شركات أمنية موازية تثير استياء العراقيين

رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي يقول إن أغلب الشركات الأمنية العاملة في العراق هي واجهات لوكالات استخبارية أجنبية.

بغداد – تنتشر عشرات الشركات الأمنية الخاصة في العاصمة الاتحادية بغداد يتركز عملها في حماية عدد من كبار الشخصيات والبعثات الدبلوماسية والشركات النفطية، بينما يشير خبراء إلى أدور مشبوهة تقوم بها هذه الشركات تحت رقابة حكومية، رغم استياء العراقيين المتضررين منها في حوادث دامية عقب التدخل الأميركي.
ووفق وكالة شفق نيوز، كشفت مجموعة أمنية اجنبية عن تواجد 80 شركة أمنية خاصة تتمركز في كل من العاصمة العراقية ومحافظتي البصرة أقصى جنوب البلاد وأربيل عاصمة إقليم كوردستان رغم تواجد أعداد مليونية من القوات الأمنية المحلية في العراق.
 وكانت آخر شركة أمنية أميركية غادرت العراق، نهاية عام 2009 إلا أنها عادت بحججٍ كثيرة ومهمات مختلف منها تأمين تجارة العراق مع دول الجوار ونقل البضائع النفيسة بين المحافظات وحماية المصارف والمؤسسات الحسّاسة، الأمر الذي استفز العراقيين المتضررين منها في فترة ما بن 2003 في غياب لمواقف واضحة بين الأوساط الأمنية والسياسية العراقية.
وأثبت تقرير مترجم نشرته مجموعة فريق (ICoCA) وهي مجموعة شركات أمنية خاصة تعمل في الجنوب العراقي، اعتمدته وكالة شفق نيوز، أن نحو 80 شركة امنية خاصة مرخصة بينها 24 شركة أمنية خاصة عراقية تابعة لنفس الشركة، إلى جانب ما لا يقل عن 5 شركات أخرى دولية الى حدود نهاية شهر مارس/آذار2024. بينما يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية محمد مهدي الامرلي عدم امتلاك لجنته إحصائية دقيقة، مشيرا إلى أن بعضها يحظى بالحصانة الدبلوماسية.
ويوضح التقرير آلية تجنيد العاملين في هذه الشركات بأنهم موظفين دوليين من بلدان منخفضة الدخل مثل نيبال وفيجي وأوغندا إلى جانب عدد من دول أوروبا الشرقية مثل مقدونيا وعسكريين سابقين من دول جنوب إفريقيا مدربين جيدًا ومن ذوي الخبرة العالية، مشيرا إلى أن الشركات الأمنية تدفع للموظفين العراقيين حدًا أدنى للأجور يقل عن 500 دولار أميركي شهريًا، وهو ما يتجاوز متطلبات الحد الأدنى للأجور المعيشية.
وأضاف أن من بين الـ24 الشركة تقوم العديد منها بعمليات مهمة في المنطقة إلى جانب عدد قليل فقط من الشركات العالمية الخاصة التي تقدم خدماتها مع تزايد التنافس على الأعمال التجارية الدولية. كما تحمي حقل الرميلة النفطي جنوب العراق وهو ثالث أكبر حقل نفط في العالم.
ونظرا للانتشار الواسع للأسلحة بين السكان المحليين والتأثيرات القبلية القوية، تنشأ نزاعات مسلحة غالبا ما يقوم بها موظفون ساخطون أو منخرطون في نزاعات شخصية مما يخلق بيئة أمنية معقدة، وفق المصدر ذاته.
وصوت مجلس النواب في 31 يوليو/تموز 2023 على مشروع قانون لتعديل أول لقانون الشركات الأمنية الخاصة رقم 52 لسنة 2017 المقدمة من لجنة الأمن والدفاع، بهدف تنظيم عمل هذه الشركات وتعزيز الرقابة عليها ومعالجة المشاكل والمعوقات التي أفرزها تطبيق قانون الشركات الأمنية الخاصة لعام 2017.
وكان البرلمان العراقي قد اقترح تعديل القانون على خلفية السمعة السيئة للشركات بين العراقيين بسبب تورط الكثير منها في حوادث دامية أعقبت التدخل الأميركي عام 2003.
وكان رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي حاكم الزاملي قد كشف في أغسطس/آب عام 2017 عن أن أغلب الشركات الأمنية العاملة في العراق هي واجهات لوكالات استخبارية أجنبية، مؤكّدا أن مالك شركة "بلاك ووتر" الأميركية سابقاً إيريك برنس متهمٌ بتجنيد "مرتزقة" جدد.
