اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل عالق في متاهة التفاصيل

عون يقول إن لبنان سيحدد موقفه من عرض الوسيط الأميركي بخصوص ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بعد مشاورات بين كبار المسؤولين الثلاثة في البلاد.
لبنان يحدد موقفه من عرض أميركي لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل
إسرائيل تدرس مسودة الاقتراح الأميركية لحل النزاع البحري مع لبنان
لبنان وإسرائيل يرغبان في تعديلات على مسودة ترسيم الحدود

بيروت/القدس - يعتزم لبنان تسليم الوسيط الأميركي آموس هوكستين الثلاثاء ردا يتضمن ملاحظات على العرض الخطي بشأن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وفق ما أعلن مسؤول لبناني معني بالتفاوض، معبرا عن أمله في الحصول على جواب نهائي قبل نهاية الأسبوع، فيما قالت تل أبيب من جهتها إنها تدرس العرض الأميركي وستناقشه مع كبار المسؤولين فيها، بينما يبدو الاتفاق عالق حاليا في تفاصيل تقنية وتحفظات على بعض النقط من جانب بيروت.

وتسلم رؤساء الجمهورية ميشال عون والبرلمان نبيه بري والحكومة المكلف نجيب ميقاتي السبت من السفيرة الأميركية لدى بيروت دوروثي شيا عرضا أميركيا حول ترسيم الحدود البحرية، من شأن التوصل إلى اتفاق بشأنه أن يتيح للبلدين المتنازعين استثمار مواردهما النفطية.

وقال نائب رئيس مجلس النواب الياس أبوصعب، المكلّف من الرئيس اللبناني بمتابعة ملف التفاوض، إثر اجتماعين تقني وسياسي عقدا في القصر الرئاسي، إن ثمة ملاحظات من الجانب اللبناني تمّ توحيدها في تقرير، على أن يتم إرساله إلى هوكستين "كرد على الطرح الأخير" يوم غد الثلاثاء "على أبعد حد".

ولم يفصح أبوصعب عن مضمون الملاحظات، مكتفيا بالقول إنها "قانونية ومنطقية"، مضيفا "نحن اليوم لا نعطي جوابا رسميا بل نعطي ملاحظات على الطرح".

وتابع "نتأمل أن نأخذ الجواب النهائي منه قبل نهاية الأسبوع" لافتا إلى أن موقف لبنان الموحّد "يصدر عندما نستلم التقرير النهائي".

وترأس عون الاثنين اجتماعا للجنة التقنية المكلفة بمتابعة ملف الترسيم، قبل أن يلتقي بري وميقاتي وتنضم إليهم اللجنة التقنية. وقال ميقاتي إثر الاجتماع إن "الأمور تسير على الطريق الصحيح"، مؤكدا أن الموقف الرسمي "موحد لما فيه مصلحة لبنان".

ولم يتمّ الإفصاح رسميا عن مضمون العرض الأميركي، لكن المواقف الصادرة عكست تفاؤلا بإمكانية التوصّل إلى اتفاق. وقد صدر أبرزها عن حزب الله الذي قال أمينه العام حسن نصرالله السبت "نحن أمام أيام حاسمة في هذا الملف. نأمل أن تكون خواتيم الأمور جيدة".

ملاحظاتنا ضرورية، تضع النقاط على الحروف وتشدد أو تؤكد على بعض النقاط، أو تعدل جملا معينة بحيث لا يكون هناك أي مجال للتأويل

وأوضح مصدر لبناني مطلع على المفاوضات أن "ملاحظاتنا ضرورية، تضع النقاط على الحروف وتشدد أو تؤكد على بعض النقاط، أو تعدل جملا معينة بحيث ألا يكون هناك أي مجال للتأويل".

وأضاف أن "الجانب الأميركي ردم الهوة التي كانت موجودة بين الطرفين وعمل على وضع صيغة مشتركة ليؤكد أنه يتفهم مطالبهما".

وقال بوصعب، ممثل لبنان الرئيسي في المحادثات، لأعضاء المجلس اليوم الاثنين إن لبنان سيقترح "تعديلات" على المسودة الأخيرة.

وتابع "ما تقول فول قبل ما يصير بالمكيول، وفي آخر صيغة وصلتنا لدينا تعديلات عليها، والشياطين تكمن في التفاصيل"، بينما يبدو أن المسودة الأخيرة تطرح ترتيبا تنتج شركة بموجبه الغاز بموجب ترخيص لبناني في منطقة قانا المتنازع عليها، مع حصول إسرائيل على حصة من الإيرادات.

وعلى الرغم من عدم تسمية أي شركة رسميا بعد، اقترح مسؤولون لبنانيون علنا دورا لشركة توتال إنرجيز والتقى مسؤول إسرائيلي كبير بممثلي الشركة في باريس اليوم الاثنين، بحسب مصدر مطلع على الأمر.

وقال الرئيس اللبناني ميشال عون على تويتر اليوم الاثنين إن لبنان سيحدد موقفه من عرض للوسيط الأميركي بخصوص ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بعد مشاورات بين كبار المسؤولين الثلاثة في البلاد، مضيفا "لبنان سيحدد موقفه من عرض هوكشتاين بالتشاور مع رئيسي المجلس والحكومة، ولن تكون هناك أي شراكة مع الجانب الإسرائيلي".

وقالت إسرائيل إن خبراءها القانونيين يراجعون أيضا المسودة قبل الموافقة عليها. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن مجلس الوزراء سيجتمع يوم الخميس لإقرار الاتفاق، لكن لم يتم تحديد جلسة بشكل رسمي.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير، إنه لم يتضح بعد متى ستتخذ الحكومة هذه الخطوة لأنها تنتظر رد لبنان، مضيفا "إذا جاؤوا بتغييرات، بخلاف الأشياء الصغيرة والفنية، فقد لا يتم ذلك بحلول يوم الخميس".

