هل تكبح عودة سوريا إلى الحضن العربي تجارة الكبتاغون؟

الدول العربية التي طوت صفحة سنوات من المواجهة مع بشّار الأسد تريد منه كبح تجارة المخدرات المزدهرة في سوريا وخاصة الكبتاغون.
السعودية اقترحت تعويض سوريا عن خسارة تجارة الكبتاغون في حال توقفها
حاجة الأسد الماسة للمساعدات الخارجية ستحدد شكل التعاون في قضيتي اللاجئين والكبتاغون
تجارة الكبتاغون تمثّل مصدر قلق كبير للزعماء العرب

دمشق - أعادت مجموعة من الدول العربية الرئيس السوري بشار الأسد إلى الجامعة العربية بعد إبعاده عنها طيلة 12 عاما، بينما تريد منه كبح تجارة المخدرات المزدهرة في سوريا وخاصة "الكبتاغون" مقابل توطيد العلاقات، في وقت أبدت فيه دمشق استعدادها للتعاون مع دول الجوار لتطويق الظاهرة.

وطوت تلك الدول صفحة سنوات من المواجهة مع الأسد الأحد بالسماح لسوريا بالعودة إلى الحاضنة العربية في خطوة محورية نحو إعادة تأهيله إقليميا على الرغم من أن الغرب ما زال ينبذه بعد اندلاع الحرب الأهلية المستمرة منذ سنوات.

لكن القادة العرب يطلبون شيئا في المقابل من أجل إعادة الاندماج، لا سيما وقف إنتاج وتهريب مخدر الكبتاجون الذي يقول الغرب والدول العربية إنه يتم تصديره من سوريا إلى جميع أنحاء المنطقة.

وإلى جانب عودة ملايين اللاجئين الذين فروا من سوريا أصبحت تجارة الكبتاغون مصدر قلق كبير للزعماء العرب، يساوي قلقهم من ترسيخ إيران لقدمها في الدولة العربية.

وتحولت سوريا إلى مركز لتهريب الكبتاغون ضمن شبكة تمتد إلى لبنان والعراق وتركيا وصولا إلى دول الخليج مروراً بدول أفريقية وأوروبية وتُعتبر السعودية السوق الأول.

وتشير تقارير إلى أن القوات الأمنية ضبطت في عديد الدول أكثر من 400 مليون حبة كبتاغون في عام 2021 فقط، في حين يقدّر مسؤولون أنه مقابل كل شحنة يتمّ ضبطها تصل تسع شحنات أخرى إلى وجهتها.

وتنفي دمشق تورطها في أي دور في هذه التجارة التي واجه مسؤولون سوريون وأقارب للأسد عقوبات غربية بسببها، فيما تسعى لاستخدام هذه القضية كورقة ضغط.

وقال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لنظرائه العرب في اجتماع عقد في أول مايو/أيار إن التقدم في كبح تجارة الكبتاغون يعتمد على الضغط العربي على الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات، بحسب ثلاثة مصادر مطلعة على الاجتماع.

وربط عودة اللاجئين بالحصول على التمويل لإعادة إعمار سوريا التي فرّ منها أكثر من خمسة ملايين إلى الدول المجاورة خلال الحرب التي أودت بحياة مئات الآلاف.

وقال أيمن الصفدي وزير الخارجية الأردني في تصريح سابق إن "استعداد سوريا لإحراز تقدم حقيقي في حل الصراع سيساعدها في الفوز بالدعم العربي الحاسم للضغط من أجل إنهاء العقوبات الغربية في نهاية المطاف والتي تشكل عقبة رئيسية أمام بدء جهود إعادة إعمار كبيرة".

وتحدثت المصادر شريطة عدم نشر أسمائها. وقال أحدها إن الاجتماع في الأردن كان "محتدما إلى حد بعيد" وإن الوزراء العرب شعروا بالانزعاج بسبب لهجة المقداد.

