قضية ثروة سلامة تطيح برئيس مصرف لبناني بباريس

التحقيق الفرنسي في ثروة حاكم مصرف لبنان بأوروبا يتسارع، فيما لا تستطيع السلطات اللبنانية إرغام رياض سلامة على التوجّه إلى باريس.
توجيه الاتّهام إلى سلامة سيشكل خطوة كبيرة في التحقيق القضائي المثير
الوزير اللبناني السابق والمصرفي مروان خيرالدين متّهم بتشكيل عصابة إجرامية

بيروت - وجّه القضاء الفرنسي الاتّهام رسميا إلى الوزير اللبناني السابق ورئيس مجلس إدارة "بنك الموارد" الخاص مروان خير الدين في باريس في التحقيق القضائي الفرنسي حول أصول حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة في أوروبا.

وأوضح مصدر مطّلع على الملف أنّ التّهم الموجّهة إلى خيرالدين هي "تشكيل عصابة إجرامية" بهدف القيام خصوصاً باختلاس أموال عامّة من قبل موظف عمومي على حساب الدولة اللبنانية وخيانة الأمانة وإفساد موظف عمومي.

وقد استمع محقّقون أوروبيون إلى خيرالدين البالغ 55 عاماً في لبنان في يناير/كانون وهو ملاحق أيضا بتهمة تبييض أموال في إطار "عصابة منظّمة" وقد وضعه القضاء الفرنسي تحت المراقبة القضائية.

ويُشتبه في أنّ سلامة البالغ 72 عاماً استخدم بنك الموارد لتحويل أموال من دون الخضوع لمراقبة، في مقابل حصول هذا البنك على خدمات.

وتشكّل ثروة سلامة، أحد أطول حكام المصارف المركزية عهداً في العالم، محور تحقيقات منذ عامين في لبنان وخارجه، حيث تلاحقه شبهات عدّة بينها اختلاس أموال وتبيضها وتحويلها إلى حسابات في الخارج.

محطة مهمة

ويتسارع التحقيق الفرنسي في الثروة التي يملكها حاكم مصرف لبنان  في أوروبا بعدما استدعته قاضية فرنسية للمثول أمامها في 16 مايو/أيار في جلسة يرجّح أن يوجه إليه الاتّهام خلالها، في قضية اتّخذت فيها الدولة اللبنانية صفة طرف مدني ويلاحق فيها أيضا مروان خيرالدين، مدير "بنك الموارد" اللبناني.

وأفاد المصدر اللبناني بأنّ السلطات اللبنانية لا يمكنها إرغام سلامة على التوجّه إلى فرنسا وقد صدر في حقّه قرار منع سفر. وأصدرت هذا القرار القاضية اللبنانية غادة عون التي يمكن لها أن ترفع قرار منع السفر عن سلامة للسماح له بالمثول أمام القضاء الفرنسي.

وقال بيار-أوليفيه سور محامي سلامة إنّه "يدرس جدوى تلبية هذا الطلب" لأنّ الإجراءات بحقّ موكّله غير نظامية برأيه.

واستمع محقّقون أوروبيون، بينهم قاضية التحقيق الفرنسية أود بوريزي، في منتصف مارس/آذار في بيروت إلى سلامة.

وينفي حاكم مصرف لبنان المركزي باستمرار الاتّهامات الموجهة إليه، معتبرا أنّ ملاحقته تأتي في سياق عملية سياسية وإعلامية "لتشويه" صورته وأنّه جمع ثروته من عمله السابق طيلة عقدين في مؤسّسة "ميريل لينش" المالية العالمية ومن استثمارات في مجالات عدّة.

وقال المحامي وليام بوردون لوكالة فرانس برس إنّ الاتّهام الموجه إلى خيرالدين وهو الثاني في إطار التحقيق الفرنسي الذي بوشر في تمّوز/يوليو 2021، "يشكّل محطة مهمة".

