الجيش السوداني يحشد لتسليح متقاعديه.. ضعف أم دفع لحرب أهلية؟
الخرطوم - ينفتح السودان على أسوأ السيناريوهات مع دعوة وزارة الدفاع في السلطة التي يقودها قائد الجيش رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، العسكريين المتقاعدين للالتحاق بأقرب مقر قيادة عسكرية للتسلح وهي دعوة تتناغم مع دعوات اخوانية سابقة تنادي بتسليح القبائل والمدنيين، ما قد يفجر حربا أهلية وسط مخاوف من تشكيل الجيش ميليشيات مدنية وجر حركات متمردة للصراع الحالي.
وكنت قوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) قد حذرت قبل فترة من هذه الدعوات التي تقودها فلول النظام السابق وقيادات اخوانية وضباط في الجيش موالون للرئيس المعزول عمر البشير.
وتؤكد خطوة وزارة الدفاع السودانية وجاهة التحذيرات التي أطلقتها قوات الدعم، كما تؤكد أيضا حالة الضعف التي بات يعاني منها الجيش الذي يعتمد أكثر في مواجهات الخرطوم على سلاح الجو والمدفعية الثقيلة.
وقال وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم في بيان بثه التلفزيون الرسمي، إن من وصفها بـ"قوات التمرّد (قوات للدعم السريع) تواصل انتهاكات الهدنة الإنسانية وتعتدي على عدد من المقار والمؤسسات".
واتهمها بأنها "تمادت في إذلال رموز الدولة من الأدباء والصحفيين والقضاة والأطباء، وأسر ومطاردة والقبض على معاشيي (متقاعدي) القوات النظامية (الجيش)".
وخاطب الوزير متقاعدي الجيش بالقول "نهيب بكل معاشيي القوات المسلحة من الضباط وضباط صف وجنود وكل القادرين على حمل السلاح، التوجه إلى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم لتأمين أنفسهم وحرماتهم وجيرانهم وأعراضهم والعمل وفق خطط منطقتهم".
وترى مصادر محلية ومن قوات الدعم أن تلك الدعوة ذريعة لتوسيع نطاق الحرب واستقطاب المتقاعدين من الجيش الذي يحتمل أنه يواجه حالة من الضعف والتشتت بعد ما يقرب من 45 يوما من المواجهات المسلحة في الخرطوم وضواحيها.
ومساء الاثنين، بدأ سريان اتفاق جديد لوقف إطلاق النار بين الجيش والدعم السريع من المقرر أن يستمر لمدة أسبوع، بموازاة استمرار محادثات بين طرفي النزاع بالسعودية في محاولة للتوصل إلى وقف دائم للقتال وحل سلمي للنزاع المسلح المتواصل في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى.
وفي خضم هذه التطورات قالت مصادر في الرئاسة السودانية لرويترز الجمعة، إن رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان طلب في رسالة إلى أنطونيو غوتيريش أمين عام الأمم المتحدة اختيار بديل لمبعوثه الخاص في السودان فولكر بيرتس من دون أن تتضح أسباب هذا الطلب، لكن يرجح أن تصريحات بيترس حول انتهاكات الجيش أثارت غضب البرهان.
ويشهد السودان منذ 15 أبريل/نيسان اشتباكات بين الجيش والدعم السريع إثر خلافات بينهما، ما دفع جهات إقليمية ودولية للتدخل على خط المفاوضات سعيا للتوصل لوقف لإطلاق النار.
وعندما اجتاحت الحرب العاصمة السودانية الشهر الماضي، سرعان ما امتدت إلى إقليم دارفور في الغرب وأشعلت صراعا قديما ودفعت بموجة من اللاجئين عبر الحدود إلى تشاد.
وأرسل نصر عبدالله زوجته وشقيقته وأطفاله الخمسة إلى تشاد الأسبوع الماضي وظل ينتظر أي أنباء عن ابنه البالغ من العمر 17 عاما في العاصمة الخرطوم، لكن عندما أُحرق منزل جاره وسيطرت العصابات على الشوارع، فر هو الآخر.
وبعد وصوله مرهقا يوم الأربعاء إلى مدينة أدري التشادية على بعد حوالي 27 كيلومترا من مدينة الجنينة الرئيسية في ولاية غرب دارفور، قال الرجل البالغ من العمر 42 عاما "لم أستطع التحمل أكثر من ذلك وبالتالي قررت المغادرة سيرا على الأقدام"، مضيفا "مررت عبر الأدغال وسرت غربا طوال الليل".
ويربط السكان تجدد العنف في الجنينة ومناطق أخرى من دارفور بالصراع على السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في الخرطوم، مما سمح للميليشيات بأن ترتع في المنطقة بدون رادع.
وقال أشخاص قابلتهم رويترز إن الهجمات التي وقعت في الجنينة منذ أواخر أبريل/نيسان نفذتها ميليشيات "الجنجويد" التي تضم مسلحين يُعتقد عادة أنهم ينتمون إلى قبائل عربية بدوية ويركبون الشاحنات والدراجات النارية والخيول. وتنفي قوات الدعم السريع التحريض على العنف في دارفور وتلقي باللوم على الجيش.
