أوروبا تستقطب المستثمرين من الشرق الأوسط رغم العراقيل

المستثمرون الخليجيون ينجذبون إلى أوروبا بسبب الظروف الأفضل فيما يتعلق بالتنظيم بالنسبة للمشترين من المنطقة مما يجعل احتياجات الاستثمار أكثر يسرا.

أبوظبي - ينصب اهتمام شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) على الاستحواذ على شركة كوفيسترو الألمانية لصناعة الكيماويات مقابل 11.7 مليار يورو (12.74 مليار دولار) بينما يأتي ذلك فيما قد يصبح أكبر استحواذ في أوروبا يقوم به مشتر من الشرق الأوسط منذ 16 عاما على الأقل، هناك توجه صعودي في الآونة الأخيرة في إبرام الصفقات بين المنطقتين.
وقالت شركة ديلوجيك إن هناك عمليات استحواذ على أصول أوروبية، أُعلن عنها أو اكتملت، بقيمة تزيد عن 24 مليار دولار حتى الآن هذا العام نفذها مشترون من الشرق الأوسط وهو أكبر رقم منذ عام 2008 على الأقل وهو أعلى بنسبة 74 بالمئة عن المتوسط في السنوات العشر الماضية. وهذا الرقم أكبر من 4.9 مليار دولار فقط في الفترة نفسها من العام الماضي.
وقال مستشارون ومحللون إن المستثمرين الخليجيين ينجذبون إلى أوروبا بسبب تقييمات الشركات التي تقل عن تلك الموجودة في الولايات المتحدة، والظروف الأفضل فيما يتعلق بالتنظيم بالنسبة للمشترين من المنطقة، مما يجعل احتياجات الاستثمار أكثر يسرا.
وقال ديفيد مارتن، الشريك في شركة لينكليترز الذي ساعد في إنشاء مكتب الشركة القانونية في أبوظبي، "أصبح المستثمرون الاستراتيجيون في الشرق الأوسط الآن أكثر ثقة في الاستثمار في أوروبا".
وأضاف "هناك حاجة في أوروبا، وخاصة في بعض مشروعات البنية التحتية الضخمة إلى مستثمرين أثرياء".

هناك حاجة في أوروبا وخاصة في بعض مشروعات البنية التحتية الضخمة إلى مستثمرين أثرياء