وشدّد محامي كل منّ جمعية "شيربا" وتجمّع "ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية في لبنان" وهما طرفان مدنيان في هذة القضية على أنّ "عمليات غسل الأموال من جانب سلامة والمقربين منه ما كانت لتحصل من دون مشاركة مصرفيين في فرنسا وأماكن اخرى".

ووُجّهت التّهمة رسميا في حزيران/يونيو 2022 إلى مقرّبة من سلامة هي آنا ك وهي أوكرانية عمرها 46 عاماً، للاشتباه بضلوعها في ترتيبات مالية معقّدة تسمح بإخفاء مصدر الأموال التي اختلسها رياض سلامة.

وجمّدت فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وي مارس/آذار من العام الماضي 120 مليون يورو من الأصول اللبنانية إثر تحقيق استهدف سلامة وأربعة من المقرّبين منه، بينهم شقيقه، وذلك بتهم غسل أموال و"اختلاس أموال عامة في لبنان بقيمة أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو على التوالي، بين 2002 و2021".

ويطالب وكلاء الدفاع عن سلامة باستعادة أصول بعشرات ملايين اليوروهات يملكها موكّلهم ومحجوزة في فرنسا، بينها شقق في الدائرة السادسة عشرة من باريس وفي جادة الشانزيليزيه وأخرى في المملكة المتحدة وبلجيكا، فضلا عن حسابات مصرفية وغيرها.

توجيه الاتّهام 

وسيشكّل توجيه الاتّهام إلى سلامة خطوة كبيرة في هذا التحقيق القضائي الذي بدأ في تمّوز/يوليو 2021 في فرنسا، بالتوازي مع إجراءات قضائية أخرى في أوروبا وسويسرا.

وبحسب المصدر المطّلع على القضية ومصدر قضائي لبناني، فإنّ الدولة اللبنانية اتّخذت مؤخّرا صفة الطرف المدني في فرنسا في هذه القضية.

وأوضح المصدر القضائي اللبناني أنّ بيروت "تريد بالتالي الاحتفاظ بحقّها في أن تستردّ لحساب الخزينة اللبنانية أيّ أموال أو ممتلكات يمكن أن يكون سلامة قد استحوذ عليها بصورة غير مشروعة إذا ما تمّ تجميد" هذه الأموال.

وتحرّكت الدولة اللبنانية لرفع دعاوى في أوروبا وفي الدول التي وضعت حجزاً على أموال أو ممتلكات لسلامة، حتّى يتمّ حجز الأموال لصالح الخزينة اللبنانية في حال تبيّن أنّ مصادرها غير شرعية.

لكن، بالنسبة إلى المحامي وليام بوردون، وكيل جمعية شيربا وتجمّع "ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية في لبنان"، وهما طرفان مدنيّان في هذه القضية، فإنّ القانون الفرنسي الصادر في أغسطس/آب 2021 بشأن ردّ ممتلكات استحوذ عليها بطريقة غير مشروعة "هو الذي يطبّق عندما يتمّ توجيه اتّهام إلى واحد أو أكثر من الموظفين العموميين اللبنانيين".

وفي حال أدين سلامة بصورة نهائية وباتّة، فإنّ المحامي بوردون يقول إنّ "الأموال المصادرة بصورة نهائية لن تعود بالتالي إلى الدولة اللبنانية بل ستذهب لتمويل مشاريع لصالح المصلحة العامّة" في لبنان.

وقال وكيل الدفاع عن سلامة إنّ عملية اتّخاذ صفة الطرف المدني في القضية كانت "الذريعة المناسبة لإرجاء" جلسة الاستماع التي كانت مقرّرة في 4 أبريل/نيسان أمام محكمة الاستئناف في باريس، في تأجيل شكّك المحامي أيضاً في مدى قانونيته.

ووفقاً للمحامي سور، لا بدّ للحكومة اللبنانية من أن تضفي الطابع الرسمي على صفة الطرف المدني هذا بمرسوم يصدر عنها.

ويقول إنّه "إذا لم تصدر الحكومة اللبنانية هذا المرسوم فسنقدّم شكوى جنائية بتهمة التزوير ومحاولة احتيال".