الخداع بطلا لرواية 'منزلنا' للكاتبة لويز كاندليش
هل يمكنك تخيل العودة إلى المنزل يومًا ما لتجد غرباء ينقلون أمتعتهم إلى منزلك؟ تفريغ الأشياء ووضعها بعيدًا بينما تقف هناك في حالة صدمة؟ حسنًا، هذا بالضبط ما حدث لفيونا لوسون في رواية "منزلنا" للكاتبة الإنكليزية لويز كاندليش التي ترجمها أخيرا عبدالرحيم يوسف وصدرت عن دار جليس بالكويت، والتي تستكشف موضوعات الثقة والخيانة وتعقيدات العلاقات. بفضل بنية السرد المزدوجة وتطور الشخصيات المقنع والكتابة الحادة، حيث تحافظ الروائية على تفاعل القراء وتوترهم حتى النهاية. إنها رواية مثيرة للاهتمام لأي شخص يستمتع بالحكايات الشيقة ذات العمق العاطفي.
تعيش لوسون في ضاحية لندن الراقية، ودائمًا ما تشعر بوخز دافئ عندما تدخل الشارع المؤدي إلى منزلها. ومع ذلك، في هذا اليوم الشتوي الجميل بالتحديد، ترصد شاحنة نقل خارج منزلها - لكن لا يمكن أن يكون منزلها، المنزل الذي يقع على بعد بضعة أبواب كان معروضًا للبيع، يجب أن يكون هو المنزل. عندما تصل إلى منزلها، تدرك أن شخصًا ما ينقل أثاثه وممتلكاته الشخصية إلى داخل منزلها، في هذه اللحظة تشعر أن مطرقة ثقيلة سقطت على رأسها، لكنها ستصلح الأمر (أليس كذلك؟) إنه مجرد خطأ سخيف بالتأكيد. حسنًا، في الواقع لا، إنه ليس خطأ، وهي بحاجة ماسة إلى الاتصال بزوجها المنفصلة عنه "برام"، المشكلة هي أن برام غير موجود في أي مكان، وليس هذا فحسب، بل إن ولديهما هاري وليو ليسا حيث يجب أن يكونا أيضًا.
كانت لوسون البالغة من العمر اثنين وأربعين عامًا، وزوجها السابق برام يتقاسمان حضانة أولادهما، بالإضافة إلى منزلهما في 91 شارع ترينيتي. حيث يقضي كل منهما بضع ليالٍ في الأسبوع مع ولديهما في منزل العائلة الثمين للحفاظ على استقرار أطفالهما.. إنها طريقة جديدة وفريدة من نوعها للقيام بالأشياء. يطلق عليها "حضانة عش الطيور". لكن في الوقت الحالي ليس لدى فيونا أي فكرة عما يحدث. بالإضافة إلى أنها لا تستطيع العثور على برام. تتصل به لكن هاتفه خارج الخدمة، لقد اختفى، في تلك اللحظة، تدرك أن منزلها هو أقل ما يقلقها. أين برام؟ أين أطفالها؟ "وفي تلك اللحظة، يتحول كابوسها اليقظ إلى شيء مرعب للغاية لدرجة أنه لا اسم له". إن النظام الذي تم بناؤه لحماية أسرتهما يتعريض لخطر رهيب.
الرواية مليئة بالمغامرات؛ الاحتيال على الممتلكات، والقتل، والأسرار، والأكاذيب، والخيانة، والخيانة المزدوجة، ليصبح الخداع اللاعب الرئيسي بين شخصياتها، انطلاقا من أن المحتالين قريبون جدًا من منزل كل منا. فبعد عدة أسابيع من اكتشاف لوسون للعائلة الجديدة في منزلها، تظهر في بودكاست يسمى#Victim ، لتروي قصتها من البداية، وصولاً إلى الوقت الذي انتقل فيه برام للمنزل لأول مرة. تأمل في في زيادة الوعي بهذا النوع من الاحتيال العقاري، ومنع الآخرين من الوقوع ضحية للجريمة التي وقعت ضحية لها. ثم لدينا قصة برام، المكتوبة في شكل رسالة إلى متلقي مجهول في نفس الوقت الذي تشارك فيه لوسون البودكاست. يروي الاثنان قصة انفصالهما الزوجي وجريمة الاحتيال. حيث نكتشف عدد الأكاذيب التي كان برام ينسجها حول لوسون ومدى ضآلة معرفتها الحقيقية به، حيث كان يمارس عمليات احتيال وغسيل أموال، ولا يزال مستمرا في الانخراط بها، حتى لم يسلم من احتياله منزل أسرته، فهو حتى وإن بدا محبطًا للغاية خاصة مع العلم أنه في النهاية سوف ينتهى به الأمر إلى الانتحار. لكن برام ليس الوحيد الذي يخفي أشياء، وبعض الأسرار من الأفضل أن تبقى لنفسك، آمنة مثل المنازل.
