العلاقة بين بايدن ونتنياهو لا تغادر مُربّع الأزمة
القدس - تمرّ العلاقة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن بأزمة جديدة بعد انتقادات وجهها للحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، على خلفية تعاملها مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ورفض الإدارة الأميركية للمشروع الاستيطاني الضخم الذي تعتزم الدولة العبرية تنفيذه، بالإضافة إلى التعديل القضائي الذي يلقى معارضة داخلية وخارجية.
ورغم تصاعد التعاون الاستخباري والعسكري بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، إلا أن العلاقة بين بايدن ونتنياهو ظلت فاترة وفي أحيان عديدة متوترة.
ومع مرور أكثر من نصف عام على تشكيل الحكومة الإسرائيلية في ديسمبر/كانون الأول 2022، لم يوجه بايدن دعوة لنتنياهو لزيارة البيت الأبيض وهو تصرف غير مألوف في العلاقة بين البلدين.
فعادة ما يسارع الرؤساء الأميركيون لتوجيه الدعوة إلى رؤساء وزراء إسرائيل لزيارة البيت الأبيض حال تشكيل حكوماتهم.
لكن بايدن يختلف مع نتنياهو في التعامل مع الملف الفلسطيني وما تسمى بـ"الإصلاحات القضائية" في إسرائيل وأيضا الملف الإيراني.
وبرزت الخلافات بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية مجددا بعد مقابلة أجراها بايدن الأحد مع شبكة الأخبار الأميركية "سي إن إن".
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية عن بايدن قوله في المقابلة إن "وزراء في حكومة إسرائيل يريدون الاستيطان في كل مكان بالضفة الغربية هم جزء من المشكلة".
وأضاف بايدن أن "بعض وزراء الحكومة مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير هما أكثر من أتذكرهم تطرفا"، مشيرا إلى أن "نتنياهو لم تتم دعوته بعد إلى البيت الأبيض"، لكنه قال "سيصل الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ قريبا إلى الولايات المتحدة".
وقال داني دانون النائب بالكنيست من حزب "الليكود" الذي يقوده نتنياهو "أحترم الولايات المتحدة صديقنا الكبير في الخارج، لكن سياسة دولة إسرائيل لن تحددها إلا الحكومة في إسرائيل التي تم انتخابها ديمقراطياً من قبل الشعب".
وذكر دانون في تغريدة على تويتر الأحد "يدرك الشعب الأميركي جيدًا أن سياسة الدولة الديمقراطية لا تحددها إلا حكومة منتخبة".
ونقلت القناة الإخبارية الإسرائيلية "13" الاثنين، عن مصدر مقرب من نتنياهو، لم تسمه، قوله "بايدن وقح، حتى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما لم يجرؤ على التحدث بهذه الطريقة".
لكن المعارضة في إسرائيل كان لها رأي مغاير، حيث قال زعيم المعارضة رئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لابيد الاثنين، إن "الرئيس بايدن كان محقا عندما قال إن هذه هي الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل".
وفي إشارة إلى مشاريع قوانين التعديلات القضائية المثيرة للجدل، قال لابيد في تصريح نقلته القناة 13 "إنهم يفضلون ثورة وزير العدل ياريف ليفين ورئيس لجنة الدستور سيمحا روثمان المجنونة على التطبيع التاريخي مع السعودية" دون مزيد من التفاصيل.
وأضاف "وبدلا من التعامل مع الأمن والاقتصاد والعلاقات الخارجية، فإنهم مشغولون فقط بمحاولة إفساد البلاد وتفكيك ديمقراطيتنا".
بايدن: وزيرا المالية والأمن القومي الإسرائيلينا هما الأكثر تطرفا
وقال نداف تامير، الرئيس التنفيذي لمنظمة "جيه ستريت" الإسرائيلية في الولايات المتحدة إن "الرئيس بايدن يتمتع بسجل حافل بأكثر من 50 عامًا من الدعم لدولة إسرائيل، فعندما يقول إن الحكومة الحالية من أكثر الحكومات التي شهدها تطرفا يجب أن نصغي إليه لكلماته ولنبرة صوته".
وذكر تامير في تغريدة "رسالة جوهرها، نحن نحب إسرائيل ولكننا لا نوافق على حكومتها المعادية للديمقراطية".
وكانت الإدارة الأميركية أعلنت مرار رفضها الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومع ذلك فإن حكومة نتنياهو صعدت من الاستيطان منذ تشكيلها نهاية العام الماضي.
