة الاقتصادية، وشملت حينها حوالي مئة مدينة إيرانية وتعرضت لقمع شديد (230 قتيلا بحسب الحصيلة الرسمية، وأكثر من 300 حسب منظمة العفو الدولية).
وانتشرت شرطة مكافحة الشغب الإيرانية في الساحات الرئيسية بطهران اليوم الأربعاء لمواجهة محتجين يهتفون "الموت للديكتاتور"، فيما تزايد الضغط على السلطات بفعل احتجاجات في أنحاء البلاد أثارتها وفاة أميني.
ووعلى الرغم من ارتفاع حصيلة القتلى والإجراءات الصارمة التي شنتها قوات الأمن باستخدام الغاز المسيل للدموع والهراوات والذخيرة الحية في بعض الحالات، أظهرت مقاطع فيديو نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي إيرانيين ينادون بإسقاط حكم المؤسسة الدينية للبلاد والمستمر منذ أكثر من أربعة عقود.
وتتواصل الاحتجاجات منذ نحو أسبوعين، وامتدت لما لا يقل عن 80 مدينة وبلدة في أنحاء إيران، من طهران إلى ميناء تشابهار في الجنوب الشرقي.
وأظهر مقطع فيديو على موقع تويتر متظاهرين في حي إكباتان في طهران وهم يهتفون "سنقاتل، سنموت، سنستعيد إيران"، فيما أظهر مقطع من تشابهار قيام شرطة مكافحة الشغب بإطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين يهتفون "الموت لخامنئي".
وأظهرت مقاطع فيديو نُشرت على حساب على تويتر له 145 ألف متابع باسم "1500 تصوير" متظاهرين يتجمعون في كلية الطب في شيراز.
وفي وقت مبكر اليوم الأربعاء، أظهر تسجيل مصور متظاهرين في طهران يهتفون "اذهبوا إلى الجحيم يا ملالي!" و"الموت للديكتاتور!" و"الموت للزعيم بسبب كل هذه السنوات من الجريمة!".
ودعت متحدثة باسم المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أمس الثلاثاء رجال الدين الذين يحكمون في إيران إلى "الاحترام الكامل للحق في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات".
وقالت رافينا شمدساني في بيان إن التقارير تشير إلى "اعتقال المئات، منهم مدافعون عن حقوق الإنسان ومحامون ونشطاء في منظمات المجتمع المدني وما لا يقل عن 18 صحفيا".
وأثارت وفاة أميني إدانات دولية واسعة، بينما اتهمت إيران "مخربين" على صلة "بأعداء خارجيين" بإثارة الاضطرابات. وتتهم طهران الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية باستغلال الاضطرابات لمحاولة زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية.