سؤال 2023.. والحلف الروسي ـ الإيراني
لا يمكن بأيّ شكل الإستخفاف بالأحداث التي شهدها العام 2022. إنّه عام استثنائي ومفصلي بكلّ المقاييس في ضوء ما فرضه الحدث الأوكراني على العالم في مجال أزمتي الغذاء والطاقة بعدما قرّر فلاديمير بوتين استخدام سلاح الغاز من أجل معاقبة الدول الأوروبية وابتزازها. لم يدرك العالم أهمّية أوكرانيا من الزاوية الزراعيّة قبل 2022. لكنّ الأهمّ من ذلك كلّه أن الحرب الأوكرانيّة التي تسبب بها الرئيس الروسي هي الأولى من نوعها على الأرض الأوروبيّة منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية في العام 1945.
ما شهده العام 2022 من احداث يمكن وضعه في مصاف أحداث العام 1979 التي غيّرت العالم من زاويتين. الزاوية الأولى هي الثورة الإيرانيّة التي كانت لها انعكاسات على المنطقة والعالم كلْه... والأخرى توجه اميركا وبريطانيا نحو اليمين المتشدّد مع وصول رونالد ريغان إلى البيت الأبيض ومارغريت تاتشر إلى موقع رئيسة الوزراء.
في 24 شباط – فبراير الماضي، اتّخذ الرئيس الروسي قراره القاضي بغزو أوكرانيا. احتاج إلى بضعة أسابيع كي يكتشف أنّ إخضاع أوكرانيا ليس نزهة. كان كافيا فشله في السيطرة عسكريا على كييف كي يفهم أنّه خاض مغامرة خاسرة. ما هو مسموح لبوتين في سوريا أو في جورجيا أو في شبه جزيرة القرم ليس مسموحا له عندما يتعلّق الأمر بإجتياح دولة أوروبيّة بحجة حماية الأمن الروسي ومنع أوكرانيا من الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو).
أخافت الحرب كلّ الأوروبيين. جعلت السويد وفنلندا تقدمان طلبين للإنضمام إلى "ناتو". كذلك، تخلّت المانيا عن سياستها التقليدية المتمثلة في بقاء جيشها في حجم معيّن. انتقلت إلى تخصيص موازنة ضخمة لهذا الجيش ومستوى تسلّحه في السنوات العشر المقبلة. قدرت هذه الموازنة بمئة مليار يورو.
كشفت حرب أوكرانيا أمورا كثيرة. كشفت أوّلا أن الرئيس الروسي لا يعرف شيئا عن العالم وأنّه يعيش في وهم امجاد الإتحاد السوفياتي. ليس معروفا ما هي امجاد الإتحاد السوفياتي الذي لم يكن سوى قوّة استعمارية حرمت شعوبا عدّة، من بينها الشعوب السوفياتيّة، من الحريّة والتطور. شمل الحرمات دول أوروبا الشرقيّة... وصولا إلى اليمن الجنوبي!
كشفت حرب أوكرانيا أيضا تخلّف السلاح الروسي مقارنة بالسلاح الأميركي والأوروبي. يظهر كلّ يوم مدى الخداع الذي تعرّض له الشعب الروسي الذي سار في البداية خلف بوتين وشعاراته قبل أن يدرك أنّه ليس مستعدا لخوض حروب جديدة يدفع ثمنها من دم أبنائه. أكثر من ذلك، اكتشف الروس أنّ التلويح بالسلاح النووي سيف ذو حدّين. هناك دول أخرى تملك مثل هذا السلاح!