وذكر شهود أن الهجمات في الجنينة دمرت أسواقها وشبكة الكهرباء والمنشآت الطبية بها، مما أعاد إلى الأذهان ذكريات أعمال العنف الوحشية التي اندلعت في أوائل العقد الأول من القرن الحالي.
وتقول وزارة الصحة السودانية إن ما يصل إلى 510 أشخاص قُتلوا في المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو نصف مليون نسمة، ونزح ما لا يقل عن 250 ألف شخص داخليا في ولاية غرب دارفور، بينما فر 90 ألفا آخرون إلى تشاد.
ومع انقطاع الاتصالات في الجنينة الآن، قدمت شهادة عبدالله لمحة نادرة عن الفوضى. وقال "الأسلحة الثقيلة والمدافع الرشاشة تُطلق في كل مكان. عندما تخرج في الصباح، ترى ثقوبا جديدة في الجدران من الرصاص"، مضيفا أن إمدادات المياه انقطعت وأن الطعام شحيح في المدينة التي غادرها.
ورغم أن الصراع في دارفور بين القبائل العربية ضد غير العرب يُوصف في كثير من الأحيان بأنه عرقي، إلا أن أساسه أيضا صراع على الأرض تفاقم بسبب تغير المناخ.
وقال سلطان سعد بحرالدين زعيم قبيلة المساليت التي تمثل أكبر كتلة من سكان الجنينة "هذا الصراع بين الرعاة والمزارعين. إنه يتعلق بالموارد والأرض".
وذكر جيروم توبيانا الباحث في المنطقة أن رعاة الماشية العرب هاجروا إلى مناطق أقل جفافا خلال فترات الجفاف في دارفور في سبعينات وثمانينات القرن الماضي مما أدى إلى توترات.
وحصلوا على المزيد من الأراضي مع مساعدة ميليشيات الجنجويد العربية للقوات الحكومية على صد المتمردين في الصراع الذي اندلع عام 2003، لكنهم شعروا أن اتفاق السلام الذي أبرم عام 2020 مع بعض الجماعات المتمردة وتضمن وعدا بعودة النازحين إلى أراضيهم، تجاهل احتياجاتهم. وتزايدت الهجمات مع انسحاب قوات حفظ السلام الدولية.
وقال خمسة من سكان الجنينة، فضل معظمهم عدم نشر أسمائهم لتجنب الانتقام إنهم يعتقدون أن الميليشيات تهدف إلى إفراغ المدينة وأن الجيش لم يفعل الكثير لتوفير الحماية.
يقاتل رجال مسلحون من المساليت وأعضاء في التحالف السوداني، وهو جماعة وقعت اتفاق السلام، من داخل الأحياء التي يعيشون فيها.
وقال محمد الدومة والي الولاية السابق وعضو هيئة محامي دارفور وهي جماعة حقوقية، "كانت الميليشيات تهاجم أي شخص موجود في المدينة... حتى السكان العرب لم يسلموا".
وقال المحامي جمال عبدالله إن الشهود أخبروه بحادث في الجنينة قتل فيه سبعة أشخاص في أحد المنازل، وواقعة أخرى في عيادة مؤقتة حيث قُتل طبيب و12 شخصا كانوا مصابين بالفعل بالرصاص.
ووجهت قوات الدعم السريع في الماضي اللوم إلى عدد من الجنود لتورطهم في هجمات الجنجويد، لكنها تتهم الجيش وميليشيات حليفة بالوقوف وراء أحداث العنف الأحدث في دارفور.
ووجه حميدتي الذي ينحدر من قبيلة عربية، رسالة صوتية هذا الأسبوع قال فيها "رسالة إلى أهلنا في الجنينة انبذوا الجهوية والقبلية. أوقفوا القتال فورا بينكم".
وقالت الناشطة المحلية إنعام النور إن شقيقها وعددا من أقاربها الذكور قتلوا وإن الحي الذي تعيش فيه دمر بالكامل وحرق ونهب، مضيفة من الجنينة أنها وثقت من أطباء وشهود اغتصاب تسع طالبات جامعيات على يد مسلحين.
وقالت نقابة أطباء السودان إنه جرى تدمير جميع مستشفيات المدينة وكذلك بنك الدم فيها. وأظهرت صور نشرها صحفي محلي يتعاون مع رويترز زجاجات تقطير المواد الدوائية مثقوبة مما يجعلها عديمة الفائدة. وقال شهود وجماعات إغاثة إن المباني الحكومية والسوق الرئيسية ومكاتب وكالات الإغاثة تعرضت للنهب.
ورغم أن غرب دارفور هي أكثر ولايات البلاد احتياجا للمواد الغذائية، فقد صار كثيرون من المزارعين غير قادرين على الوصول إلى الأراضي أو الحصول على الإمدادات استعدادا لموسم الأمطار.
وقالت ماتيلدا فو من المجلس النرويجي للاجئين إن ما لا يقل عن 85 ألفا من النازحين السابقين صاروا مشردين مرة أخرى، وكانوا قد لجؤوا إلى الجنينة فرارا من هجمات سابقة لكن المدارس ومباني البلدية والمساجد في المدينة جرى تدميرها الآن، مضيفة أن نشر موظفي الإغاثة صار خطرا.. "النظرة المستقبلية للأوضاع قاتمة للغاية".