هاشم شفيق يترجم 'مئة قصيدة من الشعر الصيني'

ميزة هذا الشعر تأتي من كونه شعراً غارقاً في الصدق، لا بل مذهلا في صدقيته وهواجسه ولواعجه الدفينة.

تغطي أنطولوجيا "مئة قصيدة من الشعر الصيني" التي ترجمها الشاعر والمترجم هاشم شفيق خارطة الشعر الصيني على امتداده قديما وحديث، فالقديم ممثلا في الشعراء الكبار الأوائل تو فو (770 ـ 713م)، ووانغ وي (726 ـ 701م)، ولي باي (761 ـ 701م)، والحديث ممثلا في شعراء القرن العشرين ومنهم: هوشي، أكسو، ين يديو، جي اكسيان، بنغ أكسن، فيّ منغ، كن زي هاو وغيرهم.

الأنطولوجيا التي صدرت عن دار المدى قدم لها شفيق مؤكد أن الشعر الشعر الصيني يحمل في مزيجه المركب وسياقاته المختلفة، كلاسيكية وحداثية، قيماً معرفية كبرى، هي قيم العقل والحكمة والفطنة والمنازع الفلسفية والفكرية والروحية، ذات المناحي التأمّلية التي تميّزه عن غيره من الأنواع الشعرية السائدة في العالم، إنه شعر البواطن والجوّانيّات، والتساؤلات الكونية، شعر هرمسي أحياناً وتارة واقعي معجون بالخيال والفانتازيا، شعر المشاعر الداخلية العميقة للإنسان في صراعه مع الحياة والوجود ومع قوى الخير والشر، والقوى المهيمنة على مقاليد البشرية، وهو كذلك شعر الرؤى، شعر الأسئلة البسيطة ولكن المنطوية على أبعاد كونية محلقة في المجاهل.

ويضيف أن ميزة الشعر الصيني أيضاً تأتي من كونه شعراً غارقاً في الصدق، لا بل مذهلا في صدقيته وهواجسه ولواعجه الدفينة، ومرتبطا منذ القدم بمناخ الحياة اليوميّة، عبر أشكال وأنساق من الموحيات التي ترتبط بالطبيعة والكون والإرث الرمزي لبعض التيّارات الروحانية مثل الكونفوشيوسية والطاوية ومذهب مؤسسها "لاو تساو" الذي كان ينادي بالتوحّد الروحي والابتعاد عن القضايا المرحلية والأحداث السياسية الراهنة، بغية التسامي العقلي والباطني للإنسان، فالشعر القديم وهو شعر عظيم الثراء في مادته الجمالية، شعر كان يستهدف الإنسان ومعاناته وحيرته وقلقه وشكه أمام العوالم الميتافيزيقية ولذا كان يطرح الأسئلة الكثيرة وهو محمل بالرموز والدلالات والطرق الإيحائية، وكان إضافة إلى ذلك شعرًا نغميا ثريا وزاخرا بالإيقاعات الفنية والموسيقية، أي أنه كان شعرا موزونا ومقفى، خلاصته الكثافة والحذف والإيجاز، أما الشعر الحديث فهو شعر حر، خال من القيود يعتمد على الابتكاروالخلق والتجديد المتجاوز للماضي وصيغه التعليمية، السكولائية، وفي ظني أن أعتم فترات الشعر الصيني هي الفترة الماوية إبان تأسيس الصين الشعبية، حيث انحدر الإبداع إلى درجات تأليه الفرد، الزعيم والتغني بالرموز الآلية، الفلاحية والعمالية، ما أدى إلى ظهور القصيدة الشعبية الخالية من الإبداع والفن والحرية والشفافية، تلك المغلقة حول أوهامها الآنية والمحيدة في الآن ذاته عن أحلامها وتطلعاتها وآفاقها المستقبلية.

نماذج

كتابة على جدار

(شعر توفو 770 ـ 713م)

تعلمت أن تكوني لطيفة،

مثل أيّل جبليّ خجول

نسي طريق العودة،

مختفية أنت في البعد والمنتآى

سأغدو مثلك

زورقا فارغا

ومنجرفا في البعيد.

ظهيرة خريف

(شعر اكسن دي 1936)

شعاع الشمس منفصل

عن صاعقة من حرير،

وثمة نهر صغير

أبيض وبارد

منعكس على لوح الزجاج،

حيث البرودة تلعق

الأقدام الصغيرة للسلاحف،

إذا تدريجيا يذبل الزمن.

أسد وذكرى

(شعر هوشي ـ ديسمبر 1913)

إستلقى الأسد ورائي،

لبدته الناعمة

ترفض أن تتزحزح،

إني أحاول دفعه بعيدا،

كي أتذكر صديقي المتوفي،

وكما أريت على قطة تغرغر

دمعتان تبللان أكمامي

الأسد ينام موثقا،

وهانتذا تفقد صديقا هائلا.

توق

(شعر أكسو 1926)

النشيج

ينبغي أن يكون

نداء للشوق،

لماذا أسمع النشيج

عندما أفتقدك؟

طعم الشوق

ينبغي أن يكون مرا،

لماذا قلبي يغدو مرا

عندما أفتقدك؟

طريق الشوق

ينبغي أن يكون مظلما،

لماذ أشعر بأني نعسان

عندما أفقدك؟

في العتمة

في طريق الذكريات القديمة

أتقدم من غير هدف.

** صوت الليل

في الظلام

لا شيئ يرى

سوى ليل وحيد

وثمة حفيف

إنه صوت الزمن

وهو يأكل الحياة.

رسالة

إلى زيلن

(شعر فيّ منغ)

قلت

دعني أكتب رسالة

إلى شاعر في الجنوب

أنقطها بقليل من ظل

شجرة كبيرة في الفناء،

أحسست أني كتبت

ما يشبه قصيدة

تشبه قمرا، ظل الشجرة العملاقة في الظهيرة

أمطر أوراقا..

غير أن قصيدتي

ليست سوى ورقتين.