افتتاح دورة باريس الأولمبية وسط إجراءات أمنية مشددة
باريس - انطلق حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في باريس اليوم الجمعة بتصور خيالي لعدم سير عملية وصول الشعلة الأولمبية لمقر الحفل قبل العرض المبهر على نهر السين.
وظهر نجم كرة القدم الفرنسي الشهير زين الدين زيدان يركض عبر باريس في مقطع فيديو مسجل مسبقا ليصل بالشعلة إلى مترو الذي تعطل ليسلمها إلى أطفال صغار يركبون قاربا عبر نهر السين.
وانتشرت قوات ضخمة من رجال الشرطة في باريس، بعد ساعات فقط من هجوم تخريبي استهدف شبكة القطارات فائقة السرعة في البلاد ما كشف عن مخاطر أمنية في وقت تتصاعد فيه توترات جيوسياسية.
وتسببت هذه الهجمات المنسقة في تعطل كبير لبعض خطوط السكك الحديدية الأكثر ازدحاما في فرنسا وسلط الضوء على المخاطر الأمنية في وقت تتجه فيه كل الأنظار للبلاد، فيما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجمات التي وقعت بعيدا عن باريس وباقي المدن الأولمبية.
ويتضمن الحفل أسطولا من الزوارق تحمل ما يقرب من سبعة آلاف رياضي في النهر بالقرب من بعض المعالم الأكثر شهرة في باريس.
وارتفع عمود ضخم من الدخان بالألوان الأزرق والأبيض والأحمر أعلى جسر فوق النهر مع بدء انطلاق الحفل. وقالت أليز بوكراس (17 عاما) "نحن متحمسون للغاية، إن ذلك يحدث مرة واحدة في العمر".
وقال مانو البالغ عمره تسع سنوات الذي يستعد لمشاهدة الحفل مع والدته "إنها فرصة رائعة أن أكون هنا".
وكانت الأمطار تهطل بشكل متقطع في وقت سابق اليوم في باريس، وتوقع خبراء الأرصاد الجوية هطول أمطار غزيرة لدرجة أن أحد خبراء الأرصاد وصف الأمر "بالكارثة" بالنسبة للحفل الذي يقام في الهواء الطلق.
وقالت فلافيا ميرلوزي طالبة الزراعة "الأمطار لن تمنعني من تشجيع الألعاب الأولمبية، فالرياضة هي كل شيء بالنسبة لي وسأفعل كل شيء من أجل مشاهدة هذا".
وظلت التفاصيل سرية بما في ذلك بعض الفنانين المشاركين في الحفل ومن سيكون آخر من يحمل الشعلة وسيشعل المرحل الأولمبي إيذانا ببدء الألعاب الأولمبية.
وندّد الوزير المنتدب للنقل باتريس فيرغريت في وقت سباق بـ"عمل إجرامي مشين" محذّراً من "عواقب بالغة جداً" بالنسبة لحركة القطارات مع إلغاء الكثير من الرحلات، فيما قالت وزيرة الرياضة أميلي أوديا كاستيرا إن الهجمات "مروّعة".
وقالت شركة تشغيل السكك الحديدية المملوكة للدولة إن مخربين استهدفوا منشآت بطول الخطوط التي تربط باريس بمدن مثل ليل في الشمال وبوردو في الغرب وستراسبورج في الشرق.
وحثت الشركة جميع المسافرين على تأجيل رحلاتهم. والإصلاحات جارية لكن حركة القطارات ستتأثر بشدة لعدة أيام على الأقل. وتجري إعادة القطارات إلى نقاط المغادرة.
وقالت الشركة الوطنية للسكك الحديدية الفرنسية في بيان "الليلة الماضية، كانت الشركة ضحية لعدة أفعال تخريب على الخطوط الأطلسية والشمالية والشرقية للقطارات فائقة السرعة. أُضرمت حرائق عمدا لإلحاق أضرار بمنشآتنا".
وستفاقم الهجمات المنسقة على شبكة خطوط السكك الحديدية شعورا بالقلق قبيل حفل افتتاح الأولمبياد في قلب العاصمة باريس في وقت لاحق اليوم.
هطول محتمل للامطار
وقال خبير الأرصاد الجوية سيريل دوشين في منشور على موقع القناة على الإنترنت "لا يزال هناك عدم يقين بشأن مسار وموقع العاصفة المطرية الدقيق"، مضيفاً "قبل أقل من 24 ساعة، تفاءل المتوقعون إلى حد ما وتوقعوا هدوءاً رغم أن الطقس غائم، مع خطر ضئيل فقط لهطول الأمطار".
لقد استعددنا في جميع الأحوال لكل السيناريوهات، الحرّ الشديد، المطر، سنتأقلم
وقال رئيس اللجنة المنظّمة إستانغيه في وقت سابق لإذاعة فرانس إنتر "لقد استعددنا في جميع الأحوال لكل السيناريوهات، الحرّ الشديد، المطر، سنتأقلم".
