المونديال يُسلط الضوء على طموحات قطر
الدوحة- تنطلق بطولة كأس العالم لكرة القدم الأحد المقبل وتتجه كل الأعين نحو الإمارة الخليجية الصغيرة التي نجحت في استضافة أهم حدث رياضي في العالم الذي كان لسنوات حكرا على القوى الكبرى والدول التي يربطها تاريخ عريق بكرة القدم.
لكن قطر التي تفتقر للأمرين معا نجحت عبر نفوذها وثروتها في الظفر بما فشلت فيه الولايات المتحدة وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وفازت بنتائج تصويت مجلس الفيفا المكون من 22 عضوا سنة 2010، فيما أثار الظفر باستضافة المونديال في نسخته للعام 2022
انتاب العالم الدهشة إبان إعلان فوز الدوحة بتنظيم نسخة 2022 لكأس العالم لكرة القدم. وذكرت وسائل قطرية أن الهجوم بدأ من الصحافة الإنكليزية التي اتهمت الدوحة بالفساد من أجل الحصول على تنظيم كأس العالم وطالت الاتهامات رأس منظومة كرة القدم في العالم بوجود شبهة فساد في الفيفا بعد أن تم منح قطر استضافة الحدث الأهم والأبرز للعبة.
وكان جوزيف بلاتر الذي تولى رئاسة فيفا من 1998 حتى 2015 قد قال لصحيفة 'تاجيزأنزيجر' السويسرية إن اختيار قطر لتنظيم كأس العالم 2022 كان خطأ "إنها دولة صغيرة جدا، كرة القدم وكأس العالم أكبر من أن تفعل ذلك".
لكن قطر "الصغيرة جدا على كأس العالم" أخذت على عاتقها أن تقدم تنظيما لا يضاهيه أحد وهو التحدي الذي كان على رأس أولويات الدوحة التي أرادت إثبات صلابة موقعها في العالم عبر الحدث الأكبر في تاريخ كرة القدم الذي أنفقت فيه أكثر من 200 مليار دولار وهي الميزانية الأعلى في تاريخ الرياضة في حين لن تتجاوز إيرادات البطولة 24 مليار دولار حسب تقديرات بلومبيرغ.
ثروات ضخمة لقوة ناعمة
يعتبر النفط والغاز الطبيعي من أهم الموارد الأساسية للاقتصاد القطري حيث يبلغ إنتاج الدوحة من النفط مليون برميل يوميا وتصدر77 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا وتحتل المركز الثالث في قائمة أكبر الاحتياطات موثقة للغاز في العالم بعد روسيا وإيران وتوسع حاليا من طاقتها الإنتاجية للغاز وتتوقع زيادة تفوق نسبتها 60 بالمئة بحلول 2027.
وتقدر غلوبال إس.دبليو.إف المعنية برصد صناديق الثروة السيادية أن جهاز قطر للاستثمار الذي يسيطر على أغلب الثروة القطرية له 445 مليار دولار من الأصول تحت إدارته حيث يملك مجموعة كبيرة من المصالح التجارية تشمل أصولا عقارية وفندقية ضخمة في بريطانيا كما يمتلك حصة 19 بالمئة من عملاق النفط الروسي روسنفت وهو من أكبر المساهمين كذلك في مجموعة كريدي سويس.
ويبلغ نصيب الفرد من الناتج الإجمالي القطري 97 ألف دولار سنويا بما يجعله سادس أعلى معدل في العالم في حين يتجاوز الناتج الإجمالي للإمارة عتبة 270 مليار دولار في بلد لا يتجاوز عدد المقيمين به 3 ملايين.
ورسخت قطر مكانتها في مجال وسائل الإعلام الإخبارية منذ تأسيس شبكة قنوات الجزيرة في الدوحة في عام 1996 وجعلت من نفسها قوة إعلامية مؤثرة على النطاق الدولي والإقليمي حيث ساهمت الجزيرة التي تعكس وجهة نظر الإمارة في تشكيل الرأي العام في العديد من الدول العربية مما دفع سلطات بعضها لحظر القناة مثل ما فعلته مصر.
