
معرض الكتاب ببنزرت يحتفي بالشاعر البشير المشرقي
في مجلس أدبي ممتاز ضمن فعاليات الدورة 20 لمعرض الكتاب بمدينة بنزرت الجميلة وبحضور جمع من المبدعين والكتاب وأحباء الكتاب والشعر تم مساء الجمعة الاحتفاء بالشاعر البشير المشرقي ابن الجهة وذلك من خلال تكريمه والاهتمام باصداره الشعري "فسيفساء الظل والألوان" الصادر عن دار خريف للنشر والتوزيع حيث شهد المركب الثقافي الشيخ ادريس مكان انتظام الدورة العشرين لمعرض الكتاب بادارة الأستاذ البشير القمود وقد احتفت الفعالية بفلسطين الرمز والمقاومة والنصر لتتعدد الأنشطة بين الفنون والابداعات وتقديم الكتب في اشراف للمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية وبتعاون وتنسيق بين رابطة الكتاب الأحرار ببنزرت وودادية قدماء المعاهد ببنزرت.
اللقاء الاحتفائي بالشاعر المشرقي وكتابه الشعري تم بحضور مميز لنخبة نيرة من الأدباء منهم الناقد والاعلامي المميز منصور الغرسلي والكاتبة والروائية حفيظة قاره بيبان والأديب رشيد الذواد والكاتبة منية قاره بيبان رئيسة فرع رابطة الكتاب الأحرار ببنزرت التي كرمت في ختام اللقاء الشاعر البشير المشرقي والذي عبر متحدثا عن شكره وامتنانه للقائمين على هذا المجلس الاحتفائي والتكريمي له..
وفي مستهل المجلس شكر البشير قمودي مدير المعرض والمركب الثقافي الحصور مشيرا الى أهمية اللقاءات المتصلة بالعروض والفنون وتقديم الكتب والاصدارات مثنيا على جهود التعاون مع بقية الأطراف المساهمة بالنشاط والحضور والشراكة متحدثا عن أهمية التجربة الشعرية للضيف المحتفى به الشاعر المميز البشير المشرقي.
وتم تقديم مداخلتين عن التجربة والاصدار الجديد للشاعر من قبل الناقد والاعلامي منصور غرسلي والشاعر العوني لتدير اللقاء الأديبة حفيظة قاره بيبان التي قدمت الضيوف وأطرت اللقاء والنقاش الذي تبعه .. ومما جاء في مداخلة الناقد المميز والاعلامي الأستاذ منصور غرسلي وعنوانها "الإصدار الجديد للبشير المشرقي " فسيفساء الظل والألوان".. ذوب الذات في لهيب الذكريات" نذكر ما يلي "أصدر الشاعر الكبير الأستاذ بشير المشرقي في الآونة الأخيرة، وعن دار خريف للنشر مجموعة شعرية جديدة بعنوان "فسيفساء الظل والألوان"، وهو ديوان من الحجم المتوسط، ويشتمل على 224 صفحة، وهي المجموعة الشعرية الثانية عشرة لهذا الشاعر الفذ، إذ سبق له أن نشر المجموعات التالية : "في البحث عن مقر " في 1978، "نوافير.. وتشدو" في 1979، "همسات الى الزمن الهارب" في 1981، " أحبتي. . والليل . . والوطن " في 1984، و" على نقر المطر . . والذكريات " في 1994، و"توقعات الربيع الخامس " في 1995، و"السندباد والقمر الوحيد " في 1997 و"كتاب الفصول" سنة 2000"، و"تحليق خارج حدود الحلم "، ثم "أقمار في ليالي الحنين في 2022، إضافة إلى مجموعة شعرية بالاشتراك بعنوان "الرياح اللواقح.
وتشتمل المجموعة الشعرية "فسيفساء الظل والألوان" على 188 قصيدة تتوزع بين ومضات شعرية وهي الغالبة على الديوان؛ إذ يبلغ عددها 153 ومضة، وقصائد متفاوتة الطول، يقتصر بعضها على صفحة واحدة، وتمتد أخرى على ست صفحات على غرار القصيدة التي مطلعها "عقارب الساعة تعدو".
ولم يحد المشرقي في هذه المجموعة عن النهج الذي التزم به في بنية القصيدة منذ بداياته؛ إذ جرت معظم القصائد على البحور الخليلية، وخصوصا في الومضات الشعرية والقصائد القصيرة كقوله على البحر البسيط : هل هبة من شذى النسربن تنعشني يا أيها الزمن الحلو الذي رحلا؟ ص 45 في حين جاءت أخرى في الشعر الحر، كقوله على تفعيلة المتدارك ص 78: أيها الطير غرد وطر في سمائك يا كروان كلها ليلة.. كلها ومضة ويجف البنفسج والأقحوان.