تفاصيل الاقتراح الأميركي المؤلف من عشر صفحات بقيت طي الكتمان لكن مسؤولين لبنانيين أبدوا تفاؤلا. حتى حزب الله اعتبر الاقتراح خطوة مهمة للغاية

وعلى أمل نزع فتيل أحد مصادر النزاع بين الدولتين وحثهما على التكيف، قدم هوكشستاين الأسبوع الماضي اقتراحا جديدا للبنان من شأنه أن يمهد الطريق لاستكشاف الطاقة قبالة الساحل.

وبقيت تفاصيل الاقتراح المؤلف من عشر صفحات طي الكتمان لكن مسؤولين لبنانيين أبدوا تفاؤلا. وحتى حزب الله المدعوم من إيران اعتبر تقديم الاقتراح "خطوة مهمة للغاية" يوم السبت بينما وصفه حليفه بري بأنه "إيجابي".

وقال مصدر مطلع لرويترز إن المدير العام لوزارة الطاقة الإسرائيلية ليور شيلات، موجود في باريس اليوم الاثنين لإجراء محادثات مع شركة توتال إنرجيز بشأن تقاسم أرباح محتمل مستقبلا من تنقيب الشركة في حقل للغاز الطبيعي قبالة سواحل لبنان.

ومستقبل حقل قانا الذي تتنازع عليه منذ أمد الدولتان الجارتان، في قلب الجهود التي تتوسط بها الولايات المتحدة لترسيم الحدود البحرية بينهما.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أمس الأحد إن مسودة اتفاق حظيت بموافقة أولية من الدولتين سيترتب عليها حصول إسرائيل على عائدات جزئية من التنقيب التجاري في المستقبل بموجب رخصة لبنانية في قانا.

وأوضح المصدر الذي طلب عدم كشف هويته أو جنسيته، أن ليور شيلات "يتحدث مع مسؤولين من شركة توتال" في باريس. وقال "الهدف من الاجتماعات هو وضع آلية تدفع بموجبها شركة توتال لإسرائيل جزءا من عائدات أي غاز تنتجه في قانا".

وتسارعت منذ بداية يونيو/حزيران التطورات المرتبطة بالملف بعد توقف لأشهر، إثر وصول سفينة إنتاج وتخزين على مقربة من حقل كاريش تمهيدا لبدء استخراج الغاز منه. وتعتبر بيروت أنه يقع في منطقة متنازع عليها، بينما تقول إسرائيل إنه ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة.

وهدد حزب الله، العدو اللدود لإسرائيل والمدعوم من طهران، خلال الأسابيع الأخيرة إسرائيل بالتصعيد العسكري، محذرا إياها من الإقدام على أي نشاط في حقل كاريش قبل التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية.

وانتقل هوكستين الذي تقود بلاده منذ عامين وساطة بين لبنان وإسرائيل، مرارا بين البلدين خلال الأشهر القليلة الماضية، قبل أن يقدّم عرضا مكتوبا.

بعد وصول منصة استخراج الغاز قبالة السواحل الإسرائيلية، دعا لبنان هوكستين لاستئناف المفاوضات وقدم عرضا جديدا لترسيم الحدود لا يتطرق إلى كاريش ويشمل ما يُعرف بحقل قانا

وكانت المفاوضات بين الجانبين قد توقفت في مايو/ايار 2021 جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها، إذ اقتصرت المحادثات عند انطلاقها على مساحة بحرية تقدّر بنحو 860 كيلومتراً مربعا تُعرف حدودها بالخط 23، بناء على خريطة أرسلها لبنان عام 2011 إلى الأمم المتحدة، لكن لبنان اعتبر لاحقا أن الخريطة استندت إلى تقديرات خاطئة وطالب بالبحث في مساحة 1430 كيلومترا مربعا إضافية تشمل أجزاء من حقل 'كاريش' وتُعرف بالخط 29.

وبعد وصول منصة استخراج الغاز قبالة السواحل الإسرائيلية، دعا لبنان هوكستين لاستئناف المفاوضات وقدم عرضا جديدا لترسيم الحدود لا يتطرق إلى كاريش ويشمل ما يُعرف بحقل قانا.

ويقع حقل قانا في منطقة يتقاطع فيها الخط 23 مع الخط واحد، الذي أودعته إسرائيل الأمم المتحدة، ويمتد أبعد من الخط 23.

وقال لابيد في تغريدة الاثنين إن إسرائيل ستحصل "على 100 بالمئة من احتياجاتها الأمنية و100 بالمئة من كاريش وحتى بعض أرباحها من الخزان اللبناني"، في إشارة واضحة إلى حقل قانا، لكن عون نفى الاثنين "أي شراكة مع الجانب الإسرائيلي".

وأكد أبوصعب من جهته أن الاتفاق يضمن للبنان "الحصول على كامل حقوقه في حقل قانا".

وفي حال التوصل إلى اتفاق نهائي، لن يوقع لبنان على اتفاقية أو معاهدة مع إسرائيل، باعتبار أن البلدين في حالة حرب. وسيكتفي على الأرجح بتوجيه رسالة إلى الأمم المتحدة.

ومن شأن التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية أن يسهّل عملية استكشاف الموارد النفطية ضمن مياه لبنان الإقليمية.

وتعوّل السلطات على وجود احتياطات نفطية من شأنها أن تساعد البلاد على تخطي التداعيات الكارثية للانهيار الاقتصادي المتمادي منذ نحو ثلاثة أعوام.