إيران تُهدد السعودية بـ'نفاد الصبر الاستراتيجي'

التهديدات الإيرانية للمملكة تأتي بعد تقارير في الإعلامي الإيراني تزعم أن الرياض تؤجج وتمول انتفاضة الأقاليم التي خرجت دعما لاحتجاجات عمت معظم مدن إيران وعجز النظام الديني عن اخمادها.
إيران تتهيأ لتحريك وكلائها لضرب أهداف حيوية في السعودية
الحوثيون نفذوا في السابق أكبر الاعتداءات الإرهابية على منشآت نفط سعودية
نفي طهران لوجود أي تهديد إيراني للمملكة مجرد مناورة
طهران تداري عجزها عن كبح الانتفاضة الشعبية باتهام جهات أجنبية بتأجيجها

طهران - وجهت إيران اليوم الأربعاء تهديدات ضمنية للسعودية، معلنة أنه لا يوجد ما يضمن استمرارها في ما سمته "إستراتيجية الصبر"، في تطور يأتي بعد أيام قليلة من نفيها صحة معلومات أوردتها الولايات المتحدة وتحدثت فيها عن تنسيق بين الرياض وواشنطن لمواجهة تهديد إيراني جدّي للمملكة.

ونقلت وكالة أنباء فارس شبه الرسمية عن وزير المخابرات الإيراني إسماعيل خطيب قوله "تبنت إيران حتى الآن إستراتيجية الصبر بعقلانية ثابتة، لكن ليس بوسعها أن تضمن عدم نفاده إذا استمرت الأعمال العدائية"، مضيفا "إذا قررت إيران الرد والعقاب، فسوف تتداعى القصور الزجاجية ولن تشهد هذه الدول استقرارا بعد الآن"، في خطاب شديد اللهجة يسلط بوضوح نوايا عدوانية إيرانية مبيتة.

وتأتي تهديدات إسماعيل خطيب للسعودية، فيما يتداول الإعلام الإيراني الرسمي نقلا عن مسؤولين حكوميين، تقارير تتهم الرياض بتأجيج الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ 16 سبتمبر/أيلول الماضي وتصاعدت في 30 من الشهر ذاته في زهدان بعد أن ارتكبت القوات الإيرانية مجزرة بعد صلاة الجمعة بحق الأقلية السنّية التي انضمت للمظاهرات.

وتتهم إيران باستمرار من تصفهم بأعداء أجانب بإثارة الاضطرابات المستعرة منذ وفاة الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني في سبتمبر/أيلول بعد اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق بدعوى انتهاكها قواعد اللباس الصارمة المفروضة على النساء في الجمهورية الإسلامية.

وانتشرت احتجاجات الإيرانيين لتصبح أحد أكبر التحديات التي تواجه زعماء البلاد من رجال الدين منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

وحذر قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي السعودية الشهر الماضي، مطالبا الرياض بكبح جماح وسائل الإعلام التابعة لها.

وقال سلامي بحسب وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية "أحذر الأسرة السعودية الحاكمة.... راقبوا سلوككم وسيطروا على وسائل الإعلام هذه... وإلا ستدفعون الثمن. هذا هو تحذيرنا الأخير لأنكم تتدخلون في شؤون دولتنا من خلال وسائل الإعلام هذه. قلنا لكم: احترسوا".

ونفت إيران الأسبوع الماضي أنها تشكل تهديدا للمملكة بعد أن ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الرياض نقلت معلومات استخباراتية إلى الولايات المتحدة تحذر من هجوم إيراني وشيك على أهداف في المملكة.

وتكابد طهران في كبح الاحتجاجات رغم لجوئها لكل أساليب القمع الوحشي وفشلت حتى الآن في إخمادها على الرغم من تدخل ميليشيا الباسيج التابعة للحرس الثوري والتي تعتبر يد النظام الطولى في قمع أي مظاهر احتجاج مناوئة للسلطة.

وتحاول إيران التستر وراء نظيرة المؤامرة في تبرير قمعها للاحتجاجات وما رافقها من اعتقالات، معتبرة المحتجين من مثيري الشغب ومن الإرهابيين والمخربين وتوعدهم بعقاب قاس، وسط تحذيرات دولية من أن النظام الديني لا يعرف حدودا للانتهاكات وأنه مستعد لارتكاب مجازر في مواجهة دعوات شعبية لإسقاطه.

وليست هذه المرة الأولى التي توجه فيها طهران اتهامات لجهات خارجية بالوقوف وراء أي اضطرابات اجتماعية وشعبية تشهدا تنديدا بتدهور الأوضاع المعيشية أو احتجاجا على ممارسات القمع والتهميش بحق الأقليات. وعادة ما توجه سهام اتهامها لكل من السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل.