يبقى أنّ أهم ما كشفته الحرب الأوكرانية عمق الحلف الروسي – الإيراني. ليس هذا الحلف حالة عابرة بمقدار ما أنّه غطاء للوجود الروسي في سوريا وغطاء للوجود الإيراني في أوروبا. هناك مسيّرات وصواريخ ايرانيّة يستخدمها الجيش الروسي في حربه على أوكرانيا في أرض أوروبيّة. صارت هذه الصواريخ والمسيّرات ضرورة لفلاديمير بوتين كي يتابع حربه الخاسرة سلفا. هذه الحرب خاسرة نظرا إلى انعدام فرص التوصل إلى تسوية تحفظ ماء الوجه للرئيس الروسي المصرّ على ضمّ أراض أوكرانية لروسيا مستندا إلى حجج واهية. من بين هذه الحجج وجود مناطق أوكرانيّة يعتبر المواطنون فيها نفسهم مواطنين في الإتحاد الروسي...
لا وجود لتسوية تحفظ ماء الوجه لفلاديمير بوتين. يعود ذلك إلى سبب في غاية البساطة في أساسه أنّ أي احتلال روسي لأيّ ارض اوكرانيّة سيعني أن كل دولة أوروبية باتت مهدّدة في الصميم، خصوصا دولة مثل بولندا ستشعر أنّ مصيرها صار على المحكّ.
تفاجأ فلاديمير بوتين بأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي المنتخب ديموقراطيا يمتلك شرعيّة معترفا بها. ذاق الأوكرانيون طعم الحرّية منذ خروجهم من نير الإستعمار السوفياتي. لم يخرجوا من الوصاية السوفياتيّة كي يقعوا في قبضة روسيا، الدولة البوليسيّة التي يتحكّم بها فلاديمير بوتين والتي لا تمتلك أي مشروع حضاري قابل للتصدير إلى خارج حدودها.
لو لم يكن اليهودي زيلنسكي يمتلك مثل هذه الشعبيّة الحقيقيّة، في بلد الأكثرية فيه ارثوذكسية، لما تمكنت أوكرانيا من الصمود في مواجهة الآلة العسكرية الروسيّة. صحيح أنّ هذه الالة متخلّفة ومتوحّشة ولا تشبه في تصرفاتها غير النظام الأقلّوي في سوريا في تعاطيه مع شعبه، لكن الصحيح أيضا أن الغرب دعم أوكرانيا بالسلاح الحديث والتدريب وإن ضمن حدود معيّنة عندما بات الأمر يتعلّق بمصير أوروبا كلّها.
لعلّ السؤال الأهم الذي سيواجهه العالم في 2023 ما الموقف الأميركي والأوروبي من مشاركة "الجمهوريّة الإسلاميّة" في الحرب الأوكرانيّة بعدما ثبت أنّ هناك اعتمادا روسيا كبيرا على السلاح الإيراني بكلّ انواعه؟ لا جواب واضحا عن هذا السؤال. لكن الأكيد، أقلّه إلى الآن، أن إدارة جو بايدن بدأت تدرك أنّ المشكلة مع ايران تتجاوز الاتفاق في شأن برنامجها النووي. صارت المسيّرات والصواريخ الباليستية الإيرانيّة في الواجهة في وقت يواجه النظام الإيراني تحدّيا شعبيا لا سابق له بعدما أصبحت الأكثريّة في البلد تعبّر بوضوح عن رفض البقاء في أسر التخلّف والبؤس والمشروع التوسّعي لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة". يستند هذا المشروع إلى القمع الداخلي، خصوصا قمع المرأة، وانشاء ميليشيات مذهبيّة في مختلف انحاء المنطقة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
ليس معروفا بعد هل أغلقت إدارة بايدن باب العودة إلى الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني الموقع في العام 2015 في عهد باراك أوباما. سيعني اغلاق هذا الملفّ في طبيعة الحال استعادة لغة المنطق أميركيا. تقول لغة المنطق، بين ما تقوله، أنّ المشكلة مع النظام الإيراني ليست في برنامجه النووي بمقدار ما أنّها في طائراته المسيّرة وصواريخه الباليستيّة التي استعان بها الرئيس الروسي لمتابعة حربه على أوكرانيا وشعبها في حين لم يعد هناك مواطن روسي، يمتلك حدّا أدنى من الفهم، يؤمن بذلك!