قرار فرض هُدَن إنسانية عاجلة على طاولة مجلس الأمن
نيويورك - قال دبلوماسيون إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سيصوت اليوم الأربعاء على مسودة قرار يدعو إلى فرض هُدَن إنسانية عاجلة وممتدة وفتح ممرات إنسانية في أنحاء قطاع غزة لعدد كاف من الأيام لإيصال المساعدات. وتوقع بعضهم أن يعتمد المجلس الذي يضم في عضويته 15 دولة القرار، لكن من المرجح أن تمتنع بعض الدول عن التصويت. ويلزم أي قرار الحصول على تسعة أصوات على الأقل وعدم استخدام الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين أو فرنسا أو بريطانيا حق النقض (الفيتو).
وستكون هذه هي خامس محاولة من المجلس لاتخاذ إجراء منذ هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وحاول مجلس الأمن أربع مرات على مدى أسبوعين الشهر الماضي اتخاذ إجراء، إذ فشلت روسيا مرتين في الحصول على الحد الأدنى من الأصوات اللازمة لتبني مشروع قرار، فيما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض لإفشال مسودة قرار صاغته البرازيل واستخدمت روسيا والصين حق النقض ضد قرار صاغته الولايات المتحدة.
وانصبت الأزمة إلى حد كبير على إذا ما كان ينبغي الدعوة إلى هدنة إنسانية أم وقف لإطلاق النار. وتعد الهدنة بشكل عام أقل رسمية وأقصر مدة من وقف إطلاق النار الذي يجب أن يوافق عليه الطرفان المتحاربان.
ومسودة القرار الذي صاغته مالطا "يدعو إلى فرض هُدَن إنسانية عاجلة وممتدة وفتح ممرات إنسانية في أنحاء قطاع غزة لعدد كاف من الأيام لتمكين وصول المساعدات بشكل كامل وسريع وآمن وبلا عوائق".
وتقع المستشفيات في شمال قطاع غزة بما فيها مستشفى الشفاء منذ عدة أيام في قلب القتال الدائر بين حركة حماس والجيش الإسرائيلي الذي يقول إن الحركة الفلسطينية تستخدمه كمركز لقيادتها العسكرية وهو ما تنفيه.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد إشتية "ما يحدث في غزة هو جريمة حرب واضحة للغاية ترتكبها إسرائيل بحق من يعالجون في المستشفيات".
وأكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث أن "المجزرة في غزة تصل إلى مستوى جديد من الرعب كل يوم"، مضيفا "لا يمكن السماح لهذا الوضع بالاستمرار" وناشد إسرائيل السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني عبر معبر كرم أبوسالم في إسرائيل. ولا يُسمح بإدخال المساعدات إلى غزة حاليا إلا من معبر رفح من مصر، لكنه مخصص للمشاة وليس للشاحنات.
وقال متحدث باسم منظمة الصحة العالمية في جنيف إن هناك 400 من مقدمي الرعاية في المبنى بالإضافة إلى 3000 مدني لجأوا إلى مستشفى الشفاء للاحتماء من القصف الإسرائيلي المتواصل.
واعلن متحدث باسم البيت الأبيض اليوم الأربعاء أن الولايات المتحدة "لم توافق على عمليات الجيش الإسرائيلي حول مستشفى الشفاء" في قطاع غزة، لافتا إلى أنها تنتهج السلوك نفسه بالنسبة إلى القرارات العسكرية الأخرى التي تتخذها اسرائيل.
وقال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الامن القومي "كنا دائما واضحين جدا مع شركائنا الإسرائيليين حول أهمية الإقلال من الخسائر المدنية. كنا أيضا واضحين جدا معهم لجهة وجوب التحلي بانتباه خاص حين نتحدث عن المستشفيات".
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" إن "البنية التحتية الأساسية" بما في ذلك خزانات المياه ومعدات قسم الولادة ومستودع تخزين الأكسجين الطبي تضررت منذ بداية الحرب، فيما وأشار مكتب الأمم المتحدة أن ثلاث ممرضات قتلن.
والأحد توقف العمل في مستشفى القدس وفق ما أكدت جمعية إسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني التي تديره بعدما نفد احتياطي الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية.
ومساء الثلاثاء، أعلن الهلال الأحمر إخلاء المستشفى "المحاصر منذ أكثر من عشرة أيام" ونشر صورا لوصول المرضى والأطباء إلى خانيونس جنوبا.
وكان الجيش الإسرائيلي أفاد الإثنين عن تبادل لإطلاق النار بين جنوده ومسلحين متمركزين عند مدخل المستشفى مشيرا إلى أنه قتل 21 مسلحًا. ووفقا لأوتشا، لجأ منذ بداية الحرب نحو 14 ألف شخص إلى هذه المنشأة الصحية .
وسبق أن تعرض المستشفى للقصف في الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في العام ديسمبر/كانون الأول 2008 ويناير/كانون الثاني 2009 وأعيد بناء قسم الطوارئ وغيره من الأقسام بدعم مالي فرنسي.
