فاس للموسيقى ينبش في ذاكرة ألحان العصور الوسطى السويسرية
فاس (المغرب) - صدحت الألحان السويسرية الشهيرة التي تعود إلى القرن الخامس عشر الأربعاء بحديقة جنان السبيل التاريخي، وذلك على هامش الدورة السابعة والعشرين لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، حيث أحيت الفرقة الصوتية السويسرية التابعة للمعهد الموسيقي "سكويلا كانتوروم بازيلينسيس" (Scuola Cantorum Basilensis) روائع الموسيقى التي ولدت في بلاط دوقات بورغوندي.
وحملت الموسيقى السويسرية الجمهور المغربي إلى عوالم الألحان العريقة التي تعود إلى القرن الخامس عشر، من خلال أداء استثنائي سلط الضوء على الثراء والتأثير الموسيقي آنذاك.
وسلط الحفل الذي نُظم بالتعاون مع السفارة السويسرية بالمغرب ومعهد الموسيقى بمدينة بازل "سكويلا كانتوروم بازيلينسيس" السويسري، من خلال مقطوعات موسيقية آسرة، الضوء على أعمال الملحن الشهير جيل بينتشوا، حيث كان لموسيقاه التي اقتبسها معاصروه على نطاق واسع، تأثير بالغ على المشهد الموسيقي البورغندي.
واستكشف الحفل الموسيقي الذي قدمته الفرقة المكونة من أساتذة وطلاب موهوبين من معهد "سكويلا كانتوروم بازيلينسيس" مؤلفات بينشويس، وزاكارا دا تيرامو ويوهانس سيكونيا، المستمدة من مخطوطة "كراسينسكي كراكوف"، وتوفر هذه المخطوطة التي تم حفظها من التلف بأعجوبة خلال الحرب العالمية الثانية، رؤية قيمة عن الموسيقى العالمية العريقة إبان أوائل القرن الخامس عشر.
ويقدم هذا الحفل الموسيقي انغماسا في الموسيقى العريقة متعددة الألحان التي تعود لأواخر العصور الوسطى وبداية عصر النهضة، وهي فترة محورية ميزت الانتقال بين هذين العصرين، وفق بابتيست رومان الأستاذ والموسيقي بمعهد "سكويلا كانتوروم" ببازل.
وقدمت الفرقة، برفقة أربعة طلاب من المؤسسة السويسرية، الذين تدربوا معهم على هذه المقطوعات الموسيقية طوال السنة، أعمالا ترمز إلى جوهر الموسيقى العريقة خلال العصور الوسطى.
وشدد رومان على الارتباط الوثيق بين هذه المقطوعات الموسيقية وغيرها من المقطوعات الموسيقية المقدمة خلال مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، مسلطا الضوء على التنوع الغني للتعبيرات الموسيقية العريقة عبر العصور.
وبأدائهم الرائع، أبهر العازفون الجمهور بأغان موسيقية صوتية ساحرة ورائعة، وسافروا به إلى عالم من الألحان التي تجسد التراث الموسيقي لأوروبا.
ولفت السفير السويسري بالمغرب غيوم شورير في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء إلى أهمية مشاركة "سكويلا كانتوروم بازيلينسيس" المعهد النخبوي المتخصص في الموسيقى العريقة، والذي قدم خبرته خلال هذا الحفل الاستثنائي، مشددا على طموح السفارة السويسرية في المشاركة في هذا المهرجان المعروف لدى عشاق الموسيقى وعشاق المغرب، ولكنه يتمتع أيضا بسمعته في سويسرا وفي جميع أنحاء العالم.
وأكد عبدالرافع زويتن، رئيس مؤسسة روح فاس، التزام المهرجان بالإبداع والانفتاح على الثقافات الأخرى، مضيفا أن "هذه السنة، وبفضل مساهمة السفارة السويسرية، استقبل المهرجان فرقتين لتسليط الضوء على جانب من جوانب الثقافة السويسرية الغنية".
وأعرب زويتن عن أمله في أن يتعزز هذا الحضور السويسري خلال الدورات المقبلة، مما يحفز روح التبادل الثقافي الذي يجسده مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة.
ويهدف مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة المنظم تحت شعار "شوقا لروح الأندلس" في الفترة ما بين 24 مايو/أيار ومطلع يونيو/حزيران المقبل، إلى إبراز فترة التعايش السلمي ما بين الديانات في تاريخ الأندلس من القرن 8 إلى غاية القرن 15، تلك الحقبة التي اعتبرت "زمنا ذهبيا" لازالت روحه حاضرة بالمغرب.
وتحل إسبانيا ضيف شرف هذه الدورة من خلال برمجة تتضمن عروضا فنية تمتزج فيها الألوان الموسيقية لكلا البلدين، شاهدة بذلك على عمق وتجذر الروابط التاريخية والأخوية التي تربط شبه الجزيرة الإيبرية بالمملكة المغربية، استشرافا لمستقبل مشرق وواعد للمملكتين.
وتقترح هذه الدورة، وفاء لروح فاس، برمجة متنوعة ومنفتحة على ثقافات وروحانيات من مختلف البقاع، حيث يلتقي خلال هذه النسخة نخبة من الموسيقيين المشهورين يمثلون عدة بلدان، ويتعلق الأمر، على الخصوص، بنيسم جلال من أصل سوري، ونيديالكو ونيديالكوف كارتيت (بلغاريا)، وخديجة العفريت (تونس)، ووليد بنسليم، ويونغ موسيكيان أوربين أركيسترا ، ومادالينا (جوق نسائي)، بالإضافة إلى أمسيات صوفية.