بينما وردت قصائد، وهي محدودة جدا، في غير العمودي الحر، مثل قوله ص 59 : كل يوم أقول سأترك هذي القصيده ! عذبتني القصيدة! واهم بها فأرى فجأة بين كل السطور جداول عينيك جارية وطيوفا تعاتبني قدمت من بلاد بعيده قاعود لها صاغرا وأصالحها بشجون جديدة!، ومثلما يتجلى للقارئ فإن المشرقي وإن تخلى في هذا الضرب من القصائد عن التفعيلة والأوزان الخليلية فإنه استعاض عن ذلك كله بالايقاع الداخلي لنبض الحروف والكلمات مانحا القصيدة نغما مستساغا تطرب له الأذن وترتاح له النفس. ولعل ما يثير الاهتمام في بناء قصيدة المشرقي هو تنوع البحور في القصيدة الواحدة أحيانا ؛ ففي قصيدة له بالصفحة 21 ورد البيتان الأول والثاني على البحر البسيط ( مستفعلن / فاعلن/ مستفعلن/ فعلن)، وأما بقية الأبيات فهي من الشعر الحر اعتمد فيها الشاعر تفعيلة الكامل . وهو تنوع وظيفي ينسجم مع حالة الشاعر النفسية التي تتردد بين المناجاة والحلم، ويتواءم مع أسلوب الكتابة ؛ إذ اعتمد في المقطع الأول الأسلوب الإنشائي الذي يتناسب مع المناجاة بما في ذلك من نداء والتماس، واعتمد في المقطع الثاني الاسلوب الخبري الذي يتلاءم مع الحلم والخيال....

أحكم البشير المشرقي توظيف الكلمات لتنسجم مع بعضها البعض في تناغم جميل كشف عن شاعرية فذة من جهة، وقدرة على توظيف البحور الخليلية وتطويع المقاطع والحروف لتوليد النغمة الشعرية التي تحقق الإيقاع الداخلي للقصيدة وتضفي عليها أبعادا جمالية تتلاءم مع أبعادها الدلالية من جهة أخرى. وإجمالا فإن هذه المجموعة الشعرية، وإن أكدت التزام صاحبها بالنهج الرومنطيقي الذي اتخذه لنفسه منذ البداية، فإنها حققت إضافة نوعية لمدونة البشير المشرقي الشعرية خاصة والمدونة الشعرية الوطنية والعربية عامة ؛ لما تضمنته من عناصر التجديد التي قد تغري النقاد والأكاديميين والجامعيين بدراستها والتعمق في تحليل روافدها وأبعادها'.
وجاءت المداخلة الثانية بعنوان "شعر ينفذ سريعا وعميقا..طوعا وكرها الى الدواخل حيث الروح المتشظية بين الوجيعة والحلم.. والشجن والجمال.." ومما جاء فيها "هذا الكون المكلل بالأسى وبالحلم دفعة واحدة.. فيه للحلم الجميل مكان وفيه للشجن المعتق أمكنة حيث للطير هنا فسحة حرية وتشوف وآمال هو عين رغبات الشاعر البشير المشرقي الذي يحاول ويحاورالعناصر والتفاصيل بأرض الشوق الممتدة وما فيها من أمنيات جمة وأغنيات مبهجة بعيدا عن قتامة الأشياء والسواد المحزن واليأس..
هذا هو كون الشاعر البشير المشرقي وهو المفصح في نشيده الخافت وفي شجن عظيم عنوانه الحلم في شوق هائل وبهجة وانكسار.. وهو كون الأحاسيس المبينة في كل ما تحيل اليه من أريحية للنفس وهي تتمرد على سلبيات الحياة والكائنات لأجل عالم يمقت الاحباط واليأس ويعلي من ثورات الوجدان.. الوجدان الشاعري في تعدد نظراته وعواطفه النبيلة تجاه الآخرين.. تجاه العالم.اها رحلة الشاعر ومغناته في دروب الحياة بما يشبه الملحمة.. أو لنقل انها ملحمة الشاعر..الملحمة المشرقية في شؤونها وشجونها حيث الغناء ايقاع القصائد وسلوى الشاعر وبوحه المخفي من قدم في الضلوع..".
وقد شفعت المداخلتان بنقاش مفتوح حيث تحدث الأديب رشيد الذوادي عن جانب من تجربة المشرقي وما كتبه عنه من آراء في خصوص شعره فضلا عن الاشارة الى جوانب تاريخية من الشعر والأدب ومدينة بنزرت كما تحدث الشاعر المكي الهمامي عن جوانب من خصائص شعر البشير المشرقي الجمالية والابداعية.. مجلس ولقاء ضمن الاحتفاء بالكتب في معرض له خصوصيات وفقرات صارت من تقاليد الفكر والأدب والفنون ببنزرت.