أزمة وجودية تعصف بهووليود على وقع اضراب تاريخي مزدوج
لوس انجليس (كالفورنيا) - دخل إنتاج المسلسلات والأفلام في هوليوود مرحلة جمود كليّ مع بدء الممثلين الأميركيين إضراباً من شأنه أن يؤدي معطوفاً على ذلك الذي يواصله كتّاب السيناريو منذ أكثر من شهرين، إلى أسوأ شلل في القطاع منذ ما يزيد عن 60 عاماً.
وأعلنت نقابة الممثلين أن الإضراب يبدأ منتصف ليل الخميس بتوقيت لوس أنجليس، أي في السابعة من صباح الجمعة بتوقيت غرينتش بعد فشل المفاوضات مع الاستوديوهات ومنصات البث التدفقي.
وقالت رئيسة النقابة التي تنوب عن 160 ألف ممثل وعامل في التلفزيون والسينما فران دريشر "لم يكن لدينا خيار. نحن الضحايا. نحن ضحايا كيان جشع جداً".
ووصفت النجمة السابقة لمسلسل "ذي ناني" هذا القرار بأنه "لحظة تاريخية". وأضافت "إذا لم نقف الآن ... فإننا جميعاً معرضون لأن نُستَبدَل بالآلات والشركات الكبيرة التي تهمها وول ستريت أكثر منك ومن عائلتك".
وأكدت رئيسة نقابة الممثلين الأميركيين فران دريشر، أنّ الاستوديوهات تفاوضت مع النقابة بطريقة غير نزيهة لكسب الوقت والترويج لأفلامها المرتقبة في الصيف استباقاً لقرار الإضراب الذي كان متوقّعاً.
وقالت "لقد خُدعنا"، مشيرةً عقب الإعلان عن بدء الإضراب التاريخي في هوليوود إلى أنها تشعر بـ"خيبة أمل".
وأوضحت أنّ ممثلي الاستوديوهات ومنصات البث "ظلّوا وراء الكواليس ولم يتوانوا عن إلغاء الاجتماعات معنا"، مضيفةً "ربما أقدموا على ذلك لكسب مزيد من الوقت حتى يروّجوا لأفلامهم المرتقبة في الصيف".
وقالت دريشر "ربما تصرّفت بسذاجة، لكنّها المرة الأولى التي انخرط فيها بمفاوضات"، مضيفةً انّ "الجشع هو أساس كل المصائب في العالم، وهذا أبرز مثال على ذلك".
"استبدالنا بالذكاء الاصطناعي""
وأضافت "اعتقدتُ أننا يمكننا التوصل إلى تقارب في وجهات النظر، وأنهم سيرون إلى أي مدى فُرض نموذج العمل الجديد هذا على المجال برمّته"، في إشارة إلى منصات البث التدفقي.
وعلى غرار كتاب السيناريو، يطالب الممثلون بالحصول على رواتب أفضل في ظل التضخم المُسجَّل وضمانات في حال تضرر عملهم نتيجة اللجوء إلى برامج الذكاء الاصطناعي.
وينددون تحديداً بانخفاض الأجور التي يتلقونها عن كل إعادة عرض فيلم أو مسلسل لهم. وهذه المبالغ كبيرة لإعادة بث عمل تلفزيوني لأنّها تستند إلى الإعلانات بينما تكون منخفضة جداً عندما يتعلق الأمر بإعادة عرض العمل عبر منصات البث التدفقي التي لا تقدّم أرقاماً عن عدد المشاهدات.
وقالت دريشر "إن عدم رغبتهم في الجلوس معنا والقول لنا +يتعيّن علينا الوقوف بجانبكم بطريقة مُحترمة حتى تتمكنوا من الاستمرار في ظل التغييرات التي تحصل+ أمر ينطوي على جنون".
وتتمثل النقطة الرئيسة الثانية في المفاوضات بمسألة الذكاء الاصطناعي الذي يزداد استخدامه في هوليوود، إذ ستعانت به "ديزني" مثلاً في تأليف الشارة الافتتاحية بمسلسل "سيكرت إنفايجن".
ويسعى الممثلون للحصول على ضمانات تحول دون استخدام برامج الذكاء الاصطناعي إن لكتابة نصوص السيناريو للأعمال، أو لاستنساخ أصواتهم وصورهم.
وقالت دريشر "سنُستَبدَل تلقائياً بالذكاء الاصطناعي"، مضيفةً "سيستمر تهميشنا وأدعو الجميع للاستيقاظ".