وفي الضفة الغربية المحتلة يروي فلسطينيون أنهم يتعرضون لمضايقات متزايدة من مستوطنين إسرائيليين يغلقون الطرق وينفذون هجمات مسلحة ويدمرون آبار مياه، مشيرين الى أن هؤلاء يزدادون عدائية منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة.
ويقول عمران نواجعة وهو مزارع يبلغ 46 عاما من سوسية قرب الخليل في جنوب الضفة الغربية "حتى الجيش الإسرائيلي كان يريد إعادة فتح الطريق لكن المستوطنين جاؤوا لمنعه من ذلك"، مضيفا "هم من يصدر الاوامر الآن هنا".
وعلى الطريق المؤدية إلى بلدته وضعت حجارة ضخمة في بداية الحرب على قوله، من مستوطنين أو الجيش ما ادى الى قطعها.
ومنذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس سجل مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا" أكثر من ستة "حوادث" من سرقة مواش إلى العنف الجسدي يوميا بين المستوطنين والفلسطينيين مقارنة بثلاثة حوادث في الأشهر السابقة.
وقال جابر دبابسي وهو مزارع فلسطيني وناشط يبلغ 35 عاما من قرية خلة الضبعة "يستخدمون الحرب ذريعة لطردنا من منازلنا والاستيلاء على أراضينا".
وأدان دبلوماسيون أوروبيون وأميركيون مرارا تزايد أعمال عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين المدنيين منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنته حماس في اسرائيل.
وفي هذه الأجواء المتوترة للغاية "يرتدي بعض المستوطنين اللباس العسكري" كما يقول مصعب رابه وهو مزارع وعامل بناء يبلغ 36 عاما.
ويضيف من إحدى قرى مسافر يطا جنوب الخليل "لقد سلموا اسلحة ومنحوا الحق في التحرك كجنود، فهم يعتقلون الافراد ونحن نعتقد أنهم جنود".
ومن أصل الهجمات الـ235 التي نفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين والتي أحصاها مكتب أوتشا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول بعضها قاتل، "تم تنفيذ أكثر من ثلثها من خلال التهديد باستخدام سلاح أو إطلاق النار". وفي نصف الحالات تقريبا، قامت قوات الأمن الإسرائيلية "بمرافقة المهاجمين أو دعمهم بشكل نشط".
وأعلنت الشرطة الإسرائيلية في العاشر من الشهر الماضي أنها ستقوم بتسليح المدنيين وقال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير اليميني المتطرف إنه يعمل على تخفيف معايير الحصول على تصاريح حمل السلاح.
وكشفت جلسة برلمانية إسرائيلية أنه خلال الأسبوع الأول من الحرب تقدم 41 ألف إسرائيلي بطلبات للحصول على تصاريح لحمل أسلحة نارية، مقارنة مع 38 ألف طلب في اوقات السلم خلال عام.
ويقول مصعب رابه "أخشى أن يقتلوا أطفالي"، مؤكدا إنه عهد بأولاده الأكبر سنا إلى أقاربه في قرية أخرى لإبعادهم عن الاشتباكات المحتملة.
ويضيف بمرارة "إذا قتلوا أطفالي فلن يكترث أحد، ولن يحدث شيء". ووفقا لمنظمة حقوق الإنسان غير الحكومية "يش دين" فإن الإفلات من العقاب هو السائد.
وبين أكثر من ألف حالة من أعمال عنف المستوطنين تم رفعها إلى القضاء الإسرائيلي الذي درسها بين عامي 2005 و2021، اعتبر أن 92 في المئة من القضايا لا أساس لها، وفقا لما ذكرت هذه المنظمة الإسرائيلية غير الحكومية.
وإلى الجنوب، في سوسية، يقول عمران نواجعة إنه يعيش الجحيم نفسه "في السابق كانت لدينا مشاكل ولكن ليس بشكل يومي وليس بالحجم نفسه".
وفي قرية التواني المحاذية لمستوطنة ماعون التي تم انشاؤها مطلع الثمانينات، نصبت خيمة استيطانية وأقيمت منشآت زراعية على أراضي رعاة.
وقال أحد السكان مكتفيا بذكر اسمه الأول باسل "يريدون الاستيلاء على مزيد من الأراضي، كانوا ينتظرون لحظة كهذه منذ فترة طويلة حتى يتمكنوا من الذهاب اينما يريدون"، مضيفا "يأتون ليلا ويقطعون الأنابيب ويثقبون خزانات المياه ويقولون لنا أمامكم 24 ساعة للرحيل". ويتابع "علينا أن نغادر سيرا لأنهم يقطعون الطرق بكتل اسمنتية ثم يدمرون كل شيء بالجرافات".
وبعد أكثر من خمسة أسابيع من الحرب في غزة "يقول 69 في المئة من الفلسطينيين إنهم يخشون هجمات يشنها المستوطنون مستقبلا"، حسبما أفاد المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ومقره رام الله.