وقال ميجيل أزيفيدو، نائب رئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية في سيتي جروب لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، إن المستثمرين من المنطقة يحملون معهم أيضا خبراتهم إلى مثل هذه المشروعات.
وأضاف "الإمارات لديها استراتيجية واضحة جدا لإنشاء رواد عالميين في الصناعات التي تعرفها جيدا وتحقق أداء جيدا فيها... ولديها الخبرة والرؤية ورأس المال اللازم لتحقيق هذا. وهي مدفوعة بقوة بالأعمال التجارية، وينظر إليها نظرة إيجابية على الصعيد السياسي".
وتشير بيانات مجموعة بورصات لندن إلى أن تقييمات أسواق الأسهم الأوروبية، قياسا على معدل السعر إلى الأرباح، انخفضت في السنوات الأخيرة مقارنة بالوضع في السابق ومقارنة بالسوق الأمريكية.
وقال دييجو لوبيث من مؤسسة جلوبال إس.دبليو.إف لتتبع صناديق الثروة السيادية "التقييمات الجذابة وانخفاض التدقيق الاستثماري والمخاطر الجيوسياسية هي أسباب وجيهة للمستثمرين (من دول مجلس التعاون الخليجي)". وأشار إلى تركيزهم على أصول البنية التحتية والطاقة.
وذكرت تقارير أنه في الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، عرقلت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، التي تراجع التداعيات الأمنية الوطنية للاستثمارات الأجنبية، امتلاك أطراف من الشرق الأوسط لأصول معينة.
وقالت بلومبيرغ نيوز في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إن إدارة الرئيس جو بايدن أجبرت شركة رأس مال استثماري مدعومة من أرامكو السعودية على بيع أسهمها في شركة ناشئة في وادي السيليكون تعمل في مجال رقائق الذكاء الاصطناعي ويدعمها سام ألتمان، المؤسس المشارك في شركة أوبن أيه.آي.
وفي أوروبا، تخضع الصفقات عبر الحدود لتدقيق من كل دولة، على الرغم من أن المفوضية الأوروبية تسعى إلى تحقيق قدر أكبر من التنسيق في الرقابة.
وقال لوبيث إن التدقيق أخف عموما مما هو عليه في الولايات المتحدة مضيفا "أنشأت بعض دول الاتحاد الأوروبي هيئات وطنية تشبه لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة لكنها أكثر تساهلا بشكل عام".
لكن الأمر ليس سهلا بالمرة. فقد انهارت في الشهر الماضي محادثات بين شركة طاقة في أبوظبي وأكبر مساهم في شركة ناتورجي حول استحواذ مقترح على شركة الطاقة الإسبانية التي تبلغ قيمتها 22 مليار دولار، ويرجع هذا الانهيار جزئيا إلى خلافات حول الحوكمة في المستقبل، وفقا لأشخاص لديهم معرفة مباشرة بالمناقشات.
ورفض التعليق كل من شركة كريتيريا حاملة الأسهم و شركة أبوظبي الوطنية للطاقة المدعومة من الدولة، وشركة ناتورجي.
وقد تكون المخاوف التنظيمية أهون في أوروبا عن الولايات المتحدة، لكن الشركات التي تسعى إلى إقامة شراكات في الاتحاد الأوروبي تواجه أيضا عقبات سياسية.
فقد أعلنت الحكومة الإسبانية معارضتها لاستحواذ شركة الاتصالات السعودية (إس.تي.سي) على حصة في شركة تليفونيكا، وما زال يتعين على شركة الاتصالات السعودية تحويل جزء من حصتها، التي تتكون من 4.9 بالمئة في شكل أسهم وأدوات مالية تمنحها خمسة بالمئة أخرى، إلى أسهم تصويتية، وهو ما يتطلب موافقة الحكومة.
ولم تصدر مدريد أي بيان معلن بشأن هذا التحويل لكنها استثمرت نحو 2.3 مليار يورو لشراء 10 بالمئة في المجموعة لموازنة استحواذ شركة الاتصالات السعودية.
وفي بريطانيا، لم يوافق المسؤولون على استحواذ شركة الاتصالات الإماراتية "إي آند" على 14.6 بالمئة في فودافون إلا بعد أن أمروا مجموعة الاتصالات البريطانية باتخاذ خطوات لمعالجة مخاطر الأمن القومي التي قالوا إن الصفقة قد تنطوي عليها.
ومنعت بريطانيا أيضا في نهاية المطاف خطة استحواذ مجموعة مدعومة من أبو ظبي على صحيفة التليغراف البريطانية. وتستغرق عمليات الربط وقتا أيضا.
فقد بدأت محادثات أدنوك مع كوفيسترو منذ أكثر من عام، وفي النمسا، تجري منذ عام مناقشات بين أدنوك ومجموعة النفط والغاز أو.إم.في لإنشاء شركة عملاقة للمواد الكيميائية بمبيعات سنوية مجمعة تزيد على 20 مليار دولار. ورفضت أدنوك التعليق.
وقال مارتن من شركة لينكليترز إن بعض الصفقات تستغرق وقتا أطول لإتمامها بسبب قوانين مكافحة الاحتكار وزيادة التدقيق في المستثمرين الأجانب.
وأضاف "في بعض القطاعات الاستراتيجية، يخضع على الأرجح للتدقيق والفحص أي مستثمر من خارج أوروبا يقوم باستثمارات مادية في أحد الأصول الأوروبية. وهذا يضيف مستويات من التدقيق والتعقيد".