تعزيز صورة فرنسا على المحك
وتريد فرنسا تعزيز صورتها من خلال هذه الألعاب، عبر استضافة نحو مئة رئيس دولة أو حكومة، لمواصلة نشاط دبلوماسي مكثّف بينما تشتعل الصراعات في أوكرانيا وغزّة، مروراً بالسودان وجمهورية الكونغو الديموقراطية.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الخميس في عشاء نظّمه لرؤساء الدول في متحف اللوفر "سترون غداً أحد أروع حفلات الافتتاح".
ينطلق الحفل المنظّم للمرّة الأولى في التاريخ خارج ملعب، عند الساعة السابعة والنصف مساء (17:30 ت غ)، وينتهي ليلاً، لكنه أثار عدة تساؤلات وتقلّبات، منذ نشوء فكرة ترك موقع الملعب "الآمن" لمصلحة زرع المدرّجات على ضفاف النهر.
وقال رئيس اللجنة المنظّمة توني إستانغيه الخميس "يمثل هذا الأمر تحدياً كبيراً"، فيما تراجع العدد الأساسي المقترح تدريجاً ليصبح 320 ألف متفرّج، 220 ألفاً منهم على ضفاف النهر مجاناً و100 ألف بطاقة مدفوعة بالقرب من النهر.
وبدت المناطق المطلّة على نهر السين حصناً منيعاً في آخر عشرة أيام، واقتصر عبور الحواجز الحديد على الأشخاص المقيمين وأصحاب الحجوزات في الفنادق المزوّدين برمز تعريف خاص.
فُحصت كل القوارب التي تسير في النهر، فيما تخضع العبّارات والقوارب الـ85 التي ستنقل الرياضيين لمراقبة صارمة.
آية ناكمورا، ليدي غاغا، سيلين ديون؟
وقوى الأمن في حالة تعبئة غير مسبوقة، مع نشر 45 ألف عنصر من الشرطة والدرك. يضاف اليهم ألفا عنصر أمن خاص وألف شرطي من بلدية باريس. كذلك، ستقوم فرقة قوامها عشرة آلاف عسكري بدعم هذا انلاتشار الأمني.
سيُنشر قناصة على أسطح باريس على طول النهر، لتحييد أي مسلّح يستهدف الحشود أو وفداً من الرياضيين على متن قارب أو رئيس دولة أو حكومة زائر. ووللمرة الأولى، ستعمل الوحدات الخاصة والشرطة والدرك بشكل مشترك.
سيعمل نحو 200 شرطي من وحدة "ريد" (البحث، المساعدة، التدخل والردع) لضمان الأمن على النهر. وسيكون 350 من عناصر الدرك التابعين لوحدة مكافحة الارهاب وإدارة الأزمات مسؤولين عن تأمين الفضاءات، فيما سيقوم نحو مئة شرطي من لواء البحث والتدخل "بي أر إي" التابعين لمفوضية الشرطة، بحماية الأرصفة.
كذلك، ستكون فرقة تدخل الدرك الخاصة "سي إي جيه أن" مسؤولة أيضًا عن تأمين تنقلات قادة الدول والحكومات، وستضمن أيضًا حماية الرياضيين في الحافلات التي ستنقلهم إلى منطقة ركوب القوارب وأثناء ركوبها حتى النزول في ساحة تروكاديرو.
على الصعيد الفني، يعمل مخرج العرض توما جولي منذ 18 شهراً على عرض الافتتاح. وهو كشف أنه يركز على الإرث الفرنسي، لكنه احتفظ بسرية مضمونه.
كلّ ما يعرف، هو أن عرض الدول على القوارب سترافقه 12 لوحة تصطف على مدى ستة كيلومترات بجانب النهر.
وأكد جولي "تقوم الفكرة على القول إنه لا توجد فرنسا واحدة، بل العديد منها".
ومنذ أشهر عدّة تسري تكهنات حول هوية الفنانين. وتعد الكندية سيلين ديون، الأميركية ليدي غاغا، الفرنسية-المالية آية ناكامورا المغنية الفرنكوفونية الأكثر استماعاً في العالم، من أبرز المرشحات، إلى جانب بعض المقاطع من أغاني إديت بياف وشارل أزنافور.
وييرافق عرض السين مع عرض دبلوماسي حضور مئة شخصية بينها 85 رئيس دولة وحكومة على المنصّة الرسمية في ساحة تروكاديرو.
سيكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغائب الأكبر، علماً أن بلاده موقوفة ولن يتم عزف نشيدها بحال تتويج بعض الرياضيين المشاركين تحت علم محايد وبشروط صارمة خصوصاً عدم دعم الحرب ضد أوكرانيا.
ويغيب أيضا الرئيس الصيني شي جينبينغ، وسيمثله نائبه هان جنغ، فيما يرسل الرئيس الأميركي جون بايدن زوجته جيل بعد عزوفه عن الترشّح مجدّداً للبقاء في البيت الأبيض.
سيحضر الرئيس الاسرائيلي اسحق هرتسوغ وسط اجراءات أمنية مشدّدة ويتوقع أن يلتقي ماكرون على هامش الافتتاح.
في المقابل، يمثل رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية جبريل الرجوب الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وقد أعربت إسرائيل الخميس عن قلقها من "تهديدات إرهابية محتملة" تطاول رياضييها وسيّاحها، وذلك في رسالة وجّهتها الى الحكومة الفرنسية.