'يوم التروية' يجمع أفئدة الحجاج على الدعاء بمنى

أول محطات مناسك الحج في مكة المكرمة يعطي شارة انطلاق أعظم رحلة إيمانية لدى مسلمي العالم في أجواء شديدة الحر.

مكة المكرمة - تجمّع أكثر من مليون حاج في مكة المكرمة الجمعة إيذانا ببدء مناسك الموسم الحالي الذي يأتي في خضم توتر إقليمي بفعل الحرب القائمة في غزة، ووسط درجات حرارة مرهقة.

تتدفق جموع حجاج بيت الله الحرام مع إشراقة صباح الجمعة الثامن من شهر ذي الحجة إلى صعيد مشعر "مِنَى" غربي السعودية، لتبدأ أعظم رحلة إيمانية لدى مسلمي العالم، والتي يخوضها ما يزيد على مليوني حاج بأشواق ودموع وآمال وتكبيرات وترتيبات ضخمة أعدتها المملكة.

وسيقضي ضيوف الرحمن على صعيد "مِنَى" "يوم التروية" أول محطات مناسك الحج، التي تتواصل على مدار ستة أيام، يأتي ذلك اقتداءً بسنة نبي الإسلام محمد (ص) الذي ارتوى (تزود) بالمياه قبل أداء الحج.

ويُقال أيضًا أن "يوم التروية" سمي بهذا الاسم، لأن الحجاج يروون فيه أنفسهم بالإيمان والتقوى، استعدادًا للوقوف بعرفة، منسك الحج الأعظم، في يوم التاسع من ذي الحجة (السبت).

في يوم التروية، سيقضي الحجاج وقتهم في الدعاء والذكر والتأمل، وترديد تلبية الحج: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".

كما يُصلّون في "مِنَى" الصلوات الخمس قصرا بدون جمع، ويبيتون هناك قبل التوجه إلى صعيد عرفة بعد طلوع شمس يوم التاسع من ذي الحجة.

ويقع مشعر "مِنَى" بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة على بُعد 7 كلم شمال شرق المسجد الحرام. وهو عبارة عن وادٍ تحيط به الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية، ولا يُسكن إلا في فترة الحج.

ويقول المؤرخون إن تسمية مشعر "مِنَى" مشتقة من الفعل "أَمنَى" بمعنى أراق الدماء، وذلك لكثرة ما يراق فيه من دماء الهدي.

ولمشعر "مِنَى" مكانة دينية خاصة عند المسلمين، ففي هذا المكان رمى نبي الله إبراهيم عليه السلام إبليس بالجمار، وذبح فدي سيدنا إسماعيل عليه السلام، ثم أكد النبي محمد (ص) هذا الفعل في حجة الوداع حيث رمى جمرة العقبة أو الجمرة الكبرى صبيحة يوم العاشر من ذي الحجة، وذبح الهدي بعد رمي الجمرات، وحلق شعره في اليوم ذاته، ومن بعده استنَّ المسلمون بسنته يرمون الجمرات ويذبحون هديهم ويحلقون.

ويشتهر مشعر "مِنَى" أيضًا بمعالم مهمة في الحج، منها الشواخص الثلاث التي يرمى فيها الحجاج الجمرات، والتي تتمثل في جمرة العقبة في اليوم العاشر من ذي الحجة، وجمرات أيام التشريق الثلاثة في أيام 11 و12 و13 ذي الحجة. كما يحتضن هذا المشعر مسجد "الخيف" الذي ألقى فيه النبي المصطفى خطبة حجة الوداع.

وشهد مشعر "مِنَى" كذلك، أحداثا تاريخية في الإسلام منها بيعتا العقبة الأولى والثانية عامي 12 و13 من الهجرة، والتي بايع فيهما مجموعة من الأنصار النبي محمد (ص) على نصرته.

وأعدت السعودية ترتيبات ضخمة لاستقبال الحج في أول محطات المناسك، منها تجهيز 4 مستشفيات تضم جميع التخصصات، وأقسام لمواجهة الإجهاد الحراري وضربات الشمس، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السعودية "واس" الخميس.

كما تم إنشاء أبراج سكنية متعددة الطوابق بمشعر "مِنَى" تستوعب أكثر من 30 ألف حاج بتصاميم حديثة مستوحاة من الهوية العمرانية للمشاعر المقدسة.