كما تمتلك قطر مجموعة 'بي إن' الإعلامية الرياضية التي تملك حقوق البث الرسمية لمباريات كأس العالم في أغلب دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفرنسا.
نفوذ سياسي متنام
استثمرت الدولة العربية الخليجية شبكة معقدة من الصداقات غذتها ثرواتها الضخمة من الغاز لتصبح وسيطا هاما في الدبلوماسية الدولية، حيث تملك علاقات متينة مع الولايات المتحدة ويقع على أراضيها مقر أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط ونتيجة لذلك تحظى المبادرات الدبلوماسية التي قامت بها دولة قطر في كلّ من اليمن والسودان والصومال وغيرها بدعم صريح من قبل واشنطن.
وفي المقابل تملك الدوحة علاقات متينة بجمهورية إيران الإسلامية وكلاهما عضوتان في أوبك وحركة عدم الانحياز ومنظمة التعاون الإسلامي وخلافا لنظيرتيها الدولتين الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي السعودية والإمارات العربية المتحدة، تمتنع قطر عموما عن انتقاد الأنشطة الداخلية والخارجية الإيرانية.
وكان دور الإمارة العربية في ملف أفغانستان أساسيا منذ أن سمحت لحركة طالبان بفتح مكتبها الدولي الرئيسي في الدوحة في 2013. كما قدمت لها مقرا لإجراء محادثات سلام أدت العام الماضي لموافقة الولايات المتحدة على الانسحاب من الساحة الأفغانية ولازالت لليوم تلعب دور الوسيط محوري للجهود الغربية للتواصل مع طالبان.
ويصف محللون دور قطر في ملف أفغانستان بأنه جزء من مساع لتعزيز أمنها في محيط إقليمي يعج بالدول "العدوة" وعالية التسلح عبر جعل نفسها وسيطا دوليا موثوقا مما سيساعدها في التحرك بأريحية في محيطها دون أن تواجه إملاءات أو ضغوطا خارجية في علاقة بدبلوماسيتها.
وتملك الدوحة علاقات وثيقة مع أطراف متناحرة وتحافظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وإيران وتركيا وروسيا دون أن تجد نفسها في موقع يجبرها على اختيار طرف دون الآخر.
وتحافظ كذلك على مسافة أمان مع إسرائيل التي ترفض التطبيع الكامل معها رغم وجود محطات من التبادل التجاري والمحادثات السرية بينهما. وسمحت مؤخرا بطيران مباشر بين مطاري بن غريون وحمد الدولي خلال كأس العالم على الرغم من عدم وجود أي علاقات رسمية. وتفضل البقاء حليفة لإيران و حركة المقاومة الإسلامية 'حماس' التي تحكم قطاع غزة.
ملاذ الإخوان المسلمين
وتعد الدوحة الملاذ الآمن والداعم الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس وليبيا. وقد أثارت حفيظة دول الجوار عندما دعمت ثورات "الربيع العربي" في 2011 التي انتهت بصعود الإخوان ضمن مشروع التمكين الذي تهاوى في أكثر من دولة. وقطر هي أيضا أكثر دولة عربية دعمت جماعات معارضة مسلحة مناهضة للرئيس السوري بشار الأسد منذ اندلاع الحرب في سوريا.
وواجهت الإمارة الخليجية اتهامات بدعم جماعات مسلحة إسلامية في ليبيا ودول أخرى والمساهمة بشكل غير مباشر في تمويل تنظيمات متطرفة من خلال وساطة للإفراج عن الرهائن الأجانب مقابل الفدية.
وخرجت قطر لتوها من أسوأ أزمة بعد ثلاث سنوات من القطيعة من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر وهي الأزمة التي بدأت في يونيو/حزيران 2017 وانتهت بمصالحة في القمة الخليجية في دورتها الأخيرة بمدينة العلا السعودية.