
علي الغربي تونسي يشكل أعمالا فنية بلمسة الطبيعة من حطام السفن
تونس - من بقايا الخشب الذي يلفظه البحر يشكّل الفنان الايكولوجي التونسي علي الغربي لوحات فينية وتحفا بعد أن تعمل العوامل الطبيعية من ملح وشمس وأمواج على إعادة صقل الخشب وإكسابه ألواناَ وأشكالاً وملمساً مميزا.
وكعادة أغلب أهالي مدينته الساحلية وقع علي الغربي ابن مدينة قليبية والقاطن في حمام الشاطئ بضاحية حمام الأنف الشاطئية جنوب العاصمة في غرام البحر المتوسط ففجرت هذه العلاقة موهبةً لدى الرجل جعلت منه فنانا تشكيلا يجسد مدنا تونسية تاريخية وسياحية من حطام السفن وعظام الكائنات البحرية.
يقول علي الغربي "أنا أصيل مدينة قليبية الساحلية (شمال شرق) أعمل على الخشب الذي يلقي به البحر منذ 15 عاما"، مضيفا "أنا أستاذ في التكوين المهني وفي وقت الفراغ أعمل على ترتيب أشياء في المنزل ثم شغفت بالتصوير الفوتوغرافي مثل تصوير المدينة العتيقة بالعاصمة تونس والأماكن القديمة والمشاهد الطبيعية والبحر، وبعد فترة تكوّن لدي ألبوم هام، وبعد التشبع بتلك الصور والمناظر الطبيعية انتقلت إلى إبداع جديد".
ومتحدثا عن مسار اختصاصه الحالي، قال "بحثت عن المادة التي سأعمل عليها فهناك من يعمل على التصوير الزيتي أو الطين أو الصخور وغيرها"، موضحا "جربت عديد المواد إلى أن وصلت لاختيار الخشب الذي يلقيه البحر كأحسن مادة يمكنني العمل عليها، فعندما تنظر إليه تعتقد أن عمره مئات السنين، ويتخذ أشكالا طبيعية رائعة".
وتابع "هذا الخشب مشبع بملح البحر وعندما يلقي به البحر يجف على أشعة الشمس على الشاطئ فيصبح جافا ومالحا في نفس الوقت فيصمد لمئات السنين، وعندما تنجز به عملا يبقى لمئات السنين وكذلك اللوحات التي تُنجز به".
وأضاف أن "هذا الخشب فيه نوعان، خشب الغابة الذي تلقي به الأودية في البحر وكذلك خشب بقايا السفن التي تتكسر في البحر وما يتركه النجارون من فضلات صناعة الأثاث أو القوارب ويصل إلى البحر".

ويروي الفنان التونسي "عملت في البداية على خشب الغابة ولكن أمام نقص الأمطار في السنوات الأخيرة لم يعد يصل خشب من الأودية إلى البحر"، متابعا "لكي لا أبقى عاطلا بحثت عن خشب كنت أراه على الشاطئ ولا أستعمله وهو خشب بقايا السفن والقوارب والأثاث وهذا الخشب أعانني على إبداع لوحات تشكيلية، فعملت على عدة مدن سياحية مثل قليبية وأنجزت حولها لوحة تمثلت فيها المنطقة الأثرية مثل برج قليبية والمدينة العتيقة والبنايات القديمة".
وأردف "كما عملت على مدينة الحمامات (شمال شرق) وميناء بنزرت القديم (شمال) وسيدي بوسعيد، وعملت كثيرا على قرقنة (وسط شرق)، وهي جزيرة رائعة يحبها كثيرون، خاصة أبناؤها الذين عاشوا فيها مدة ثم غادروها ". كذلك "عملت على جربة (جزيرة/ جنوب شرق) كثيرا وشنيني والدويرات (جنوب شرق)، وأكثر القرى التي تعجبني هي القرى المعلقة مثل تكرونة (شمال)".
ومن أهم المدن التي عمل عليها أيضا "مدينة تونس العتيقة وهي مدينة في منطقة مرتفعة، هي جميلة لأن فيها عدة مستويات للارتفاع وبإمكانك أن ترى كل منازلها والشمس تسطع في كل بيت".
وعن رحلة انتشار فنه، قال الغربي "منذ بدأت العمل في 2009 كانت شبكة الفيسبوك موجودة وأنشأت صفحة لعرض أعمالي"، متابعا "غيرت اسمها كثيرا حتى استقر منذ 4 سنوات تحت إسم الإبداع بالخشب اسم "bois creation" الذي قمت بتسجيله في المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة".
وعودة إلى البدايات، يروي الغربي "بدأت العمل على لوحات لعائلتي وعلى الأباجورات ولوحات بسيطة"، موضحا "وشيئا فشيئا بدأت تطوير أعمالي من البسيط إلى المعقد، ووصلت إلى إنجاز أعمال فريدة ومَن يرى أعمالي في العالم يعرف أنها من إنجازي".
وأشار "نشر أعمالي على صفحتي على الفيسبوك توسعت بنشرها على صفحات عالمية"،
لافت الى أن "كثير من الأجانب تحرك فيهم الحنين إلى مدن تونسية عاشوا فيها وخاصة سيدي بوسعيد، فتلقيت رسائل كثيرة تتحدث عن ذكرياتهم مع المدن التونسية، وعبَّروا عن أمنياتهم بحيازة اللوحات".
مسيرة الغربي الفنية أوصلته إلى الحصول على بطاقة فنان تشكيلي محترف بعد تقديم ملف كامل لاتحاد الفنانين التشكيليين عام 2022. وحاز الجائزة الأولى في معرض الصناعات التقليدية عام 2023، بفضل إبداع منتوج صديق للبيئة عن لوحة لمدينة شنيني المسجلة كتراث عالمي لدى منظمة الأمم المتحدة للعلم والتراث والثقافية (يونسكو).

