إسبانيا تتفوق على فرنسا في علاقاتها التجارية مع المغرب
مدريد – تسعى إسبانيا لتطوير استثماراتها في المغرب بفضل الجهود المستمرة للإدارات المغربية والإسبانية التي تتعاون بشكل وثيق لتحفيز رواد الأعمال على الاستثمار من الجانبين، ما جعل إسبانيا تنتزع الصدارة في العلاقات التجارية من فرنسا، وفق دون بالا ساجوس، المستشار المسؤول عن الشؤون التجارية في السفارة الإسبانية بالمغرب مؤكدا أن جودة العلاقات السياسية الحالية التي تولد الثقة ضرورية وحاسمة.
وكشف ساجوس في حوار مع جريدة “ميديا24” الناطقة بالفرنسية، أن المشاريع المستقبلية بين البلدين ومنها افتتاح خط كهربائي ثالث، إضافة إلى أن مشروع النفق الذي يتقدم بشكل جيد سيسمح بتعزيز التبادل. مشيرا إلى أسباب انتزاع إسبانيا للصدارة من فرنسا بالقول "بعيدًا عن القرب الجغرافي الذي يسمح بخفض تكاليف النقل من الجانبين، نحن أكثر تنافسية بكثير من الشركات الفرنسية وأكثر تكاملاً"، مؤكدا "ومع ذلك إذا تجاوزنا فرنسا في التبادل التجاري، يجب الإشارة إلى أنها تحتفظ بموقعها كأول مستثمر في المملكة".
ويحيل حديث ساجوس إلى تصريحات سابقة لرئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، تحدث فيها عن "توقعات بأن تناهز استثمارات بلاده قيمة 45 مليار يورو في أفق 2050 بالمغرب"، ليُجسد مدى تلازُم العلاقات الاقتصادية في دعم الدينامية السياسية/الدبلوماسية المتنامية بين البلدين في العقد الأخير.
تطور العلاقات التجارية بين البلدين يرجع أيضًا إلى توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب التي أحدثت ثورة حقيقية وساهمت في تعزيز التبادل الثنائي
وانفتَح البلدان على مجالات جديدة للتعاون تطبَع اقتصاد القرن الواحد والعشرين، مثل قطاع الطاقات المتجددة والكهرباء ثم تحلية مياه البحر (من خلال إشارة سانشيز إلى دور شركة اكسيونا الإسبانية مثلا في محطة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء)، والهيدروجين الأخضر، وكذلك تحقيق الاستقلالية الطاقية للمغرب وإسبانيا من خلال أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب.
ورفض ساجوس المزاعم القائلة بأن إسبانيا قد استغلّت البرود السياسي بين المغرب وفرنسا على المستوى التجاري، مؤكد أن مثلث فرنسا-المغرب-إسبانيا، يلعب كل طرف فيه دورًا معينًا بمكانة محددة، مشددا "أعتقد بصدق أن بلدنا الأقرب جغرافيًا للمملكة له روابط أقوى يمكن حتى وصفها بالأخوية".
ولفت إلى أهمية التقارب السياسي في ميدان التجارة وتأثيرها على تزايد الشراكات الجديدة في عدة قطاعات، مفيدا أنه "سيتم فتح خط كهربائي ثالث بين إسبانيا والمغرب، ومشروع النفق الذي يتقدم بشكل جيد سيسمح بتعزيز التبادل بفضل القطارات المباشرة بين المغرب وإسبانيا، دون الحديث عن خط الأنابيب الكبير القادم من نيجيريا الذي سيفيد العديد من البلدان الأفريقية والأوروبية"، مشددا هناك اليوم الكثير من المشاريع الضرورية لكلا البلدين "لدرجة أنه أصبح من المستحيل التراجع".
وفسر أن إسبانيا أصبحت الشريك الأول للمغرب بكون جزء كبير من الاستهلاك الإسباني من الفواكه والخضروات والحمضيات يأتي من المغرب، بفضل جودة وتوافر المنتجات المغربية وأيضًا أسعارها التنافسية، مشيرا إلى أن تطور العلاقات التجارية بين البلدين يرجع أيضًا إلى توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب التي أحدثت ثورة حقيقية وساهمت في تعزيز التبادل الثنائي، ذلك أن تأثيرها الاستثنائي سمح للعديد من رواد الأعمال الإسبان بالاستقرار في المغرب والاستثمار في عدة قطاعات مثل الزراعة أو الصيد.
ولفت من جانب آخر إلى دور إسبانيا في تزويد المغرب بالعديد من العناصر الأساسية للصناعات، ومنها صناعة السيارات، إضافة إلى المنتجات الطاقية منها المنتجات البترولية وكذلك الغاز، مشيرا إلى التكامل الاستراتيجي بين البلدين اللذين ليسا متنافسين ولكن شركاء يكمل كل منهما الآخر.
وأكد قيام إسبانيا بجهود مستمرة لتكون موجودة في المناقصات، مفيدا من جانب آخر أن هناك رغبة حقيقية من السلطات المغربية في السماح للشركات الإسبانية بالمشاركة "ليس لإرضائنا ولكن لأننا قادرون على تقديم خبرة في عدة قطاعات (السكك الحديدية…) التي ستساهم في تطوير المغرب".
ويعتبر متابعون أن تنظيم البلدين إلى جانب البرتغال كأس العالم 2030، ستكون له نتائج استثمارية كبيرة، مما سيساهم لا محالة في الرفع التلقائي والمباشر للاستثمارات الإسبانية (المباشرة وغير المباشرة) بالمغرب.
ويعد تنظيم مونديال 2030 مناسبة للتعاون بين البلدان الثلاثة، من خلال الرغبة الأكيدة للرباط ومدريد في تعزيز علاقاتهما الثنائية أكثر، خاصة بعد عودة العلاقات بينهما إلى مسارها الصحيح، واعتراف إسبانيا بمغربية الصحراء، كما سينطلق التعاون بين المغرب والبرتغال من خلال موقف الأخيرة الداعم لمغربية الصحراء.
ومن المتوقع أن تذهب الاستثمارات الإسبانية المرتقبة إضافة إلى قطاعات البنية التحتية من طرق وسكك حديدية وملاعب رياضية وبنيات اقتصادية، إلى قطاع النقل وقطاع الرقمنة والبنيات التكنولوجية والصناعة من الجيل الرابع، من أجل إنجاح تنظيم تظاهرات رياضية وجعل المملكة المغربية بلدا جذاباً بمناخ أعمال واعد.
ويعتبر التدبير الجيد لهذا الأفق الاستثماري الواعد خلال 25 سنة القادمة كافٍ لإرساء بنية تحتية قوية ستمكّن المغرب من تحقيق التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي ينشده في نموذجه التنموي الجديد، فهذه الاستثمارات الإسبانية المرتقبة يجب أن تتناغم مع ما يُريده المغرب وما أتى به الميثاق الجديد للاستثمار من قطاعات استراتيجية واعدة ذات قيمة مضافة عالية.