أردني ينحت في الصخر أثار اليونانيين والرومانيين
جرش (الأردن) - عادة ما يستلهم الإنسان من بيئته الحاضنة أفكارا متميّزة تمثل علامة فارقة في مسيرة حياته، كما هو حال النحات الأردني فالح الحوامدة، حيث يسكن في محافظة جرش (شمال) بالقرب من المدينة الرومانية الأثرية.
الحوامدة (61 عاما) يمتهن حرفة نحت الصخور منذ نحو 35 عاما، بعد أن تعلمها من والده الذي كان يعمل في مديرية آثار جرش (حكومية)، إلا أن التلميذ تفوق على معلمه في مستوى الإتقان، ليتحول فالح وكنيته أبوفياض إلى عنوان للباحثين عن الروعة والجمال.
وتحول منزل النحات الأردني في وسط مدينة جرش إلى معرض فني يتزيّن بمنحوتات أبدع الستيني في تشكيل أدق تفاصيلها من تماثيل ومقاعد وحيوانات وطيور وغيرها.
بقميص أزرق مال لونه إلى البياض من غبار الصخور الذي يتطاير عليه أثناء النحت، يمضي الحوامدة ساعات اليوم باحثا عن ذاته، ومحاولا نسيان حزن عميق يعيش في داخله، فتفاصيل وجهه وشيب رأسه تخفي قصة ألم لم يستطع نسيانها رغم مرور سنوات عليها.
على الرغم من أنها مهنته الوحيدة التي يعتاش منها، لكن الصخور وسيلة يلجأ إليها الحوامدة محاولا بها طيّ الوقت، كي لا يدفعه الفراغ إلى استذكار حادثة دهس قبل 11 عاما أودت بحياة أصغر أبنائه الستة وأقربهم إلى قلبه.
يعيش الحوامدة في منزله وحيدا، فهو منفصل عن زوجته منذ أكثر من 20 عاما، إلا أن أبناءه لا ينقطعون عن زيارته برفقة زوجاتهم وأحفاده، لكنه يجد متعته بـ"الوحدة" بين الصخور، بعيدا عن قسوة الحياة ومعاناتها.
وقال "أنا أعمل بنحت الصخور البازلتية السوداء والرسوبية البيضاء والرخام منذ أكثر من 35 عاما"، مضيفا "والدي رحمه الله، كان موظفا في مديرية آثار جرش، وتعلم النحت من خلال وجوده داخل الموقع الأثري، وعمل بها لمدة 35 عاما أيضا، وأنا تعلمتها منه، ورغم وفاته وهو بعمر الـ95 عاما، إلا أنه لم يتوقف لحظة عن توجيهي بفنيات وتقنيات نحتية جديدة".
وبضحكة مغلّفة بحزن عميق، تابع الحوامدة "لدي القدرة على نحت أي شكل ومنظر يخطر في البال على الحجر والرخام من قبيل التماثيل والطيور والتاجيّات اليونانية والرومانية ونوافير المياه، وغير ذلك بكثير"، موضحا "ليس لدي وقت محدد للعمل، فكل ما اشتقت للصخور أتوجه إليها، ممضيا معها نحو 6 ساعات على الأقل".
الحوامدة يجد سعادته في الخلوة مع الصخور والابتعاد عن الناس لينفرد بحزنه على ولده من جهة، وإتقان ما يقوم به من جهة أخرى، قائلا "أنا أعيش لوحدي هنا، جميع أولادي متزوجين، ولكني مكيّف (كلمة عامية تُقال للدلالة على شدة الانبساط)"، مضيفا "فقدت أصغر أبنائي بحادث دهس عام 2012، ومنذ ذلك الوقت أحاول الابتعاد عن الجميع، والبقاء وحيدا".
وبخصوص منحوتاته والوقت الذي تحتاجه لإخراجها في صورتها النهائية، قال الحوامدة "أعمل لوحدي ولا يساعدني أحد، وبعض المنحوتات تحتاج مني وقتا يزيد على 10 أيام نظرا لدقة العمل فيها، وفي الشهر الواحد يصل إنتاجي إلى نحو 40 قطعة".
وكشف "بصراحة المنتجات مكلفة، ومن يقصدني هم ذوي الدخل المرتفع، ممَّن يريدون أن يضفوا جمالية ولمسة فنية داخل منازلهم"، متابعا "أكثر ما يُطلب مني هي مقاعد منحوتة للحدائق ورؤوس الأسود والصقور والنحت القديم".
وفيما يتعلق بتكلفة الإنتاج، قال إن "ما يكلّفني هو ثمن الحجر، والذي يأتيني من مناطق مختلفة من محافظات المملكة".
وعن أسعار المنحوتات، فهي تبدأ من 100 دينار أردني (140 دولار)، وتصل في حدها الأعلى إلى 3 آلاف دينار (4.225 ألف دولار)، بحسب الحوامدة.
وأشار إلى أن الأدوات المستخدمة معروفة لدى النحاتين بـ"منقار وأزاميل وشواكيش ومطرقة"، معرّفا أسلوبه بالنحت بأنه "نفر وحفر".
وتقع محافظة جرش على بعد 48 كيلو مترا شمال العاصمة عمان، وتعرف على مستوى العالم بمهرجانها الفني السنوي والذي يقام في المدينة القديمة "الرومانية" وترعاه وزارة الثقافة.