تقشف تلقائي يصيب الاقتصاد السوداني بالركود

بعيدا عن موجة غلاء الأسعار التي تفشت في كثير من دول العالم، يشهد السودان حالة من الركود مع تراجع كبير في إقبال المواطنين على الشراء بينما يحاولون من تلقاء أنفسهم التأقلم مع وضع يزداد سوء، ما أصاب الكثير من القطاعات بالركود.
أزمة غذاء وشيكة تتبرص بحياة السودانيين
السودانيون يعلقون آمالا على اتفاق لتقاسم السلطة يعيد الاستقرار للبلاد
استبعاد البرهان للمدنيين من الحكم تسبب في توقف مساعدات دولية

الخرطوم - دفعت الأزمة الاقتصادية الطاحنة السودانيين إلى إتباع سياسة تقشف تلقائية دون توجيه أو إجراءات رسمية، في محاولة للتأقلم مع وضع يزداد صعوبة في بلد لم تهدأ فيه الاحتجاجات والسجالات السياسية، لكن هذا الوضع أصاب الاقتصاد السوداني بالركود مع تراجع الإقبال على شراء السلع كرها لا طوعا.

وفي بقالة صغيرة بالخرطوم، ينشغل حسن عمر في نفض الغبار عن البضائع التي تتكدّس منذ أشهر على الرفوف بسبب تراجع حركة الشراء في السودان وسط أزمة اقتصادية عميقة.

ويقول عمر البالغ من العمر 43 عاما في بقالته "لم يعد لدى المواطن المال ليشتري، ما يجعلنا نعاني حالة كساد"، مضيفا "القوة الشرائية تراجعت بشكل كبير خلال الأشهر الستة الماضية"، مشيرا إلى أن مبيعاته في السابق كانت تبلغ في اليوم الواحد نحو 500 ألف جنيه سوداني (877 دولارا تقريبا)، لكنها انخفضت الآن إلى 200 ألف جنيه (حوالي 350 دولارا).

وتعكس محنة عمر تدهور الوضع الاقتصادي في السودان، ما أرغم العديد من الأسر على التقشف في ظل أزمة غذاء وشيكة في البلد الذي يعاني حوالي ثلث سكانه الـ45 مليونا من الجوع الحاد.

ويعيش نحو 65 بالمئة من السودانيين تحت خط الفقر، بحسب ما أفاد تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2020.

وعانى السودان على مدار ثلاثة عقود من حكم الرئيس السابق عمر البشير، من أزمات اقتصادية متلاحقة ناتجة عن سوء الإدارة من جهة وما شهدته البلاد من صراعات قبلية وتمرد مسلح من جهة أخرى، فضلا عن العقوبات الدولية المفروضة عليه.

ودفعت هذه الظروف القاسية السودانيين إلى الخروج في احتجاجات حاشدة ضد حكم البشير إلى أن عزله الجيش من السلطة في ابريل/نيسان 2019، وتم الاتفاق على حكم انتقالي مشترك بين المدنيين والعسكريين وبدأت انفراجة اقتصادية تلوح في الأفق مع ورود تعهدات بتقديم مساعدات دولية ورفع بعض العقوبات عن البلد.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021 تبددت الآمال وتفاقمت الأزمة الاقتصادية بعد انقلاب عسكري نفذه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان أطاح فيه بالمدنيين من الحكم، ما أدى إلى تراجع المساعدات الدولية للبلاد، فيما خرجت تظاهرات شبه يومية احتجاجا على الحكم العسكري.

وقالت سعاد بشير الموظفة الأربعينية وهي أم لأربعة أطفال "مقارنة الدخل مع المصروف غير ممكن لذلك نحاول إيجاد بدائل رخيصة في الطعام".

وفي أحد شوارع شمال الخرطوم، يشكو نور آدم بجانب عربته لبيع الخضار من الوضع، موضحا أنه تكبد خسائر فادحة خلال الأشهر التسعة الماضية.

وقال "فسد الكثير من المنتجات بسبب عدم الشراء.. لا يمكن أن يستمر الأمر على هذا النحو أو سأضطر إلى البحث عن وظيفة أخرى".

وعلى الرغم من ذلك، تراجع معدل التضخم في السودان العام الماضي مسجلا 87 بالمئة في ديسمبر/كانون الأول بالمقارنة مع 318 بالمئة في الشهر نفسه من العام 2021.

وبرر أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين عبدالله الرمادي ذلك فأوضح أن "الاقتصاد في حالة ركود كامل"، مضيفا أنه ليس هناك طلب وبالتالي فإن الأسعار لا ترتفع. ولم يعلن السودان بعد عن موازنة الدولة لعام 2023. ومؤخرا نظم المئات من طلاب الجامعات احتجاجات ضد الزيادات الأخيرة في الرسوم التعليمية.

ويتساءل محمد حسين طالب السنة الأولى بكلية الهندسة كيف سيتمكن من دفع الرسوم المطلوبة منه قائلا "طُلب مني دفع 550 ألف جنيه (نحو ألف دولار) ووالدي يعمل كموظف براتب شهري"، مشيرا إلى أن الرسوم كانت حوالي 50 ألف جنيه في العام الماضي.

ولم تقتصر الاحتجاجات على الطلاب، بل باشر المئات من أساتذة الجامعات إضرابا مفتوحا منذ العاشر من الشهر الجاري اعتراضا على تدني رواتبهم.

ويواجه الملايين في السودان صعوبات متزايدة في الحصول على خدمات التعليم التي تعطلت على مر العامين الماضيين نتيجة الاحتجاجات المناهضة للانقلاب العسكري.

وعلى غرار التعليم، ارتفعت رسوم العديد من الخدمات الحكومية الأخرى من إصدار جوازات السفر وحتى رسوم الطرق. وقال سائق الشاحنة تيجاني عمر "رسوم الطرق تضاعفت خمس مرات على الأقل مقارنة بالعام الماضي"، مضيفا أن ذلك "سوف يرفع من تكلفة النقل وينعكس في النهاية على أسعار المنتجات".

ويعلق البعض آمالا على اتفاق وقع الشهر الماضي بين العسكريين والمدنيين شكل الشق الأول من عملية سياسية على مرحلتين، لإنهاء الاضطرابات التي تعم البلاد، بينما يشكك به الكثيرون باعتباره يفتقر إلى تفاصيل وجداول زمنية.

ويأمل عبدالحليم حامد (53 عاما)، الموظف بالقطاع الخاص والأب لأسرة من ستة أفراد، في أن يساعد الاتفاق على استئناف برنامج دعم الأسرة.

وقال أثناء تفاوضه مع بائع فاكهة في الخرطوم على الأسعار "فقدت المساعدة القليلة التي كان يقدمها لي هذا البرنامج"، متابعا "إذا نجح الاتفاق الأخير في جلب الاستقرار السياسي يمكن للاقتصاد أن يبدأ في التحسن، لكن التحسن الكامل يحتاج إلى وقت".