وكان تحالف منتجي الأعمال السينمائية والتلفزيونية الذي يمثل الاستوديوهات ومنصات البث، أعلن الخميس أنه اقترح "زيادات تاريخية على الرواتب..." وقدّم "اقتراحاً ثورياً بشأن الذكاء الاصطناعي الذي يحمي الصورة الرقمية للممثلين".
وأبدت النقابة في بيان أسفها لأنها اختارت اللجوء إلى "خطوة ستكبّد آلاف الأشخاص صعوبات مالية".
سيستمر تهميشنا وأدعو الجميع للاستيقاظ"
وانتقد رئيس "ديزني" بوب آيغر عبر محطة "سي إن بي سي" ما وصفه بمطالب "غير واقعية".
ورغم الإحباط الذي تشعر به دريشر تجاه الاستوديوهات، أكدت أنّ "أبواب النقابة ستظل مفتوحة لمواصلة المفاوضات".
وتابعت إن "الإضراب لا يمثل النهاية، فهو مجرد خطوة تصعيدية"، مضيفةً "نرغب في مواصلة التفاوض معهم. لكنّ الكرة باتت في ملعبهم".
وبانضمام الممثلين إلى كتّاب السيناريو المُضربين أصلاً منذ مطلع أيار/مايو، تشهد هوليوود حركة احتجاجية مزدوجة لم يسبق لها مثيل فيها منذ عام 1960.
ويشكل إضراب الممثلين ضربة قاصمة للقطاع.
توقُّف الإنتاجات
ومنذ أيار/مايو، تستند فرق الإنتاج القليلة التي قررت الشروع في تصوير أعمالها إلى نصوص اكتملت في الربيع، من دون إمكان إجراء أي تعديل عليها، ومن بينها الجزء الجديد من سلسلة "سيد الخواتم" ("ذي لورد اوف ذي رينغز") الذي تموّله "أمازون". لكنّ تصوير الأعمال لن يكون ممكناً من دون ممثلين.
ووحدها بعض البرامج الحوارية وبرامج تلفزيون الواقع قد يستمر بثها.
ويمكن للممثلين وقف عملية الترويج للأفلام المُرتقب إطلاقها هذا الصيف ومنها "أوبنهايمر" لكريستوفر نولان. وأشارت مجلة "فرايتي" إلى أن الممثلين المشاركين في الفيلم غادروا العرض الأول له في لندن الخميس في حركة تضامنية.
وسيترك غياب الممثلين على السجادة الحمراء فراغاً كبيراً. وقد يُقام "كوميك-كون"، وهو أكبر ملتقى لمحبي شخصيات الثقافة الشعبية في العالم، في ظل غياب النجوم اعتباراً من 20 تموز/يوليو في سان دييغو.
ويهدد الإضراب مصير احتفال توزيع جوائز "إيمي" التلفزيونية الذي يُفترض أن يقام في 18 أيلول/سبتمبر. ويعتزم القائمون على هذا الحدث أصلاً تأجيله إلى تشرين الثاني/نوفمبر أو حتى إلى العام المقبل، على ما ذكرت وسائل إعلام أميركية.
فمن غير المعروف إلى متى يستمر الإضراب. فالممثلون لم ينفذوا أي إضراب منذ عام 1980. أما آخر إضراب لكتّاب السيناريو فيعود إلى 2007-2008 واستمر مئة يوم، ما تسبّب للقطاع السمعي والبصري في الولايات المتحدة بخسائر وصلت إلى ملياري دولار.
أزمة وجودية
وستكون الحركة الاحتجاجية المزدوجة مؤشراً إلى أنّ هوليوود تواجه راهناً أزمة وجودية. وفي أواخر حزيران/يونيو، وقّع مئات الممثلين البارزين بينهم ميريل ستريب وجنيفر لورنس وبن ستيلر، رسالة تفيد بأنّ القطاع السينمائي يواجه "نقطة تحوّل غير مسبوقة".
وأدى ظهور منصات البث التدفقي قبل نحو عشر سنوات إلى تسجيل انخفاض في الأجور التي يتلقاها الممثلون عن كل إعادة عرض فيلم أو مسلسل لهم.
ومن دون هذا الدخل الأساسي الذي يساعد العاملين في المجال السينمائي على الاستمرار خلال مرحلة الاستراحة بين عملين، يؤكّد عاملون كثر في السينما ليسوا من الممثلين أو الكتاب أنّ مهنتهم غير مستقرة.
ولا يساهم التطور السريع للذكاء الاصطناعي الذي استخدمته "ديزني" أخيراً في تأليف الشارة الافتتاحية بمسلسل "سيكرت إنفايجن"، سوى بتعزيز المشكلة.