العيدي الهمامي يمضي بالكلمات الى أقاصي الوجيعة

بعد 'وطن في قصيدة'و'قاب قوسين'، ديوان قادم بقصائد جديدةعن الواقع وشؤونه وشجونه.

هاهي القصيدة تمضي بشاعرها الى الأقاصي.. أقاصي الوجيعة والألم حيث الحروف والكلمات ملاذ بوح وقول فادح في حساسيته تجاه الأحوال والشؤون والشجون.. ها هو الشاعر ينتبه للكائن يعلي من أصوات القلق تجاه عام ينقضي بأحداثه.. انها أمنيات الشاعر تجاه ما تداعي من يوميات عام أربك الشاعر والراوي :

"ديسمبر قريبا يقلع اوتاد خيمته

ولم يأت الشتاء،

التينة التي زرعها الوالد بلغت من الكبر عتيا ولم تثمر ،

السماء التي كم خلناها غطائنا تعرت من السحب ولم تمطر ولم نجمع خراجها من أعوام ،

مزاريبنا اعتلاها الصديد بعد ان بحت اصواتها ولم تتكحل ببنت سحابة ،

الخطاف الذي غادر العش بسقف بيتنا ليبحث بين خشاش الأرض لم يعد وقد نسي ان يودع فراخه ،

جارنا الذي حرق من شهر اوت لا "حس عنه ولا خبر"

لا البحر أخبر عنه ولا ابنة الطليان،،

يقول الراوي :تفرق دمنا بين مدن لا تحبنا كطائر البطريق أينما اتجهنا يتقيأنا البحر وتركلنا اليابسة.. .".

هكذا هو الشاعر العيدي الهمامي الذي يلهو بالتفاصيل وبعد مجموعات شعرية سابقة يقول في دواخله ضمن هذه القصائد الجديدة التي يضمها ديوانه المقبل  الكثير وهو يتقصى الأحوال وما بالأشياء  والتفاصيل من هم وجراح وأسى..

في قصيدة الطفل الموالية اشتغال حواري فيه الشعر سؤال لتشكيل حالة بمثابة المقاربة لما يحدث :

"الطفل:ابي ماذا تفعل

الأب :أقرأ

الطفل:ماذا تقرا

الأب :الجريدة

الطفل:ماذا في الجريدة

الأب:تفاهة السياية وأخبار الجريمة

الطفل:هل لتتعلم السياسة ام الجريمة ،

ألقى الأب بالجريدة تحت قدميه وقام يحضن طفله.. .".

قصائد جديدة  هي من عوالم الكتابة بتلوينات أحوالها وتنوع شواسعها حيث يمضي الشاعر حاملا شيئا من شجنه القديم وحزنه المعتق يلوذ بالكلمات معانقا احزانه حيث لا مجال لغير القول بالآه.. يسكب في ذاته المتداعية ما سال من أحزان الروح.. هكذا هو الشاعر العيدي الهمامي في هذا العالم يرمم بالشعر ما تداعى من سياج الروح حيث يقول :

"ليل يلملم شتاته

كهارب من جرح

ادمى روحه،

يلوذ بحزنه

ليسكب فيه ما تيسر من القصائد

وليمسح ما تجمد بالمقلتين.. .".

هكذا هي الذات الشاعرة المدججة بالقلق والأسئلة تمنح صاحبها حالات من الوحدة وهو المثقل بهموم القصيدة يمضي بها يرتجي نورا في ليل الناس مشيرا الى الأصدقاء المتعبين والموعودين بثمار القصائد.. انها فسحة الشاعر بما تضفيه من لوعة وحسرة وقلق وهو الحالم بالكلمات تبعد عنه ألم الوحدة وجراحاتها.. الشعر هذا الحاضن للمعنى حيث لا مجال لغير القول بالقصيدة تذهب الحزن وتعلي من شأن الذات :

"في هذه الساعة المتأخرة

والمتدحرجة من سقف الليل

أغادرني ولم أنه قهوتي

أودع طاولتي مدججة بالأسئلة

تشتكي الوحدة

ومتلمسة لي العذر

عبر وجوه اصدقائي

المتعبين بالمعنى

والمثقلين

بإرهاصات القصيدة.. .".

بين مدن شتى هنا وهناك يقيم الشاعر العيدي الهمامي وبه شيئ من حنين وألق الشعر .يقترف فعل الكتابة على سبيل السلوى مشيرا الى الآفاق ينحت بخطاه تمثال السفر والرحلة تجاه ضفاف وأمكنة وقد سكنه النشيد والأغنيات.. وكذلك الأسى أمام مايحدث على غرار طوفان الهجرة السرية ومآسيها  وأحوال الأوطان وعذاباتها أحيانا والشعراء:

".. .لا تحرق

كم شاعر تفرق دمه بين القبائل

وانتهى في القبر مجهول الهوية ،،

لا تحرق

كم شاعر بات أسير "السين والجيم" بأقبية الدوائر المنسية ،،

لا تحرق

كم شاعر تغنى بالوطن لكن الوطن منافق جحود

يكره الشعر

ويمقت الشعراء.. .".

هذا شيئ من قصائده على الجدار اذ يوغل في السفر وكأنه يخاطب الكائنات وحتى العناصر والتفاصيل يرتجي هدأة الحال وبهاء الأمكنة.هذا ويواصل الشاعر العيدي الهمامي معانقة أشعاره  عبر الاصدارات الشعرية وكتابة القصائد التي تعكس حيزا من هواجسه وهمومه شأنه شأن بقية الشعراء حيث الكلمات تنحت مجاريها مثل مياه النهر .

ديوانه الشعري "وطن في قصيدة" وقبله ديوانه الآخر "قاب قوسين"..  ينوع القصائد ليمضي في دروب الشعر تأخذه الكلمات الى رحابها وتعرفه الأمكنة في الحل والترحال.. من عطور القيروان البهية لمعت له نجمتان واحدة بلون القصيدة وثانية بطعم الحلم.. طفل في تخيره لموسيقى الكلام.. يمضي اذن ولا يلوي على غير القول بالآه تقصدا للحكاية وأخذا بناصية الكلمات.. ومن نصوصه الأخيرة ما يلي :

"لم أعد أتذكرني
ساعة بين يديها
قارئة كفي
هي
تتهجى تجاعيد يدي
وأنا أهزها
في مسح طبوغرافي"

العيدي الهمامي قدم لقراء الشعر وعشاقه عملا جديدا ينضاف لديوان سابق ولنصوص كثيرة ينثرها على جدران يومياته بالفيس تنهل من رؤاه وتفاصيل ذاته وهو يقيم تواصله مع ذاته والآخرين والعالم.. فبعد المجموعة الأولى "قاب قوسين" الصادرة عن دار هديل بصفاقس، أصدر الشاعر العيدي الهمامي ديوانه الشعري الثاني بعنوان "وطن في قصيدة " وذلك عن دار المنتدى للثقافة والاعلام، وتأتي قصائده وهو يمضي في دروب الشعر تأخذه الكلمات الى رحابها.