وأنهى قطار المشاعر استعداداته لاستقبال الحجاج عبر تسع محطات تربط بين مناطق المشاعر المقدسة. وتبلغ الطاقة الاستيعابية للقطار 72 ألف راكب بالساعة في اتجاه الواحد، ويسير بسرعة تبلغ 80 كيلومترًا في الساعة، ما يمكنه من قطع المسافة بين منى وعرفات خلال نحو 20 دقيقة فقط.

ويتضمن الحج، وهو أحد أكبر التجمعات الدينية في العالم، سلسلة من الشعائر في مكة وضواحيها في غرب المملكة العربية السعودية والتي تستغرق أياما عدة لإكمالها.

وستكون الذروة السبت بصلاة طوال اليوم على جبل عرفات، حيث ألقى النبي محمد خطبته الأخيرة.

ويدور الحجاج الذين يرتدون ملابس الإحرام البيضاء حول الكعبة، قبلة المسلمين في صلاتهم، بأعداد كبيرة منذ أيام عدة. وقد انتظر البعض لسنوات فرصة أداء المناسك، مع تخصيص التصاريح من قبل السلطات السعودية على أساس الحصص لكل دولة.

وتقول نونارتينا حاجيباولي (50 عاما) لفرانس برس إنها تشعر بالفخر لكونها جزءا من ألف حاج وصلوا هذا العام من سلطنة بروناي في جنوب شرق آسيا، مضيفة "أنا عاجزة عن الكلام، ولا أستطيع أن أصف ما أشعر به".

واجتذب الحج العام الماضي أكثر من 1.8 مليون حاج، وفقا للأرقام الرسمية، بعدما رفعت السلطات القيود المفروضة في أعقاب جائحة كورونا.

وأشارت وسائل إعلام رسمية إلى أن نحو 1.5 مليون شخص وصلوا حتى وقت متأخر من يوم الاثنين.

وأصدر الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، الاثنين، أمرا باستضافة ألف حاج "من أسر الشهداء والجرحى من قطاع غزة"، ليرتفع عدد الحجاج الفلسطينيين لأداء مناسك هذا العام إلى ألفي شخص، بحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية.

ورغم ذلك، حذر الوزير السعودي المسؤول عن الحج توفيق الربيعة، الأسبوع الماضي، من أنه لن يتم التسامح مع "أي شعارات سياسية"، ولم يكن من الواضح كيف يمكن للحجاج التعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين.

وقالت زهرة بني زهرة (75 عاما) من المغرب لوكالة فرانس برس وهي تبكي "إخواننا يموتون، ويمكننا أن نرى ذلك بأعيننا".

ومن جهتها، قالت بليندا إلهام من إندونيسيا، التي تضم أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم، إنها "ستصلي كل يوم حتى ينتهي ما يحدث في فلسطين".

واندلعت الحرب في غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول بعدما شنت حماس هجوما غير مسبوق على إسرائيل خلف 1194 قتيلاً غالبيتهم مدنيون وفق تعداد لفرانس برس يستند إلى معطيات إسرائيلية رسمية.

وكما كان الحال منذ سنوات عدة، يقام التجمع هذا العام خلال فصل الصيف السعودي الحار، ويتوقع المسؤولون أن يصل متوسط الحرارة إلى 44 درجة مئوية.

وأفاد المتحدث باسم وزارة الصحة السعودية محمد العبد العالي أنه تم تسجيل أكثر من عشرة آلاف حالة من الأمراض المرتبطة بالحر العام الماضي أثناء الحج، بما في ذلك 10 في المئة من ضربات الشمس، وهي أخطر أشكالها.

وتشمل تدابير تخفيف الحرارة هذا العام، تغطية الطرقات التي يستخدمها المصلون بمادة بيضاء، ما يخفض درجة حرارة الإسفلت بنسبة 20 في المئة، بحسب السلطات.

يضاف إلى ذلك، المرشات المثبتة في الساحة المركزية، وتوزيع المياه والمظلات، والنصائح التي يقدمها المتطوعون الشباب، ومراكز التسوق التي لا تعد ولا تحصى والتي تسمح للحجاج بالاسترخاء بين صلاتين.

ووصلت إلى الحجاج رسالة نصية الخميس تطلب منهم "شرب الماء بانتظام لأكثر من 2 لتر يوميا" و"حمل المظلة الشمسية معك دائما"، محذرة من أن درجات الحرارة قد ترتفع إلى 48 درجة مئوية.