
عراقيون يجربون زراعة الأرز بأصناف مقاومة للجفاف
النجف (العراق) - استأنف العراق زراعة الأرز بعد حظر دام عامين بسبب ندرة المياه، ويختبر سلالة منه تستهلك مياها أقل مقارنة بالسلالات المزروعة بالطرق التقليدية.
فبعد سنوات شهد خلالها على تآكل أرضه تدريجيا، يواجه المزارع منتظر الجوفي الجفاف وشح المياه في العراق عبر زراعة الأرز بطرق ري حديثة وبذور مقاومة للحر.
وتبدأ زراعة الأرز في العراق عادة في يونيو/حزيران وتنتهي بالحصاد في نوفمبر/تشرين الثاني. ويزرع البلد عدة أنواع من الأرز، أشهرها أرز العنبر المعروف برائحته ونكهته الفريدتين.
ويعمل خبراء لدى وزارة الزراعة، على وقع الجفاف الذي أنهك البلاد طوال أربع سنوات، على تجارب يأملون من خلالها إنقاذ إنتاج الأرز، وعلى رأسه العنبر الحاضر على كل مائدة عراقية.
ويعمد هؤلاء إلى تطوير بذور جديدة، بينها ما هو تركيبة وراثية من العنبر، وزرعها عبر استخدام المرشات بدلاً من طريقة الغمر التقليدية التي تتطلب أن يبقى الأرز مغمورا بالمياه على مدى خمسة أشهر، الأمر الذي لم يعد متاحا بسهولة جراء الجفاف.
ويقول الجوفي (40 عاما)، وهو يتصبب عرقا أثناء تنقله في أرضه في محافظة النجف (وسط)، إنها "المرة الأولى التي بدأنا فيها الزراعة بالطرق الحديثة عبر الري بالمرشات".
ويضيف الرجل الذي يعمل في الزراعة منذ 15 عاما بأن "الفرق كبير جدا" مقارنة بالغمر.
وكان وكيل وزارة الزراعة مهدي سهر الجبوري قال لرويترز إنه "تم تخصيص 150 كيلومترا مربعا لزراعة الأرز هذا الموسم"، ويتوقع إنتاجا قدره 150 ألف طن. ويتزامن ذلك مع تأكيد مسؤولين على أن المياه أكثر وفرة بسبب هطول الأمطار الغزيرة في فصل الشتاء والفيضانات ووعود بتدفق المزيد من المياه من تركيا.
وتحتاج زراعة الأرز وبينه العنبر إلى ما بين 10 و12 مليار متر مكعب من المياه خلال الموسم الواحد، لكن الخبراء يقولون إن المرشات تستهلك 30 في المئة فقط من كمية المياه.
لم يتمكن الجوفي العام الماضي من زراعة أرضه تماما بسبب شح المياه، لكنه اليوم يتنقل بين المرشات للتأكد من أنها تعمل بالشكل الصحيح غير آبه بالشمس الحارقة ودرجات الحرارة التي تلامس 50 درجة مئوية.
ويوضح الجوفي أن المزارعين كانوا في السابق يقضون وقتهم في ضمان تدفق المياه بالطريقة الصحيحة، وأما اليوم "فيقوم شخص واحد بتشغيل المرشات، لتسقي الأرض بصورة صحيحة (…) ولا يبقى موقع لا تصله المياه التي تطال جميع الجهات بالتساوي".

ويعد العراق الذي يتعافى من عقود من النزاعات والفوضى من الدول الخمس الأكثر تأثرا بالتغير المناخي، وفقا للأمم المتحدة.
وتسبب الجفاف بخفض إنتاج الأرز بشكل هائل في العراق، فبعدما كانت مساحات الأرز تتخطى 300 ألف دونم، بمعدل إنتاج 300 ألف طن، لم يزرع في عام 2023 سوى خمسة آلاف دونم فقط، وفق خبراء في وزارة الزراعة.
وكان العراق يزرع معظم إنتاجه من الأرز ويصدر القمح والشعير قبل عقود، وفي وقت من الأوقات كان أكبر مصدر للتمور في العالم إلى أن أضرت ملوحة التربة وسوء أنظمة الري والجفاف وصراع على مدى عقود بقطاعه الزراعي، ليتحول إلى مشتر رئيسي في الأسواق العالمية.
وأشار مسؤولون في مجلس النواب (البرلمان) إلى أن العراق يظل بحاجة إلى استيراد نحو 1.25 مليون طن من الأرز هذا العام لتلبية الطلب المحلي، وهو نفس مستوى العام الماضي.
وبعدما سئم مزارعو الأرز من رؤية حقولهم وقد باتت أشبه بالصحراء، كان لا بد من إيجاد طرق للتأقلم مع الظروف القاسية المفروضة عليهم.
