
أكثر من ملف على سكة تسوية الأزمة الصامتة بين المغرب وفرنسا
الرباط - تحل وزيرة الخارجية الفرنسية الخميس ضيفة على الرباط بينما تجري باريس ترتيبات لإعادة الدفء للعلاقات مع المغرب وإنهاء الشغور الدبلوماسي والتأسيس لطي صفحة توتر صامت بين البلدين وهي تسوية تمر حتما عبر فتح الملفات الخلافية التي تثقل على العلاقات بين القوة الاستعمارية السابقة والشريك المغربي الذي فرض نفسه رقما صعبا في معادلة التوازنات الإقليمية والشراكات الاقتصادية والأمنية في فضاء جغراسياسي متقلب.
ويرجح أن ترسم الزيارة المرتقبة التي من المقرر أن يجريها الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون للمغرب في وقت ما من مطلع العام القادم، ما يشبه خارطة طريق لتعزيز العلاقات المغربية الفرنسية، بينما تتحرك الدبلوماسية المغربية على أكثر من مسار ليكون تصحيح العلاقات على قاعدة متينة بما يشمل عددا من المطالب الملحة من بينها المطالبة بموقف فرنسي واضح من ملف النزاع في الصحراء المغربية وإعادة أرشيف الاستعمار الذي تطالب به الرباط كجزء من مرحلة مهمة في تاريخ المملكة فيما سيكون لملفات الشراكة الاقتصادية والأمنية أيضا نصيب من نقاش سيفتح على وقع خطوات المصالحة التي يجري ترتيبها في هذه الفترة.
ويتخذ المغرب مسارا دبلوماسيا هادئا لتفكيك الأزمة من خلال معالجة الملفات الخلافية وبما يحافظ على علاقة متوازنة مع الشريك الفرنسي.
وشاب العلاقات بين البلدين نوع من البرود بسبب العديد من الملفات الخلافية من بينها مطالبة الرباط المتكررة لباريس بضرورة تسليم الوثائق الأرشيفية المتعلقة بالفترة الاستعمارية اضافة الى ملف التاشيرات وكذلك الموقف الفرنسي الملتبس من سيادة المغرب على اقليم الصحراء.
وعملت مؤسسة أرشيف المغرب على ملف الذاكرة من خلال تسليم مراسلات رسمية للجانب الفرنسي دون الحصول على ردود ايجابية فيما يرى مراقبون ان باريس يمكن ان تعدل من مواقفها في هذا الجانب وتستجيب للمطالب المغربية على وقع الجهود المبذولة لتحسين العلاقات والزيارات القادمة للمسوؤلين الفرنسيين.
ويرى باحثون ان معركة الأرشيف معركة سياسية وثقافية بامتياز لإعادة كتابة التاريخ المغربي في فترات مهمة لا تزال غامضة للكثير من الباحثين حيث لا يمكن وفق مراقبين تجاوز تداعيات الفترة الاستعمارية دن إنصاف حقيقي للذاكرة.
ومثل ملف التأشيرات كذلك احد الملفات الخلافية بين الطرفين والمرتبطة أساسا بقرار باريس الصادر في سبتمبر/أيلول 2021 بخفض إلى النصف تأشيرات الدخول الممنوحة للمغربيين، بحجة إحجام المملكة عن إعادة استقبال رعاياها المقيمين في فرنسا بصورة غير قانونية.
وردت الرباط بقوة على هذا القرار واصفة إياه بأنه غير مبرر فيما اعتبرته المنظمات الإنسانية غير الحكومية سواء في فرنسا او المغرب بأنه "مهين" و"أخرق".
ويبدو ان فرنسا سعت في الآونة الأخيرة إلى تليين سياساتها في هذا الجانب بعد ان ذكر قصر الإليزيه مؤخرا أن تشديد شروط الحصول على تأشيرات "يمكن الرجوع عنه".
لكن النقطة الأكثر إلحاحا من الجانب المغربي هو الحصول على موقف واضح من فرنسا بشان سيادة الرباط على إقليم الصحراء حيث وصف الموقف الفرنسي طيلة الفترة الماضية بأنه ملتبس بل وفهمت بعض الخطوات بأنها دعم لمواقف جبهة البوليساريو ولحاضنتها الجزائر.
وكان البرلمان الفرنسي استقبل في سبتمبر/أيلول الماضي وفدا عن الجبهة الانفصالية ما أثار غضب المغرب حيث اعتبرت الخطوة التصعيدية ومتناقضة مع سياسات دول أوروبية للاعتراف بمشروع الحكم الذاتي على غرار اسبانيا وألمانيا.
ويدور النزاع حول الصحراء المغربية منذ عقود بين المغرب والانفصاليين الصحراويين في جبهة البوليساريو المدعومين من الجزائر. وتطالب الجبهة باستفتاء حول تقرير المصير في حين تقترح الرباط حكما ذاتيا تحت سيادتها.
ويراقب المغرب بكثير من التحفظ والقلق التقارب الفرنسي الجزائري خاصة بعد الزيارة التي أداها الرئيس الفرنسي الى الجزائر وتوقيع العديد من الاتفاقيات حيث تعتبر الرباط عودة الدفء بين باريس والجزائر نتاجا لصفقات ومساومات فيما تدعم الجارة الشرقية جبهة البوليساريو.
واعترفت واشنطن في ديسمبر/كانون الأول 2020 في إطار اتفاق تفاوض بشأنه الرئيس السابق دونالد ترامب، بسيادة المغرب على المستعمرة الاسبانية السابقة، مقابل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل.
ومنذ ذلك الحين تحث الرباط فرنسا بإصرار، التي لطالما دعمت المغرب في هذا النزاع، بالاعتراف بدورها بـ"سيادة المغرب على الصحراء" كما فعلت دول مثل اسبانيا لكن يبدو ان فرنسا أصرت على ترددها ما خلق نوعا من البرود في العلاقات.

ويمتلك المغرب الكثير من أوراق الضغط لدفع فرنسا الى تعديل مواقفها في تلك الملفات العالقة بما فيها ملف الطاقة والغاز مع الحديث عن المشروع الرائد لأنبوب الغاز المغربي-النيجيري في خضم أزمة طاقة علمية بسبب تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا.
كما يؤمن منفذا إلى إفريقيا جنوب الصحراء حيث يمارس بصورة ناشطة "القوة الناعمة" اقتصاديا منذ 2010 كما ان المملكة أول شريك تجاري لفرنسا في إفريقيا.
ويعتبر المغرب ركيزة أساسية في جهود مكافحة الإرهاب كما هو الحال مع الجزائر في منطقة الساحل والصحراء إضافة لدوره في منع الاتجار بالبشر والهجرة السرية نحو الفضاء الاوروبي.
ومن شان تحسن العلاقات بين فرنسا والمغرب والتي بدات اول بشائرها بالحديث عن تعيين كريستوف لوكورتييه مدير عام شركة بيزنس فرانس سفيرا لباريس في الرباط في انتظار موافقة الجانب المغربي ان تدعم جهود ماكرون لتعزيز التواجد الفرنسي على الساحة الافريقية في مواجهة نفوذ قوى عالمية على غرار الولايات المتحدة والصين وروسيا.