غازي حسني يحكي قصة شغف لا متناه بالفن وأشكاله بالألوان
يمضي الكائن في دروب الفن الشتى بكثير من رغبات القلب والدواخل حيث الحلم الجامح والقول بالنظر تجاه العوالم والأشياء المحيلة الى الأنا.. هذه الأنا التي تتجاذبها أصوات الجهات حيث الانسان في نزوعه نحو البهاء والسمو والعلو مثل فراشات من ذهب الأزمنة...
هي فكرة الفن التي تعلي من شؤون الشواسع وشجونها لرؤية التفاصيل بعين القلب في أحوال من الجمال والكنه المولد للمعاني.. المعاني في جواهر تمثلاتها نشدانا للأرجاء في بهجتها العارمة وهي تأخذ الفن مآخذ جد تشوفا لعالم جميل من عناوينه السحر وفتنة العناصر وعمق الأفكار والمعاني وما به تسعد الذوات في حلها وترحالها.
والفن هو ما ينشده الطفل في غفوته من الأحلام ومن هنا كان أن استعاد الفنان ألق صلته الاولى بالفن ومنه الرسم والتلوين لتسافر معه أشجان طفولته الى أيامه هذه وهو يستذكر خطاه الأولى الملونة بنشيد الفن حيث الذهاب الى النوادي لاقتناص أبجديات الرسم والتلوين ليعود الآن وهو من هو الفنان والباحث يستمتع بالذكرى في فضاءات هذه النوادي المفقودة قولا بالحب الأول وبالشغف المبين.
هكذا كانت بدايات الفنان التشكيلي والباحث غازي حسني وهو يسرد شيئا من ألق الذكرى والابداع والامتاع قائلا عن حكاياته الباذخة مع الرسم والفن عامة "كانت بداياتي ضمن عدد من نوادي الأطفال في سوسة.. حضرموت حاضنة طفولتي.. كانت تجربة رائعة في نواد الأطفال بدور الشباب حيث تعلمت الرسم ثم كانت مرحلة الثانوية يالمعهد لتتعمق عندي لعبة الرسم ومنه الرسم خلف الزجاج" peinture sous verre".
و من حسن الأقدار أن بعثت لي احدى الصديقات من هولندا اليوم عملا كنت قد رسمته عندما كان عمري 17 سنة وبالتحديد سنة 1989, تعرفت عليها واهديتها هذه اللوحة واحتفظت بها كل هاته السنوات (34 سنة)...هذا من جمال الصدف في لعبة الفن الرائقة.. .لقد كان ولعي بالرسم وانبهاري بشغلته الفاتنة مع حبي للمدينة العتيقة بسوسة حيث السائح يشتري لوحات هي من قبيل فن الرسم على خلفية الزجاج.. كان لهذا الفن رواج وفنانون مميزون منهم الخضراوي والرقيق رحمهما الله".
بعد هذه المرحلة سافرت الى أوروبا وكان معي غرامي بالرسم منه الزيتي والأكوارال فضلا عن التلوين على الزجاج.. و حين ذهبت الى ألمانيا كان لي تربص في المجالات المذكورة ليكون لي معرض مشترك مع الشباب من الفنانين هناك سنة 1998 وعلموا بأني أرسم على الزجاج وسالوني عن الخياشي والخضراوي وسعدت بذلك وعدت الى تونس لأواصل تعليمي الجامعي بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة ضمن اختصاص الخزف نظرا لغياب اختصاص الرسم خلف الزجاج الذي بقي بوجداني حيث كانت لي عدة معارض في الرسم الزيتي وبالأكريليك.. .و في سنة 2018 عدت للرسم والبلور وكان لي معرض شخصي بباريس سنة 2018 وبعده المعرض الشخصي بسوسة سنة 2019 في فضاءات المركز الثقافي بسوسة.و خلال سنة 2022 قمت بعدد من المعارض جماعيا منها المعرض المشترك مع الفنانتنين التشكيلينين نعيمة قيزاني الفنانة المقيمة بباريس وكذلك الفنانة لبنى بوقلة فضلا عن المشاركة في معرض اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين واقتنت لي لجنة الشراءات من معرض هذا العام بالمهدية .. أنا اشتغلت على المضمون وما هو تجريدي بالنسبة للرسم خلف الزجاج وتعاملي مع هذا النوع الفني فيه جانب صوفي في ما يتصل بالمشهدية والمرئي و ما هو شفاف ولأجل عمق أكثر".
