غموض يرافق مقتل جندي من اليونيفيل في معقل حزب الله

حزب الله ينأى بنفسه عن حادثة مقتل جندي ايرلندي وإصابة آخرين ناجمة عن اعتراض أهالي من بلدة العاقبية بجنوب لبنان كتيبة ايرلندية تابعة لقوة اليونيفيل.
سبع رصاصات من رشاش حربي اخترقت سيارة الكتيبة الايرلندية
السلطات اللبنانية تلاحق عناصر يعتقد أنها من نفذ الهجوم على الكتيبة الايرلندية

العاقبية (لبنان) - تسود حالة من الغموض حادث مقتل عنصر إيرلندي من قوّة الأمم المتّحدة المؤقّتة في لبنان (يونيفيل) وإصابة ثلاثة آخرين بجروح مساء أمس الأربعاء في معقل حزب الله الذي نأى بنفسه الخميس عن تلك الحادثة التي وصفتها دبلن بـ"الخطرة"، داعيا إلى عدم إقحامه في هذه الحادثة ومشددا على ضرورة ترك الأمر للتحقيق.

وقال وفيق صفا مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في جماعة حزب الله اللبنانية لرويترز إن ما أدى لمقتل جندي أيرلندي من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة الليلة الماضية في جنوب لبنان هو "حادث غير مقصود"، مضيفا أن حزب الله ليس ضالعا في الأمر.

وقال "نتقدم بالتعزية لقوات اليونيفيل لسقوط قتيل متمنيا الشفاء للجرحى في الحادث غير المقصود الذي وقع بين أهالي بلدة العقابية وأفراد من الكتيبة الأيرلندية".

لكن الحادثة تأتي بعد أشهر من التوتر أشاعه حزب الله بانتقاداته الواسعة لقرار تجديد التفويض للقوة الأممية تضمن تعديلا يتعلق بحركتها لناحية أنها لا تحتاج إلى "إذن مسبق أو إذن من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها ويُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل".

وأفاد مصدر قضائي بأن سبع طلقات من رشاش حربي استهدفت آلية تابعة للكتيبة الإيرلندية العاملة في قوة الأمم المتحدة المؤقّتة في جنوب لبنان، وأصابت إحداها السائق في رأسه من الخلف.

وذكر المصدر القضائي أن العربة العسكرية "أصيبت بسبع طلقات من رشاش حربي"، مشيرا إلى أن الرصاصات التي أصابت الجندي الذي كان يتولى القيادة "اخترقت مقعده من الخلف واستقرّت إحداها في رأسه"، ما أدى إلى "وفاته على الفور".

وارتطمت العربة وفق المصدر، إثر تعرضها لإطلاق النار "بعامود حديدي، ثم انقلبت ما أدى إلى إصابة العناصر الثلاثة الآخرين"، وأحدهم في حالة حرجة.

وأوضح المصدر أن القضاء العسكري وضع يده على التحقيق. وقد كلف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، وفق المصدر، مخابرات الجيش والأجهزة الأمنية المعنية اتخاذ الإجراءات اللازمة وجمع المعلومات وطلب الأدلة الجنائية.

وأشار المصدر إلى أن القوى الأمنية تطارد "أشخاصا يشتبه بعلاقتهم بالحادثة"، متوقعا أن يبدأ تحقيق مشترك مع قوات اليونيفيل كون الأجهزة اللبنانية غير مخولة بالاستماع إلى عناصر قوة الأمم المتحدة.

وناشد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي كل "الأطراف بالتحلّي بالحكمة وسعة الصدر في هذه المرحلة الحرجة"، معبرا عن "الأسف العميق للحادث الأليم الذي تعرضت له الدورية الإيرلندية التابعة لقوات حفظ السلام في لبنان".

وأدانت الخارجية اللبنانية الحادث، مشددة على أهمية الحفاظ على أمن القوات الدولية العاملة في لبنان.  كما أكدت أنها "تتابع باهتمام كبير مع كافة السلطات  اللبنانية المعنية واليونيفيل التحقيقات التي باشرتها الأخيرة، للتمكن من محاسبة المسؤولين عنه".