وقال موقع "تايمز أوف إسرائيل" الإخباري "لم يسجل أي من أعضاء الحكومة في السنوات الأخيرة دعم حل الدولتين ودعم الكثيرون ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية دون منح حقوق متساوية للفلسطينيين في تلك المناطق"، مضيفا "بل إن نتنياهو قال لحزبه الشهر الماضي إن على إسرائيل أن تسحق تطلعات الفلسطينيين إلى دولة".
وتابع الموقع "يضم ائتلاف نتنياهو نوابًا من اليمين المتطرف وتعهد كل من سموتريتش وبن غفير بمعارضة سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى تعزيز السلطة الفلسطينية وأعربا عن معارضة شرسة لاحتمال قيام دولة فلسطينية ودفعا باتجاه التوسع الاستيطاني والمزيد من السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية".
بدوره قال المحلل بصحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية إيتمار آيخنر إن "التصريحات القاسية للرئيس الأميركي وهو من أشد المؤيدين لإسرائيل منذ سنوات عديدة، هي رسالة واضحة لنتنياهو ضد الملاك الحقيقيين في حكومته" في إشارة إلى سموتريتش وبن غفير.
وأشار آيخنر إلى أن "المشكلة عميقة للغاية لأن بايدن كان صديقنا لسنوات طويلة وكصديق حقيقي، فإن تشخيصه هو أن الحكومة الحالية تسبب كارثة لدولة إسرائيل".
وتابع "المشكلة تتجاوز العلاقات بين الدول، في الواقع إنه يتطرق إلى مسألة ما إذا كانت إسرائيل لا تزال تمثل رصيدًا استراتيجيًا للولايات المتحدة".
وأردف "بالإضافة إلى ذلك، يحاول بايدن ممارسة ضغوط داخلية على إسرائيل وفي الواقع يدعم التظاهرات عشية إقرار قانون تقليص حجة المعقولية".
واعتبر آيخنر أن "التوقيت ليس صدفة، يرسل بايدن رسالة واضحة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: إذا لم تُبق المتطرفين في حكومتك في مأزق أو تتحكم في سياساتك فيمكنك أن تنسى دعوة البيت الأبيض، وأيضًا حول التطبيع مع السعودية وتوسيع اتفاقيات إبراهام".
وأفاد بأن "شرط الأميركيين لتوسيع التطبيع بين إسرائيل والدول العربية هو أن يتمتع الفلسطينيون أيضًا بمزايا، لكن في الوضع الأمني الحالي من الصعب رؤية كيف سيحدث هذا" لافتا إلى المعارضة الشديدة من قبل سموتريتش وبن غفير.
ويرى المحلل آيخنر أن "بايدن يتحدث عن المستوطنات لأنها أسهل عليه لأنها مخالفة للقانون الدولي، لكنه يشير في الواقع إلى أن الولايات المتحدة تفضل عدم وجود حكومة نتنياهو بتركيبتها الحالية على الإطلاق".
وتابع "في الوضع الحالي، لن يلتقي نتنياهو في البيت الأبيض حتى في سبتمبر/أيلول المقبل، حيث من المتوقع أن يلقي خطابًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك".
وأشار إلى أنه "إذا كان هناك من يبحث عن مؤشر آخر على مدى إحباط بايدن وخيبة أمله من نتنياهو، فقد حصل عليه من خلال الإشارة إلى أنه دعا الرئيس إسحاق هرتسوغ بالفعل".
وأوضح "الهدف على ما يبدو، هو التفريق بين الاثنين وتوضيح للجمهور الإسرائيلي أن بايدن ليس ضد دولة إسرائيل، على العكس من ذلك، فهو ضد الحكومة المتطرفة التي تسيطر عليها في نظره".
بدوره اتهم وزير الشتات الإسرائيلي عميخاي شيكلي إدارة الرئيس الأميركي بـ"لعب دور مهم" بتأجيج الاحتجاجات على خطة التعديلات القضائية المثيرة للجدل.
وقال شيكلي اليوم الثلاثاء "إدارة بايدن لها صلة وثيقة بزعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد وهناك علاقة عميقة بينهما"، وفق ما نقلت عنه صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية وإذاعة دينية محلية.
وأضاف "من المثير للاهتمام تزامن تصريحات بايدن حول إسرائيل كلما تكون هناك حاجة لقمع الاحتجاجات".