يبقى أن نشير إلى أن شخصيتي الرواية الرئيسيتان برام ولوسون تشوبهما صفات سيئة. حيث تبدو لوسون لديها موقف متفوق وأناني للغاية بشأن معظم الأمور، وبرام مجرد مخادع خاسر. وتقريبا لا يجمع بين كليهما الكثير من المشاعر. يبدو واضحا صعوبة تصديق اهتمام لوسون بالحب وخاصة أن علاقتها ببرام معزولة تماما، ولم يرهما أحد معًا؟ أيضا لا يوجد ما يدلل على أن أيًا منهما ـ برام ولوسون ـ كان يهتم بمصالح أطفاله، على الرغم من أنهما قالا ذلك شفهيًا. لكن لم تُظهر أفعالهما هذا الحب والاهتمام.
مقتطف من الرواية
لا بد أنها مخطئة، لكن يبدو فعلاً كما لو أن أحدهم ينتقل إلى منزلها.
الشاحنة الصغيرة مصفوفة في منتصف الطريق من جادة ترينيتي، فمها المربع مفغور، وقطعة أثاث كبيرة تنزلق فوق اللسان المعدني المضلَّع. تراقب فاي المشهد، وهي تضيِّق عينيها في ضوء الشمس الناعم -شيء نادر في هذا الوقت من السنة، هدية- بينما يحمل رجلان تلك القطعة من الأثاث بارتفاع الكتف ويمران عبر البوابة ويسيران بها في الممر.
بوابتي. ممري.
لا، هذا غير منطقي: بالطبع لا يمكن أن يكون منزلها. لا بد أنه بيت آل ريس، بعد بيتين من منزلها؛ لقد طرحوا بيتهم للبيع في الخريف ولا أحد على ثقة تامة إن كان البيع قد تم أم لا. المنازل على هذا الجانب من جادة ترينيتي مشيدة كلها بنفس الطريقة: بيوت مزدوجة على النمط الإدواردي مبنية بالقرميد الأحمر ولها واجهات مزدوجة، اتفق مالكوها في تفضيلهم لدهان الأبواب الأمامية باللون الأسود، ويتفق الجميع أن هذا يجعل من السهل أن يخطئ المرء تمييزها.
ذات مرة، عندما عاد برام إلى البيت مترنحا من إحدى مرات شربه "السريعة" في حانة (تو بُرووارز)، مضى إلى الباب الخطأ وسمعت عبر نافذة غرفة النوم المفتوحة اللهوجة والفحيح عندما فشل زوجها المخمور في وضع مفتاحه داخل قفل البيت رقم 87، منزل ميرل وأدريان. كان إصراره مذهلا، واعتقاده العنيد أنه لو استمر فقط في المحاولة سيفلح المفتاح.
قال محتجا في الصباح: "لكنها كلها تشبه بعضها البعض".
"المنازل، نعم، لكن حتى السكران لا يمكن أن تفوته شجرة الماغنوليا.." قالتها فاي ضاحكة. (كان هذا فيما مضى عندما كان ما زال سُكره يسليها ولم تكن ممتلئة بالحزن.. أو الازدراء، بناءً على حالتها المزاجية).
تتعثر خطوتها: الماغنوليا. إنها مَعلم، شجرتهم، مشهد يثير الإعجاب عندما تزهر وجميل حتى عندما تكون عارية، كما هي الآن، حيث تنطبع الأغصان الخارجية على خلفية السماء بأسلوب فنان. وهي بالتأكيد في الحديقة الأمامية للمنزل الذي تقف الشاحنة الصغيرة خارجه.