وبين الحين والآخر، تحصل إشكالات بين دوريات تابعة لليونيفيل ومناصري حزب الله، القوة السياسية البارزة التي تمتلك ترسانة عسكرية ضخمة، في المنطقة الحدودية التي تعد معقلا رئيسيا للحزب، لكنها نادرا ما تتفاقم وسرعان ما تحتويها السلطات اللبنانية.

وكانت القوة الدولية قد قالت في بيان الخميس "قُتل جندي حفظ سلام الليلة الماضية وأصيب ثلاثة آخرون في حادثة وقعت في العاقبية، خارج منطقة عمليات اليونيفيل في جنوب لبنان".

والضحايا هم من الكتيبة الإيرلندية، وفق ما أعلن وزير الخارجية والدفاع في الحكومة الإيرلندية سايمون كوفني، مشيرا إلى "حادثة خطرة".

ولم تتضح ظروف الحادثة التي وقعت على طريق يربط مدينة صور بمدينة صيدا. وشوهدت آلية تابعة لليونيفيل منحرفة عن مسارها وقد دخلت متجرا على الطريق، قبل أن يتم رفعها لاحقا.

وأفاد شهود عيان في العاقبية إلى أن عددا من السكان اعترضوا آلية تابعة لليونيفيل لدى سلوكها بشكل غير اعتيادي الطريق. ولدى محاولة سائقها المغادرة كاد أن يدهس أحد المواطنين المعترضين، ما أدى إلى حالة من التوتر، قبل أن تنحرف عن مسارها. وذكر شهود آخرون عن سماع دوي رشقات نارية في المكان.

وقالت قوة اليونيفيل في بيانها "حتى الآن، التفاصيل حول الحادثة متفرقة ومتضاربة ونحن ننسّق مع القوات المسلحة اللبنانية، وفتحنا تحقيقا لتحديد ما حدث بالضبط".

وفي وقت لاحق، أوردت القوات المسلحة الإيرلندية على تويتر أن قافلة ضمت عربتين مدرعتين وعلى متنهما ثمانية أفراد، تعرضت بينما كانت متوجهة إلى بيروت "لنيران من أسلحة خفيفة".

وقال رئيس الوزراء الإيرلندي مايكل مارتن لصحافيين لدى وصوله إلى قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل "نحن مصدومون جميعا ونشعر بالحزن لفقدان أحد جنودنا من قوات حفظ السلام لحياته في لبنان"، مشيرا إلى عملهم "في بيئات معادية أحيانا وخطرة للغاية"، مضيفا "ربما يكون من الحكمة أن ننتظر تحقيقا كاملا وتحليلا لما حدث".

وحضرت دوريات تابعة لقيادة اليونيفيل والكتيبة الإيرلندية والجيش اللبناني الذي فرض طوقا أمنيا في المكان ومنع الصحافيين من التصوير. وتولّت وحدات تابعة للجيش اللبناني أخذ كاميرات المراقبة المثبتة في المكان.

وقوة اليونيفيل موجودة في لبنان منذ العام 1978، وتضم نحو عشرة آلاف جندي وتنتشر في الجنوب (معقل حزب الله) للفصل بين إسرائيل ولبنان بعد عدة نزاعات.

وجدّد مجلس الأمن الدولي في 31 أغسطس/اب تفويضها لسنة واحدة مع تضمين قراره تعديل حول حرية حركتها.

وأثار هذا التعديل انتقادات صدر أبرزها عن حزب الله، بعدما كانت قيادة اليونيفيل تنسّق خلال السنوات الماضية دورياتها وتحركاتها في منطقة انتشارها مع الجيش اللبناني.

وإثر الانتقادات، أكدت قيادة اليونيفيل في لبنان أنها تعمل "بشكل وثيق مع القوات المسلحة اللبنانية بشكل يومي، وهذا لم يتغير".

ونبّه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في خطاب ألقاه في 17 سبتمبر/أيلول عناصر اليونيفيل من أنهم "إذا أرادوا أن يتصرفوا بعيدا عن الدولة وعن الجيش اللبناني المعني بالحركة في جنوب الليطاني، فإنهم يدفعون الأمور إلى مكان ليس لمصلحتهم".

وتعدّ هذه الحادثة الأبرز في جنوب لبنان خلال السنوات الأخيرة وتأتي في خضم أزمتين سياسية واقتصادية يشهدها لبنان، الذي فشل برلمانه الخميس للمرة العاشرة على التوالي، في انتخاب رئيس للبلاد.