الأزمات تضع السودان على حافة انهيار كارثي
الخرطوم - يواجه السودان الغارق منذ قرابة 16 شهرا في حرب بين قوات الدعم السريع والجيش، فيضانات واسعة تضرب خصوصا شمال البلاد وشرقها، ألحقت أضرارا بالبنى التحتية وقضت على محاصيل وشرّدت عائلات بكاملها.
ووجّهت سلطات ولاية كسلا الواقعة على الحدود الشرقية للبلاد مع إريتريا الجمعة "نداء عاجلا" إلى المجتمع الدولي مطالبة بمساعدة فورية "لإنقاذ آلاف الذين تضرروا" جرّاء السيول والأمطار، مشيرة الى أن "آلاف المنازل تهدّمت".
وفي وادي حلفا في شمال البلاد قرب الحدود مع مصر، أفادت السلطات المحلية عن "تضرّر أكثر من ثلاثة آلاف منزل ومرافق صحية وخدمية".
وتحت خيمة تحمل شعار الأمم المتحدة في كسلا، تقول آمنة حسن "فقدتُ والدي في أمطار الأسبوع الماضي" التي دفعت آلاف الأشخاص إلى النزوح في بلد يشهد حربا مدمّرة.
ويقول محمد عثمان من سكان وادي حلفا "أتحدث معكم من على تلة صخرية أمضينا عليها ليلة أمس مع عشرات الأسر بعدما حاصرتنا المياه من كل اتجاه".
وتأثّر أكثر من 73 ألف سوداني من السيول والفيضانات، وفق ما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، بينهم أكثر من 21 ألفا اضطروا للنزوح، فيما خسر 14 الف و ثلاثمائة شخص شخص منازلهم.
وينتشر الذباب بكثافة في كسلا، رغم رش السلطات الصحية المبيدات الحشرية، ما يزيد من تعقيدات ظروف العيش في مخيمات النازحين.
وقال طبيب، طلب عدم نشر اسمه، إن الأمطار الغزيرة تحمل مخاطر صحية، مشيرا إلى حالات إسهال في صفوف الأطفال خصوصا.
وهذا ليس النزوح الأول للكثير من المتضرّرين، فقد حصدت الحرب الدائرة منذ أبريل/نيسان من عام 2023، آلاف الأرواح ودفعت عشرات الملايين إلى النزوح داخل البلاد وخارجها.
وتفيد الأمم المتحدة أن أكثر من 260 ألف شخص نزحوا إلى ولاية كسلا بسبب الحرب، على غرار عمر بابكر وعائلته.
ويقيم بابكر الآن في خيمة للنازحين. ويقول "كنّا نعيش في مركز إيواء في وسط المدينة غمرته المياه الأسبوع الماضي"، مضيفا "نُقلنا الى هنا ومرة أخرى طوّقت مياه الأمطار خيامنا".
وفي بلدة أروما الواقعة على بعد حوالى 40 كيلومترا شرق المدينة، حاصرت المياه أيضا المنازل ما اضطر السكان إلى اللجوء الى جانب طريق يربط كسلا ببورتسودان.
وحذّرت المنظمات الإنسانية من أن موسم الأمطار قد يتسبّب بعزل مناطق بكاملها ما يجعل عمليات الإنقاذ أكثر صعوبة.
وقالت الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أولغا سارادو "بعض الأشخاص نزحوا ثلاث أو أربع مرات منذ بدء النزاع. وفقدوا مقتنياتهم وليست لديهم وجبات طعام".
وأضافت "يواجهون تحديات كبيرة للوصول إلى مياه نظيفة ومرافق صحية، ما يزيد من خطر انتشار أمراض تنتقل عبر المياه". وتمتدّ خيم النازحين على خمسة كيلومترات مربعة غرب مدينة كسلا.
وتقول النازحة فتحية محمد وهي تحاول إيقاد النار لإعداد الطعام لأطفالها "هذه الخيم لا تحمي من المطر ونحن ما زلنا في بداية الموسم"، مؤكّدة "حتى إشعال النار صعب بفعل الرطوبة".
وعلى غرار النازحين الآخرين المحرومين من كل شيء تعتمد فتحية محمد على وجبة طعام واحدة توفّرها مطابخ المخيّم الذي يعمل فيه متطوعون.
وتقول سمر إحدى المتطوعات في مطبخ المخيم "نعرف أن الوجبة غير كافية لكن هذا ما نستطيع تقديمه".
وحذرت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة الاثنين من أن السودان وصل إلى "نقطة انهيار كارثية"، مع توقع تسجيل عشرات الآلاف من الوفيات التي يمكن تفاديها جراء الأزمات المتعددة.
وأشارت المنظمة إلى أنّ المجاعة والفيضانات أُضيفت إلى قائمة التحديات التي يواجهها ملايين الأشخاص في البلاد التي مزّقتها الحرب، في ظلّ أكبر أزمة نزوح في العالم.
وقال عثمان بلبيسي المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة، في بيان "هذه الظروف ستستمر وتزداد سوءاً إذا استمر الصراع والقيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية".
وأضاف "بدون استجابة عالمية فورية واسعة النطاق ومنسقة، فإننا نخاطر بأن نكون شاهدين على عشرات الآلاف من الوفيات التي يمكن تفاديها في الأشهر المقبلة. نحن عند نقطة الانهيار، نقطة انهيار كارثية".
ويشهد السودان حربا منذ أبريل/نيسان 2023 بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو والجيش الذي يقوده عبدالفتاح البرهان، أوقعت إلى الآن عشرات آلاف القتلى وأدت إلى أزمة إنسانية.
وأشارت المنظمة الدولية للهجرة إلى أنّ الأرقام الأخيرة أظهرت أنّ هناك أكثر من 10.7 ملايين نازح داخلياً، وقد نزح العديد منهم عدّة مرّات.
وفي الوقت نفسه، فرّ 2.3 ملايين شخص عبر الحدود إلى الدول المجاورة.
ووفق المنظمة الدولية للهجرة، فقد أدّت الفيضانات إلى تشريد أكثر من 20 ألف شخص منذ يونيو/حزيران في 11 من ولايات السودان الثماني عشرة، مشيرة في الوقت ذاته إلى تدمير البنية التحتية بفعل هذه الفيضانات، ممّا أدّى إلى تعطيل وصول الإمدادات الحيوية.
وبالمجمل، نزح أكثر من 45 ألف شخص خلال الأسبوعين الماضيين، وفر أكثر من 38 ألفاً منهم عبر الحدود.
وبحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الذي تعتمده الأمم المتحدة، فقد دفع الصراع مخيّم زمزم بالقرب من مدينة الفاشر المحاصرة في دارفور إلى المجاعة.
من جهتها، أفادت المنظمة الدولية للهجرة بأنّ الظروف الإنسانية والحماية في السودان تعدّ "من بين الأسوأ في العالم".
وقالت إنّ "القيود على وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك العوائق التي فرضها طرفا النزاع، حدّت بشدّة من قدرة منظمات الإغاثة على توسيع نطاق عملها وإنقاذ الأرواح، وخصوصا خلال موسم الأمطار الحالي".
وأكدت أنّ هناك حاجة إلى "تمويل عاجل من أجل أولئك الذين ما زالوا في حاجة ماسّة إلى الغذاء والمأوى والمياه والخدمات الصحية والحماية المتخصّصة".