وأصدر الاجتماع الذي حضره وزراء من مصر والعراق والسعودية والأردن بيانا وافقت فيه سوريا على المساعدة في منع تهريب المخدرات والعمل خلال الشهر المقبل على تحديد هويات منتجيها وناقليها.

الكبتاغون شريان أساسي للاقتصاد السوري بعد أن دمرته الحرب
الكبتاغون شريان أساسي للاقتصاد السوري بعد أن دمرته الحرب

وفي ما يبرز القلق العربي الشديد إزاء هذه القضية، قالت مصادر محلية ومخابراتية إن الأردن نفذ ضربات جوية في سوريا الاثنين أسفرت عن مقتل مهرب مخدرات سوري وأصابت مصنعا مرتبطا بجماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران.

ونفى حزب الله، الذي نشر مقاتلين في سوريا لدعم جهود الأسد الحربية، ضلوعه بأي دور في تجارة المخدرات.

وبمساعدة من إيران وروسيا تمكن الأسد من دحر أعدائه الذين حصل بعضهم على دعم من بعض الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة. وتلك الدول استنأنفت العلاقات معه الآن ومن بينها السعودية التي تعمل أيضا على إصلاح العلاقات مع إيران حليفة الأسد.

ودمرت الحرب الاقتصاد السوري والبنية التحتية والمدن والمصانع ولطالما كان الكبتاغون جزءا مربحا من اقتصاد الحرب في سوريا، وتقدر قيمته بمليارات الدولارات سنويا.

وقال مسؤول أردني كبير إن بلاده أبلغت سوريا بأنها تعد المخدرات تهديدا لأمنها القومي، مضيفا أن "الضغط على الحدود هائل وهذه ليست عصابات" ويعتقد أنها جماعات تحظى بدعم من إيران وتتحصن داخل الدولة.

وقال مصدر إقليمي مقرب من دمشق ومصدر سوري مقرب من الخليج على دراية بالاتصالات إن السعودية وهي سوق كبير للكبتاغون، اقترحت تعويض سوريا عن خسارة التجارة في حال توقفها، كاشفا أن الرياض عرضت أربعة مليارات دولار، بناء على تقديراتها لقيمة التجارة.

ونفى مصدر في وزارة الخارجية السعودية اليوم الأربعاء ما تردد عن مناقشات بين السعودية وسوريا حول أي تمويل. وقال المسؤول إن المملكة لم تعرض تقديم أربعة مليارات دولار لسوريا.

وقال دبلوماسي عربي خليجي في المنطقة إنه يتعين على سوريا التوقف عن تصدير المخدرات وإن دمشق تعلم أن الخليج مستعد للاستثمار إذا كانت هناك مؤشرات على حدوث هذا.

وأكد مصدران غربيان مطلعان على اتصالات عربية مع سوريا أن التعويض ضروري لإبعاد الوحدات المسلحة المرتبطة بالدولة عن تجارة الكبتاغون.

وفرضت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على دمشق في الأسابيع القليلة الماضية بسبب الكبتاغون. ويتهمون تحديدا ماهر الأسد، شقيق بشار ورئيس الفرقة الرابعة في الجيش، بتيسير إنتاج المخدّر والاتجار به.

وقالت واشنطن إنها لن تستأنف العلاقات مع الأسد وستظل عقوباتها سارية، في حين تحدثت مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية باربرا ليف للصحفيين الشهر الماضي عن تحرك شركاء واشنطن الإقليميين لكسر الجليد مع الأسد وحثتهم على الحصول على شيء في المقابل، قائلة "أود أن أضع إنهاء تجارة الكبتاغون في المقدمة مع القضايا الأخرى".

وقال مهند الحاج علي من مركز كارنيغي للشرق الأوسط إن حاجة الأسد الماسة للمساعدات الخارجية ستحدد شكل التعاون في قضيتي اللاجئين والكبتاغون.

لكنه حذر من أن قدرة النظام على الإنجاز محدودة مثل سيادته التي يتم تقاسمها الآن بين عدد من الجهات الفاعلة، بما في ذلك روسيا وإيران والجماعات المسلحة شبه العسكرية المحلية.