 تأخير أميركي محتمل في تسليم الرياض منظومات دفاعية يمنح إيران هامشا واسعا لتنفيذ تهديداتها
تأخير أميركي محتمل في تسليم الرياض منظومات دفاعية يمنح إيران هامشا واسعا لتنفيذ تهديداتها

وفي علامة واضحة على حجم المناورات الإيرانية، تأتي التهديدات للمملكة على لسان كبار المسؤولين الأمنيين في الجمهورية الإسلامية، بعد أيام من دعوة علي أكبر ولاياتي كبير مستشاري المرشد الأعلى علي خامنئي إلى إعادة فتح السفارتين الإيرانية في الرياض والسعودية في طهران واستئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ العام 2016.

وقال "نحن جيران للسعودية ويجب أن نتعايش. يجب معاودة فتح سفارتي البلدين من أجل حل مشاكلنا بطريقة أفضل".

وفي العام الماضي بدأت طهران والرياض محادثات مباشرة في محاولة لتحسين العلاقات. واستضافت بغداد خمس جولات من المحادثات حتى الآن، كان آخرها في أبريل/نيسان الماضي، بينما تعثر عقد جولة سادسة بسبب تردي الوضع في العراق الوسيط بين الطرفين، في الأشهر الماضية في ذروة الخلافات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي حول تشكيل الحكومة.

وكان من المتوقع أن يستأنف العراق وساطته وأن يكون زخمها أكبر بعد تولي محمد شياع السوداني رئاسة الوزراء وهو من الشخصيات المقربة من طهران.

وتشير التهديدات الإيرانية إلى مرحلة قادمة من التصعيد في اليمن وضد السعودية، حيث من المتوقع أن تلجأ طهران لتحريك اذرعها مجددا لضرب أهداف في المملكة على غرار الهجمات الإرهابية التي نفذها المتمردون الحوثيون في سبتمبر/ايلول 2019 بصواريخ كروز وسرب من الطائرات المسيرة على منشأتين نفطيتين سعوديتين تابعتين لشركة ارامكو، ما تسبب حينها في توقف مؤقت لنحو نصف الإنتاج.

اعتداءات إرهابية نفذها الحوثيون على منشأتي نفط سعوديتين تؤكد إلى اي مدى يمكن أن تذهب إيران في تهديداتها
اعتداءات إرهابية نفذها الحوثيون على منشأتي نفط سعوديتين تؤكد إلى اي مدى يمكن أن تذهب إيران في تهديداتها

واتهمت الرياض وواشنطن طهران بالوقوف خلفت تلك الهجمات التي اعتبرت الأسوأ منذ انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية في اليمن في 2014.

وأي هجمات على منشآت النفط السعودية من شأنها أن تحدث اضطرابات عميقة في أسواق النفط وهو أمر يخشاه الأميركيون في ظل أزمة طاقة عالمية ناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا وهي الحرب التي صعدت بأسعار النفط إلى مستويات قياسية تجاوزت عتبة الـ130 دولارا للبرميل قبل أن تستقر في مستويات أقل لكنها لا تزال مرتفعة.

وكانت الولايات المتحدة قد عبرت في مطلع الشهر الحالي عن قلقها من تهديدات إيرانية للسعودية، مؤكدة أنها لن تتردد في الردّ إذا لزم الأمر، في موقف يعتبر الأشد بينما تمر العلاقات بين واشنطن والرياض بحالة من الفتور على خلفية توترات كامنة تفاقمت بعد قرار أوبك+ خفض إنتاج النفط اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني بنحو مليوني برميل يوميا على خلافة الرغبة الأميركية.

وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي حينها "نحن قلقون من التهديدات ونظل على اتصال مستمر مع السعوديين من خلال القنوات العسكرية والمخابراتية.. لن نتردد في التحرك دفاعا عن مصالحنا وشركائنا في المنطقة".

وتخشى الولايات المتحدة من تعرض المملكة لأي هجمات إرهابية تنفذها إيران مباشرة (وهو أمر مستبعد) أو عن طريق وكلائها في المنطقة وأقربهم جغرافيا الحوثيون في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق.

وتواجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ضغوطا شديدة على خلفية ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة وهو أمر مقلق في ميزان الحسابات السياسية والانتخابية من شأنه أن يفاقم متاعب الديمقراطيين.

وثمة انقسامات حاليا حول احتمال وقف واشنطن مبيعات الأسلحة للسعودية كرد على قرار تحالف أوبك+ الأخير بخفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يوميا اعتبارا من نوفمبر/تشرين الحالي على خلاف الرغبة الأميركية.

وتقول مصادر إن إدارة بايدن تدرس تأخير تسليم الرياض منظومة صواريخ باتريوت لدفاعية ونحو 300 صاروخ تستخدمها المنظومة الدفاعية وسط تحذيرات من عسكريين في البنتاغون من أن ذلك سيؤثر على التحالف الاستراتيجي مع المملكة ويعرض القوات الأميركية المنتشرة هناك لأخطار جدية مصدرها إيران أو وكلاؤها.