سياسة إيران المائية تعمق أزمة المياه في كردستان

السلطات الإيرانية تجعل من النزاع المائي مع العراق بندا فرعيا ضمن المناقشات الجيوسياسية.

طهران – تواجه الجهود الديبلوماسية بين العراق وإيران خلافات وتوترات إقليمية في ظل تفاقم الأزمة المائية بتوالي سنوات من الجفاف واستمرار طهران في بناء السدود والتحكم في تدفق المياه.

وعلى أطراف كردستان العراق تطلّ قلعة دزة على نهر الزاب الصغير الذي ينبع من طهران المجاورة، غير أن سكان البلدة الذين يقارب عددهم 90 ألفا يعانون من شحّ مزمن في المياه.

وتبعد القلعة المحاطة بالتلال نحو 30 كيلومترا فقط عن الحدود مع إيران. ويشقّ الزاب الصغير طريقه عبر الوادي الذي تنتشر حوله أراض زراعية وكذلك مزارع للأسماك. وكانت مياه النهر تستخدم للشرب وللري، لكن التغير المناخي وإقدام السلطات الايرانية على بناء سدّ قرب الحدود مع العراق، وفق العراقيين، تسببا بتراجع كمية مياهه الى حدّ كبير.

ويقول المهندس مارف كريم (40 عاما) الذي يدير مشروعا لتطهير المياه في قلعة دزة "نحن يوميا نتابع مستوى المياه في المشروع وبشكل عام نلاحظ انخفاض مستوى المياه بالعين المجردة وقد تسبّب ذلك بدمار بيئة المنطقة".

ويشير الى أن النهر كان يأتي بسبعة مليارات أمتار مكعّبة من المياه سنويا لإقليم كردستان. غير أن منسوبه بدأ يتراجع منذ العام 2017، بعدما بنت إيران سدّ كولسه ما أحدث "مشاكل في مياه الشرب ومشاكل بيئية في المنطقة" طال بعضها "أحواض تربية الأسماك والمياه الجوفية".

وأصبح قعر الزاب الصغير في الصيف مكشوفا على مساحات كبيرة لا تظهر فيها سوى حجارة صغيرة بيضاء.

وبهدف تأمين مياه الشرب اللازمة لسكان قلعة دزة، قامت محطة معالجة المياه التي يديرها كريم ببناء سدّ صغير يحجز تدفّق النهر، غير أن "جودة المياه لم تعد كما كانت من قبل"، مضيفا "نحتاج إلى المزيد من المواد لتنقية المياه حتى تكون صالحة للشرب".

ووفق الأمم المتحدة، يُعدّ العراق الذي يشهد موجات جفاف قاسية وارتفاعا شديدا بدرجات الحرارة وتراجعا في المتساقطات، من بين الدول الخمس الأكثر تأثّرا ببعض أوجه التغيّر المناخي.

لكن في قلعة دزة تحديدا، تواجه دبلوماسية المياه خلافات وتوترات إقليمية حتمية في ظلّ ظروف مناخية تزداد حدّة في المنطقة. وينبع نهر الزاب الصغير، وهو أحد روافد نهر دجلة، في إيران التي تعاني هي أيضا من الجفاف.

وفي صيف العام 2023، أكّدت مصلحة الأرصاد الجوية في محافظة أذربيجان الغربية الإيرانية الحدودية مع العراق، أن أكثر من نصف مساحة أراضيها تشهد "جفافا حادا جدا".

وتقول الباحثة في معهد "كروك" في جامعة نوتردام الأميركية بنفشه كينوش إنه على الرغم من بناء سدود عدّة منذ تسعينات القرن المنصرم "أدركت إيران في العام 2017 أنها لا تزال تخسر نحو ثلثَي مياهها لصالح العراق، ومن شأن هذه الخسارة أن تؤدّي إلى شحّ في المياه داخل طهران بحلول العام 2036" مضيفة "لذلك بنت الحكومة الايرانية أكثر من مئة سدّ جديد لإعادة توجيه تدفّق المياه المتجهة إلى بغداد نحو خزاناتها الخاصة".

وتحاول بغداد حاليا إقناع حليفتها الكبرى طهران بمشاركتها في المياه، غير أن السلطات الايرانية جعلت من "النزاع المائي بندا فرعيا ضمن المناقشات الجيوسياسية الأوسع بين البلدين".

وتوضح الباحثة أن "أي تقدّم في حل هذه القضية مشروط كذلك بالمفاوضات السياسية والجيوسياسية" حول قضايا أخرى والجارية مع كلّ من بغداد وإقليم كردستان الذي يحظى بحكم ذاتي.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني "قررت إيران إطلاق بعض مياه نهر الزاب نحو العراق فقط من أجل خفض بعض التوترات مع حكومة إقليم كردستان".

وترى الخبيرة أنه "كانت هناك بالتأكيد عوامل سياسية وراء هذه الخطوة بالإضافة إلى اعتبارات بيئية وعوامل إنسانية أخرى" نظرا إلى "الأهمية الحيوية بالنسبة لطهران" الكامنة في تجنّب "أي اضطرابات كبيرة على حدودها".

ويؤكد كوجر جمال مدير سدّ دوكان الواقع على الجانب العراقي من النهر أن "قطع إيران للمياه لا يؤثر علينا" إنما فقط على البلدات الواقعة شمال السدّ وأبرزها قلعة دزة ورانية.

ويقول إن منسوب المياه ارتفع هذا العام في السدّ مقارنة بالعام الماضي بفضل "كمية الأمطار التي هطلت في الشتاء والربيع".

ويحاول العراق مكافحة الهدر في الداخل، واعدا ببناء سدود ومشجعا المزارعين على التخلّي عن أساليب الريّ التقليدية التي تشمل غمر الحقول بالمياه.

ويرى قائم مقام قلعة دزة بكر بايز (59 عاما) أن "مشكلة إدارة المياه بطبيعتها مشكلة سياسية"، موضحا أنها "تقع ضمن صلاحيات الحكومة الاتحادية وليس حكومة الإقليم".

ويضيف "لهذا السبب لم تنجح حتى الآن محاولات إيجاد حلّ دائم للأزمة مع الجار الإيراني"، مشيرا الى أن المزارعين ليس لديهم ما يكفي من المياه لريّ مزارعهم، فيما تأثر أيضا مربو الأسماك، إذ تضرّر "200 حوض من أصل 257 بشكل كبير نتيجة قطع المياه من الجانب الإيراني.

وجلس علي حسين (50 عاما) بجوار حفرة ضخمة في أرضه يراقب جرّافة تعمل في أرض وعرة وموحلة ومليئة بالحجارة لتعميق البئر في أرضه بغية الوصول إلى المياه الجوفية وإنقاذ مزرعة أسماكه.

ويقول "إنه اليوم الثالث الذي نعاني فيه من انخفاض منسوب المياه"، مضيفا "عندما تنخفض المياه ولا تتغير مياه الحوض، سيصبح الماء حارّا ما سيؤدي إلى موت أسماكنا التي تحتاج إلى ماء بارد". وحذّر من أن نفوق الأسماك سيمثل خسارة مالية لا تقل عن 13 ألف دولار.

ويقود الفلاّح عمر محمد (48 عاما) الجرّافة، قائلا "زراعتنا كلها فشلت" بسبب الريّ المتقطّع، مضيفا "إذا لم يكن لديك الماء الكافي لريّ زراعتك فسوف تجفّ". وتابع "أحد جيراني زرع المانغو وآخر زرع الفراولة، والزراعتان فشلتا".