"هذا النوع الفني بالنسبة لي يكسر القاعدة في التعامل مع تقنية الرسم المألوفة وذلك لعنصر الخصوصية وهناك اكراهات لهذه التقنية التي فيها تمازج المادة لايجاد الأشكال المحبذة تماما.فالزجاج حامل هش وهذه خاصية الانسان أيضا فالانسان الشفاف والصافي يعطيك حقيقته تماما كما الزجاج حتى لو أنك جرحته أو هشمته وفي هذا المجال من التعاطي لمسات ونكهة من الصوفية فالأمر ليس بالاعتباطي في هذا التعاطي وأرى من ثمة أن الانسان يجب أن يحافظ على صفائه وصورته اللامتبدلة.. وبالنسبة لمساري الأكاديمي فهو مهم جدا وكذلك للفنان عامة لأن ما هو نظري وما هو تطبيقي خطان متوازيان لفتح آفاق خاصة في الفن والتعامل مع الخامات والمواضيع والتقنيات...و هكذا وهذا بالخصوص في الفن المعاصر الذي ينبني على الفكرة ضمن تعدد القراءات فالمادة صارت جوهر الموضوع بل الموضوع عينه.. اعتبر أن الفنان الذي يمارس الرسم والفن عموما وليس له جانب نظري يستطيع تقديم عمل ولكن لا يقدر على الحديث عنه وتبريره جماليا وفنيا فلا بد من التشبع بنظريات وتاريخ الفن وهذه مزايا التعليم الاكاديمي وهو ما حصل معي تماما".
وعن الفن وما يمثله للفنان غازي فانه يواصل قائلا "الفن والرسم والتلوين مجالات مهمة في حياتي وكونت لي نظرة مغايرة ومختلفة للأشياء وخاصة عند الحديث عن الفن التجريدي ليصبح الغوص في الاشياء جوهر العمل الفني ذهنيا وفكريا وجماليا لفك شفرات العناصر والأشياء بعيدا عن السطحية في التناول والتعاطي.. أنا في حياتي الفنية هذه أحلم وككل ممارس للفن التشكيلي بأن تكون أعمالي في عديد البلدان وفي المعارض الكبرى ولجمهور متنوع وواسع الثقافة والتلقي واللقاء بالنقاد المبار لاكتساب خبرات أخرى وتجارب وأنا أعتبر نفسي بصدد التعلم وأسعد بالنقد وأتعلم حتى من طلبتي وأهتم كثيرا بالملاحظات المتعلقة بأعمالي".
الفنان والباحث غازي حسني يدرس بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة وهو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين وكانت له مشاركات متعددة في الندوات والتظاهرات المتصلة بالفنون الجميلة وذلك فضلا عن مشاركاته في المعارض منها معارضه الشخصية وكذلك المعارض الجماعية على غرار الورشات الوطنية للتشكيليين الشبان والورشات الدولية و ورشات "تاريخ تونس 3000 سنة" وورشات مئة شخصية مؤثرة في تاريخ تونس الى جانب المعارض بفرنسا وألمانيا.
هذا حيز من رحلة فنان أخذته طفولة قديمة متجددة الى عوالم الفن ومنها الرسم خلف الزجاج مما جعل شغفه يتنامى ليمضي في دربه هذا متسائلا وباحثا ومبدعا حيث الفن عنده ذاك التجوال المفتوح على العناصر والأشياء والتفاصيل بكثير من حميمية التعاطي ونبل الفن وجماله الأخاذ.