ووفق الغربي فإن "كل ما هو موجود في الطبيعة يمكن صياغته فنيا وهذا ما يتميز به الفنان عن الناس العاديين"ن مضيفا "كل ما يراه الناس عاديا يراه الفنان غير عادي ويمكنه إنجاز لوحة فنية أو تحفة منه، فبقايا خشب البحر يستعمله الناس لإشعال النار، ولكن أنا أطفئه واستغل بقاياه في إنجاز لوحاتي".
وتابع "ما ربحته من هذه الأعمال هو أن ديكور منزلي يتبدل كل شهر".مستطردا "وبعد أن عرفني الناس أصبحوا يرون خشب الشواطئ بعين أخرى وليس ذلك الشيء المهمل، فيأتون لي بكميات منه وأُهديهم لوحات لقاء ذلك".
وأشار الغربي إلى أن الدولة كانت تسعى لإنشاء متحف وطني للفن الحديث والمعاصر يجمع أعمالا فنية منذ الدولة الحسينية 1705-1956 إلى اليوم، وافتُتح في سبتمبر 2022".
وأردف "فبعد أن كانت اللوحات مكدسة في مخزن بقصر السعيد، فكرت الدولة في صيانة تلك اللوحات وعرضها بمدينة الثقافة (في العاصمة)"، مشيرا "عندما انتشرت أعمالي تواصل معي المسؤولون للحصول على بعضها".
وتابع "أهديت رئاسة الحكومة لوحة تلخص المعالم المحيطة بالقصبة (جامع العاصمة) مثل الصادقية (1875م) وجامع يوسف داي (1610م) وجامع القصبة (1231م)، وهي معلقة الآن في مكاتب رئاسة الحكومة".
وبكل مرارة، تحدث الغربي عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قائلا "أحداث غزة مثلت ضغطا كبيرا عليَّ من خلال فظاعة المشاهد وشيئا فشيئا جاءتني فكرة لإنجاز عمل حولها"، متابعا "في البداية أنجزت إطارا لمرآة من الخشب وعظام كائنات البحر والبعض أعتقد أنها عظام آدمية والحال أنها عظام أسماك وسلاحف ألقى بها البحر وهي لوحة تحيل إلى الموت وخشب وعظام هذه اللوحة جمعتها على مدى 5 سنين".

وأضاف "بعد المرآة ومع طول زمن الحرب، أنجزت لوحة خاصة بغزة يتوسطها علم فلسطين أهديتها لسفارة فلسطين بتونس".
وعن هذا اللوحة، قال "استعملت فيها الخشب والعظام وترى فيها العمارات المدمرة بفعل قصف آلة الحرب الإسرائيلية .كما ترى في اللوحة دبابة الميركافا تقصف الناس العزل وجه لوجه، والمسجد الذي قُصف أثناء صلاة التراويح في رمضان الماضي والعظام المستعملة في اللوحة وضعتها واقفة للقول بأنه لنا شهداء ولكننا واقفون".
وأضاف "عندما نشرت هذه اللوحة على صفحتي على فيسبوك تعرضت لهجوم من الصهاينة وكدت أفقدها"، مردفا "بقيت عندي مدة ثم تواصلت مع سفارة فلسطين لأهديهم هذا العمل وفعلا قبلوه، وهو موجود في معرض السفارة الدائم بمقرها بتونس".
وختم الغربي "من تداعيات هذه اللوحة أن قلت زيارة المهتمين الأجانب بلوحاتي وخاصة الأميركيين، تعبيرا منهم عن رفضهم لكشف جرائم إسرائيل".