وقال إن "هذه الشركات نفذت الكثير من الخروقات الأمنية في البلاد"، مشيرا إلى أن "مدير إحدى الشركات متهم بقضايا فساد، بالإضافة إلى تجنيد مرتزقة من أميركا الجنوبية للقتال في اليمن، فضلاً عن كونه ضابطاً سابقا في الجيش الأميركي ويمتلك معلومات استخبارية، وهذا موثق في ملف اللجنة في البرلمان"، وفق ما نقلته شفق نيوز.
كما دعت مديرية شؤون الشركات الأمنية الخاصة في عام 2020 الى أخذ الحيطة والحذر من استهداف مقار شركاتكم او العاملين فيها"، مشيرة الى أنه "وردت معلومات استخبارية عن استهداف الشركات الأمنية والدعم اللوجستي المتعاقدة مع الجانب الأميركي والمعلومات تتضمن مواقع الشركات وعنوانها والجنسيات العاملة فيها مع طبيعة عملها لاتخاذ ما يلزم".
ونقلا عن الوكالة العراقية، قال الخبير الأمني العميد السابق عدنان الكناني إن "شركات الحماية الأمنية الخاصة قدمت مع الجيش الأمريكي لحماية المصالح الاميركية والبريطانية بعد عام 2003 ومنها شركة (بلاك ووتر)، وكذلك هناك شركات عراقية تأسست آنذاك لبعض الأحزاب السياسية منها المؤتمر الوطني العراقي الذي أسس شركة (نسور بابل)، وهذه الشركات أخذت غطاءً أميركياً لحمل السلاح"، مضيفا أنه "تم فيما بعد تأسيس نواة الاجنحة العسكرية لبعض الأحزاب السياسية التي شكلت بموجبها المكاتب الأمنية لمحاسبة المعارضين لها وجرت عبرها عمليات خطف ومساومة"، مبينا أن "جنسيات هذه الشركة أغلبها أمريكية وبريطانية وكذلك شركة "فاغنر" الروسية عملت في العراق، وشركات عراقية أخرى أيضاً.
وأردف "رغم تأسيس مديرية حماية المنشآت والشخصيات في وزارة الداخلية عام 2006-2007 والشخصيات والوزراء والمنشآت والفضائيات تحمى من قبل هذه المديرية، لكن بقيت هذه الشركات تعمل وتجني أرباحاً خيالية، وربما يصل الأمر الى ابتزازها جهات حكومية والقيام بأدوار قذرة في بعض الأحيان من أجل تحقيق مصالحها".
كما كشف عن "وجود مكتب في كل شركة أميركية والبريطانية خاصة يدعى (العمليات) يديره عناصر من المخابرات يتولى إدارة العمل فيها"، مبيناً أن "إدارة الشركة التي كانت تتولى إدارة مطار بغداد أمنياً سابقاً جميعهم من عناصر مخابراتية.
وأشار الى أن "احدى شركات الهاتف النقال سابقاً كانت تعمل بمسألة التجسس والتنصت على المسؤولين العراقيين وأبلغنا رئاسة الوزراء بذلك آنذاك، كما أنها كانت تعرقل الوصول للمختطفين في أي منطقة من مناطق عملها"، لافتا الى ان اقتراح اشراف وزارة الداخلية رُفض نتيجة وجود شركات أمنية تؤمن الحماية لبعض الجهات السياسية حالياً التي تمتلك اجنحة مسلحة رغم أن حصر السلاح بيد الدولة.
وبينت الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين في مقال يبيّن أن الحكومات الأميركية المتعاقبة لديها رغبة قوية في التواجد النشط لهذه الشركات في العراق، حيث تقدم خدمات احترافية أهمها تدريب الجنود، الى جانب الدعم الديبلوماسي والعمليات التجارية والأنشطة العسكرية الاستخباراتية والمرافق الأمنية وتقديم المشورة لقوات الأمن.
كما تولت الشركات الأمنية الأميركية مسؤولية حماية ومرافقة كبار الضباط العسكريين الأميركيين بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسین ونفذت العديد من المهام على مختلف المستويات في العراق. وأطلق البعض عليها اسم الجیش الآخر لأميرکا بسبب مشارکتها مع الجيش الأميريكي في العديد من العمليات. وأصبحت الولايات المتحدة تعتمد بشكل لافت على هذه الشركات حيث لا يتطلب تأسيسها موافقة من الكونغرس،إضافة الى ارتباطها بعلاقات قوية مع الجهاز السياسي ، ما أن استخدام الجيش الخاص لا سيما في المهمات الإنسانية يعتبر الخيار الأفضل لإرسال العسکرین الرسمیین.