محمد عبدالله البريكي يبلّل القلوب العطشى بماء وبكاء الغيم

الشاعر يحيي أمسيتين شعريتين ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب ويشارك ايضا في قراءات شعرية نظمها المعهد العالي للعلوم الإنسانية في تونس مع كوكبة من الشعراء.

تونس - أمسيتان شعريتان أحياهما الشاعر محمد البريكي في تونس ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب في مساء مبلل بماء الشعر الذي يسكن القلوب بحروفه المضاء بالحب ومعنى الجمال والقريبة من النفس الإنسانية للبوح الشفيف.

حيث شارك أيضا الشاعر البريكي في قراءات شعرية نظمها المعهد العالي للعلوم الإنسانية في تونس مع كوكبة من الشعراء هم:  "خالد الوغلاني، زكريا العيساوي، وعبدالعزيز الهمامي"  أصبوحة أضاء فيها الشعر وتغنى فيها الشعراء والتحم الجمهور مع دفقات الخيال ومدى قدرة الشعراء على توظيف حالاتهم الشجية بما يمتع الجمهور.

الشاعر محمد عبدالله البريكي قرأ مجموعة من قصائده الجديدة التي استحوذت على تفاعل الجمهور معها للغتها العالية التي عاين في مضامينها مواضيع مختلفة وقف من خلالها على قضايا إنسانية والذات الشاعر، وقصائد أخرى استحضر فيها ما يعتمل في الذاكرة من مشهديات عاينها بذائقة فنية وبلغة حداثية تواكب تطور القصيدة العربية من شكليها العمودي والتفعيلي.

من قصيدته "بكائية الغيم" نقتطف منها حيث يقول: 

عَييتُ بهذي الأرضِ كَيْفَ حَمَلْتُها

على مَتْنِ ضِلْعٍ قَدْ أراهُ مُكَسَّرا

وَقَدْ لا أرى في قِصّتي كَيْدَ إخْوَةٍ

ولكنْ سيأتيني القَميصُ مُبَشِّرا

ولا حلَّ إلّا أنّني قلتُ مثلَهُ:

"نُحاوِلُ مُلْكاً أو نَموتَ فَنُعْذَرا"

وما الحُبُّ بَيْنَ النّاسِ إلّا خديعةٌ

لِما قَدْ يَراهُ النّاسُ شَرّاً مُؤَطَّرا

وما الشِّعْرُ الّا النّارُ في كَفِّ شاعرٍ

يُذيبُ بها ما شاءَ أو تَحْمِلُ القِرى.

ويسافر بنا الشاعر محمد البريكي في قراءته الشعرية إلى ضفاف أخرى من خلال مشاركته الشعرية الأكثر تميزا في تونس المحبة.. تونس الجمال وخضرة القلوب حيث جاءت وقفته الشعرية اللافتة في المعهد العالي للعلوم الإنسانية ليحلق عاليا بحرفه وجمال حضوره شعرا وإلقاء.

وصرح  مدير بيت الشعر في الشارقة البريكي خلال الأمسية: "أن مثل هذه الأمسيات الشعرية التي يقابل فيها الشاعر جمهور مثقف واع يجعل للقصيدة بهاء لا يحد، وفي نفس الوقت أعرب البريكي عن شكره العميق للدعوات التي وصلته من الشقيقة تونس الخضراء من القائمين على معرض تونس الدولي للكتاب وكذلك المعهد العالي للعلوم الإنسانية لافتا إلى أن تونس بقامتها الثقافية وتاثيرها البالغ في الثقافة العربية هي منارة شعرية أصيلة وأن التعاطي مع جمهورها المبدع المحب للشعر يجعل من الحضور إليها أمرا يدعو للفخر مثمنا هذه الرحلة الشعرية التي تجعله دائما متواصلا مع المشهد الإبداعي الشعري الغزير والمشع بالجمال والدهشة".

محمد عبدالله البريكي
'عَييتُ بهذي الأرضِ كَيْفَ حَمَلْتُها على مَتْنِ ضِلْعٍ قَدْ أراهُ مُكَسَّرا'

وكان اللقاءان تواصلا مع الكلمة المبدعة ومع الجمهور المحب للشعر، لبى الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير بيت الشعر في الشارقة دعوات للمشاركة في معرض تونس الدولي للكتاب والمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس وقد حظيت لقاءات الشاعر باهتمام الشعراء ونقاد الشعر والعديد من المثقفين، وقد بدأ الشاعر أولى جولاته الشعرية يوم الجمعة الماضية إذ كان على موعد مع جمهور معرض تونس الدولي للكتاب في أمسية باح فيها الشاعر بمواجدة للبلد المضيف فضلا عن العديد من القصائد التي حملت طابعا وجدانيا خالصا والتي لامست قلوب الناس في هذا البلد المخلص للشعر وللثقافة الإنسانية بوجه عام، ومن ضمن الأشعار قصيدة "حنبلي" التي قدمها البريكي في هذه الأمسية التي نختار منها:

هنالكَ حَيْثُ الأرضُ عَذْرا، فَقُلْ لها:

أيا تونُسُ الخَضْراءُ بالله أقْبِلي

فإنَّكِ في قرطاجَ بنتٌ أميرةٌ

تقولينَ: مَنْ؟ قلتُ: المُتَيَّمُ، فانزلي

لنعقِدَ بينَ البحرِ والبحرِ صفقةً

وبحرُ قصيدي لا يخونُكِ فاسألي

أُعَتِّقُ “شاياً" تونسيّاً بأحرُفي

وإنْ قلتُ "برشا نْحبْ” فالحبُّ مَنهَلي

وليسَ لعينِ الفاتناتِ وإنَّما

لتونسَ إنساناً وأرضاً تجمُّلي

وليسَ لأنَّ الفاتناتِ أعافُها

ولكنْ لطهرِ الفاتناتِ تغزُّلي

وتونسُ أمٌّ والقصيدةُ طفلةٌ

مدُللة فيها بأغلى التدلُّلِ.

وواصل قراءاته الشعرية لصحبنا عبر تجلياته الشعرية فضاءات أخرى من جماليات القول الشعري ليتحفنا بقصيدته الموسومة "نخلة العشاق" ليتغنى بقرطاج جاعلا في كل مسحة مئذنة ونادى وفي ثناياه الوجع لنرى روحه نافرة تشق طريق لا الجسد، يقول في قصيدته:

قرطاجُ جئتُكِ قلباً قد تعلَّقَ في

ريشِ السحابِ وأمضى العمرَ مُبْتَعِدا

عُشبُ المطاراتِ يدري من أنا وأنا

لستُ الذي صادقَ الغيمات ثُمَّ عَدا

أتيتُ أحملُ طيناً لو عجنتُ بِهِ

قلباً عصيّاً لصارَ القلبُ نبضَ هُدى

أتيتُ نافرةً روحي وذاكرتي

من كلِّ طائفةٍ لا تحرسُ الأمَدا

في الروحِ مئذنةٌ نادى بها وجعي

من ذا يُعيدُ ليَ الإنسانَ لو بَعَدا

الأرضُ في حاجةِ الإنسانِ يحمِلُها

روحاً تشقُّ طريقَ الوصلِ .. لا جسدا.

مشاركة الشاعر محمد البريكي في تونس ستبقى خالدة في الذاكرة، أمسية مختلفة عانقت الأرواح والخضرة والتراب واتسمت بإيقاع الروح وإيقاع الحياة والجمال والحب معنى ومبنى.