ويقول المسؤول في برنامج إكثار بذور الأرز لدى وزارة الزراعة عبدالكاظم جواد موسى "جراء الجفاف وشح المياه، كان لا بد لنا من استخدام تقنيات ري حديثة وبذور بتركيبات وراثية جديدة".
ويتابع "الأمر الأهم هو استخدام التقنيات الحديثة في زراعة الأرز لمقاومة شح المياه"، مشيرا إلى أن فريق الخبراء يسعى إلى إيجاد المزيج الأفضل بين طرق الري والبذور.
ويجرب الخبراء طرق ري باعتماد أنواع مختلفة من المرشات، بينها الصغيرة والثابتة أو تلك التي تتنقل داخل الحقل، والري بالتنقيط، كما يعملون على خمس أنواع بذور مختلفة أقل استهلاكا للمياه.
ويوضح موسى بأنه وفريقه يريدون "اختبار التراكيب الوراثية لتحديد أي من هذه الأصناف يتحمل عملية الري بالمرشات" بدلاً من الغمر.
وتمكن علماء الزراعة العراقيون من تطوير سلالة جديدة من الأرز أطلق عليها اسم "الغري"، وهي هجينة من صنفي العنبر والياسمين وأصله من جنوب آسيا ويمكن زراعتها باستخدام الرشاشات الثابتة دون الحاجة للغمر. وزُرعت هذه السلالة على نطاق صغير تجريبي هذا الموسم بعد تجربتها في محطة أبحاث المشخاب العام الماضي.
وبعدما حقق الخبراء نتائج إيجابية العام الماضي مع بذور الغري، قدموها لمزارعين مثل الجوفي لتحديد مدى نجاحها.
وقال الجبوري في مقابلة مع رويترز إن هناك خططا للتوسع في زراعتها في المواسم المقبلة، مضيفا أن المزارعين الذين يعتمدون أساليب زراعة حديثة مثل أنظمة الرش سيحصلون على حوافز مشابهة للدعم المقدم لإنتاج القمح ومنها رفع أسعار منتجاتهم.
ويلفت جواد "في نهاية الموسم (…) سنخرج بتوصيات حول أي مرشات يجدر استخدامها وأي صنف بذور ملائم لها"، آملاً أن يسهم ذلك في زيادة "مساحة الأراضي المزروعة بالأرز".
وأرغم الجفاف كثر على هجرة الزراعة والنزوح بعيدا عن أراضيهم، كما عمدت السلطات إلى تقنين استخدام المياه وتقليص الأراضي الزراعية لتوفير مياه الاستخدام اليومي للسكان البالغ عددهم 43 مليون نسمة، لاسيما خلال الصيف.
وفي 2022، قلصت السلطات مساحات زراعة الأرز إلى 10 آلاف دونم فقط في محافظتي النجف والديوانية (جنوب العراق)، المعقلان الرئيسيان لتلك الزراعة وخصوصا العنبر.
وتظاهر خلال الفترة الماضية، العشرات في الديوانية لمطالبة الحكومة بالسماح لهم بالعودة إلى أراضيهم بعد توقف لعامين. لكن السلطات لم تسمح لهم العام الحالي بزراعة سوى 30 في المئة من حقولهم، وفق قولهم.
وسمحت الحكومة بزراعة الأرز للموسم الحالي 2024 في خمس محافظات هي النجف والديوانية والمثنى وذي قار وبابل، وخصصت الحصة الأكبر للنجف.
ويقول المزارع فائز الياسري (57 عاما)، الذي هرع لزراعة جزء من أرضه، إن "2020 كانت آخر سنوات الوفرة ومن بعدها الجفاف".
وفي محاولة لتوفير بعض المياه، يؤكد الياسري بأنه سيقوم بحراثة الأرض وتعديلها قبل غمر بذور الأرز معتمدا الطريقة التقليدية، داعيا السلطات إلى تزويد الفلاحين بالمبيدات والكهرباء في بلد يعاني من أزمة طاقة مزمنة.
وبرغم اعتقاده أن "الربح ليس بكثير" هذه المرة، يقول الياسري "نتحمل من أجل إعادة بذور العنبر والياسمين".
وبعكس الياسري، فقد ابن عمه باسم (30 عاما) الأمل بعودة زراعة الأرز بحيث أن المعوقات كبيرة وبات يصعب التغلب عليها، قائلا "سمحوا لنا بزراعة نسبة من الأرض لكن ليس هناك مياه أو كهرباء"، متابعا "الزراعة انتهت نهائيا بسبب شح المياه… انتهى الشلب" في إشارة إلى نبات الأرز كما يُعرف في العراق.