قراءة في تاريخ المسرح الشعري
منذ البداية وقبل البداية في المسرح اليوناني القديم كان المسرح شعرًا ترويه الجوقة ثم تطورت الجوقة على يد الثلاثة العظام: اسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس كتاب الدراما اليونانية القديمة. واستمر المسرح شعرًا إلى أن جاء القرن السابع عشر في عصر النهضه ليتحول المسرح إلى لغه النثر على يد الفرنسي موليير (باريس 15 يناير/كانون الثاني 1622 - باريس 17 فبراير/شباط 1673) مؤلف كوميدي مسرحي، وشاعر وممثل ومحامي ومخرج مسرحي ودراماتورج فرنسي. يُعد أحد أهم أساتذة الهزليات في تاريخ الفن المسرحي الأوروبي، ومُؤَسّسُ "الكوميديا الراقية". قام بتمثيل حوالي 95 مسرحية؛ منها 31 من تأليفه، وتمتاز مسرحياته بالبراعة في تصوير الناس.
والكاتب هنريك إبسن وهو كاتب مسرحي نرويجي لُقِّبَ ﺑ"أبو المسرح الحديث" وله 26 مسرحية، وشهرته تأتي بعد شكسبير عند الكثير من النقاد، وتتسم نظرته للحياة بالعمق والشمولية، ويتَّسم مسرحه بدقة المعمار، وإذا كانت مسرحياته نادرًا ما تأخذ الشكل التراجيدي؛ إلا أنها تتخذ المزاج المأساوي بشكل كبير، ولقد كتب أولى مسرحياته "كاتالينا" عام 1850 وجاءت "ميلو دراما" مليئة بالإمكانات التي لم يَرَها معاصروه. ولد هنريك إبسن في مدينة "شيين" 20 مارس/آذار 1828 بالنرويج. وقد طورا المسرح العالمي من مرحله الشعر إلى النثر، بحجة أنه الأقرب إلى الناس.
ويعود المسرح العربي للشعر على يد الرائد أحمد شوقي وقد أرسل سنة 1893 - أي في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي - ليدرس القانون في فرنسا مُوفَدًا في بعثة من قِبَلِ الخديو، وقد نصحه رجال القصر على لسان الخديو في خطاباتهم إليه بألَّا يقصر هَمَّه على دراسة القانون، بل يحاول أن يستفيدَ من الحياة التي تحيط به.
وفعلا بدأ يهتم بالأدب والفن وفن الغناء، أي فن القصائد حتى سنة 1927، وهي السنة التي ابتدأ فيها إخراجَ مسرحياته الشعرية تِباعًا، فأخرج "مصرع كيلوباترة"، و"مجنون ليلى"، و"عنترة"، و"قمبيز"، و"أمير الأندلس"، كما أعاد كتابة "علي بك الكبير" وأخيرًا كوميديا "الست هدى" ليتأصل للمسرح العربي الشعري ويكون رائدا له.
ثم تأتي مرحله التطوير على يد علي أحمد باكثير وهو علي بن أحمد بن محمد باكثير الكندي (21 ديسمبر/كانون الأول 1910 - 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1969)، شاعر وكاتب مسرحي وروائي يمني مصري من أصل حضرمي، إندونيسي المولد، ألٌف العديد من المسرحيات الملحمية الشعرية والنثرية أشهرها ملحمة "عمر بن الخطاب" والروايات التاريخية أشهرها "وا إسلاماه"، و"الثائر الأحمر"، ومترجم ترجمه مسرحية "روميو وجولييت". حصل على الكثير من الجوائز منها جائزة الدولة التقديرية الأولى مناصفة مع نجيب محفوظ.
ثم تأتي بعدهم مرحلة التجديد في المسرح الشعري على يد صلاح عبدالصبور وهو: محمد صلاح الدين عبدالصبور يوسف الحواتكي، ولد في 3 مايو/أيار 1931 بمدينة الزقازيق. من أعلام الشعر العربي، والمُحرر الأدبي لجريدة الأهرام، ولمجلتي روز اليوسف، وصباح الخير، ثم نائب لرئيس تحرير مجلة روز اليوسف. كما كان مدير عام دار الكتاب العربي، ورئيس تحرير مجلة الكاتب، ووكيل وزارة الثقافة لشؤون الثقافة الجماهيرية. تولى رئاسة مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب في الفترة من 1979 وحتى وفاته في 15 أغسطس/آب سنة 1981.
ترك عبدالصبور آثارا شعرية ومسرحية أثرت في أجيال متعددة من الشعراء في مصر والبلدان العربية، خاصة ما يسمى بجيل السبعينيات، وجيل الثمانينيات في مصر، وقد حازت أعماله الشعرية والمسرحية قدرًا كبيرًا من اهتمام الباحثين والدارسين، ولم تخل أية دراسة نقدية تتناول الشعر الحر من الإشارة إلى أشعاره ودواوينه، وقد حمل شعره سمات الحزن والسأم والألم وقراءة الذكرى واستلهام الموروث الصوفي، واستخدام بعض الشخصيات التاريخية في إنتاج القصيدة، ومن أعماله في ذلك: "مذكرات بشر الحافي" و"مأساة الحلاج" و"ليلى والمجنون" و"الاميره تنتظر" و"مسافر ليل" و"وبعد أن يموت الملك" وقد تشرفتُ بإخراجها للفرقة القومية المسرحية بالإسكندرية كما أخرجتُها لمنتخب جامعة القاهرة.
كما اتسم شعر عبدالصبور من جانب آخر باستلهام الحدث الواقعي، كما في ديوانه: "الناس في بلادي".
مما تقدم نستخلص أن المسرح الشعري مر بمراحل كثيرة بشكل عام منذ اليونان حتى الآن وفي مصر بشكل خاص مر بثلاث مراحل:
هي الريادة والتفاصيل على يد أمير الشعراء أحمد شوقي، ثم مرحلة التطوير على يد علي أحمد با كثير، ثم مرحلة التجديد على يد صلاح عبدالصبور.
وقد خلفه بعد ذلك العديد من الشعراء على سبيل المثال لا الحصر الشاعر فاروق جويدة الذي كتب مسرحيات "دماء على ستار الكعبة" وقدمت على المسرح القومي المصري ومسرحية "الخديوي" وقدمت على مسرح البالون من إخراج جلال الشرقاوى و"مسرحية الوزير العاشق" والتي قدمت على مسرح السلام من إخراج فهمي الخولي.
حتى نأتي إلى اليوم فيجود علينا الزمان بشعراء مصريين يكتبون مسرحيات شعرية منهم على سبيل المثال لا الحصر الشارع الكبير أحمد سويلم والشاعر فوزي خضر والشاعر أحمد فضل شبلول والشاعر محمود حسن وقد كتبت عن واحد من أعماله الرصينة "اخر ما قاله الحجاج" شاعر يملك مفاتيح العمل المسرحي الشعري والشاعر ناجي عبداللطيف، وقد كتبت أيضا عن مسرحيته "العهد" مقال طويلا.
ونحن في حاجة إلى أن تتبنى الدولة ممثلة في وزارة الثقافة مثل هذه الأعمال الجادة وتقديمها للجمهور.