فكري. لا بد أنها عملية توصيل، شيء يخص برام لم يذكره لها. لا تصل إليها كل تفصيلة؛ وهما الاثنان متقبلان لفكرة أن نظامهما الجديد ليس خاليا من العيوب. تسرع مرة أخرى، مستخدمة أصابعها كواقٍ من الشمس، هي قريبة بما يكفي لأن تتمكن من قراءة الحروف المكتوبة على جانب السيارة: بريستيج هوم لنقل الأثاث. إنه نقل أثاث بيت إذًا. لا بد أن أصدقاءً لبرام يتركون شيئا في طريقهم إلى مكان ما. لو كان بمقدورها الاختيار، فسيكون بيانو قديما من أجل الأولاد (من فضلك يا رب، ليس عدة درامز).
لكن مهلاً، لقد ظهر رجلا التوصيل من جديد والآن يُنقل المزيد من الأشياء من الشاحنة إلى المنزل: كرسي سفرة، صينية معدنية كبيرة مستديرة، صندوق عليه وسم (قابل للكسر)، خزانة ثياب صغيرة نحيلة في حجم تابوت. لمن هذه الأشياء؟ فورة من الغضب تشعل دمها إذ تصل إلى الاستنتاج الوحيد الممكن: لقد دعا برام أحدهم للإقامة. لا شك أنه رفيق شراب بائس لا يملك مكانا آخر كي يذهب إليه. ("فلتبق كما تشاء يا صاحبي، لدينا سعة في المكان.") متى كان سيخبرها بحق الجحيم؟ حسنٌ، مستحيل أن يشاركهم غريب بيتهم، مهما كان ذلك مؤقتا، مهما كانت نوايا برام خيّرة. الأولاد يأتون أولاً: ألم يكن ذلك هو الهدف؟
مؤخرا، بدأت تشعر بالقلق من أنهما نسيا الهدف.
كادت تصل. وبينما تمر برقم 87، تلمح ميرل في نافذة الطابق الأول، وقد اكتسى وجهها بالعبوس، وذراعها مرفوع لتجتذب انتباه فاي. بالكاد تشير إليها فاي بأقصر تحية ممكنة بينما توسع خطواتها عبر بوابتها وعلى الممر المكسو بالقرميد.
"عذرًا؟ ماذا يحدث هنا؟" لكن في الضجة لا يبدو أن أحدا يسمع. صوتها أعلى الآن، وأكثر حدة: "ماذا تفعلون بكل هذه الأشياء؟ أين برام؟"
امرأة لا تعرفها تخرج من المنزل وتقف على عتبة الباب مبتسمة: "أهلا، هل يمكنني المساعدة؟"
تشهق كما لو أنها رأت شبحًا. أهذه صديقة برام المعوزة؟ إنها مألوفة النوع أكثر مما هي مألوفة الملامح، امرأة على شاكلة فاي -رغم أنها أصغر سنًا، في الثلاثينات من عمرها- شقراء ومفعمة بالحيوية والمرح، من النوع الذي يشمر عن ساعديه ويتحمل المسؤولية. النوع الذي يثبت التاريخ أنه قادر على أن يُلجم روحًا حرة مثل برام. "آمل ذلك، نعم. أنا فاي، زوجة برام. ماذا يحدث هنا؟ هل أنت... هل أنت صديقة له؟"
تخطو المرأة خطوة أقرب، في عزم وأدب: "آسفة، زوجة من؟"
"برام. أقصد أني زوجته السابقة، في الحقيقة." يجلب التصحيح نظرة فضولية، تتبعها إشارة بأن تبتعد كلتاهما عن الممر وتتنحيا عن طريق "الرجلين". بينما تمر لوحة ضخمة مغلفة بالبلاستيك ذي الفقاعات الهوائية، تترك فاي المرأة تقودها إلى أسفل ضلوع الماغنوليا. تسأل: "علامَ اتفق أن يحدث هنا يا ترى؟ أيًا كان، فأنا لا أعرف شيئا عنه."
"لست واثقة مما تقصدينه." ثمة تقطيبة واهية على جبهة المرأة وهي تتفحص فاي. عيناها بُنيتان ذهبيتان وصادقتان. "هل أنت جارة؟"
"لا، بالطبع لا. "تغدو فاي نافدة الصبر. "أنا أعيش هنا".