هل يصمد قانون الانتخاب المباشر في الصومال أمام العنف بعد إقراره

التهديد باستخدام العنف يخيم على أجواء انتخابات 2026، سواء من حركة الشباب أو تنظيم داعش أو مليشيات معارضة مسلحة.

مقديشو - صادّق البرلمان الفيدرالي في الصومال الأربعاء، على تعديلات لمشروع قانون تعتمد أسلوب الانتخاب العام المباشر، وهي مسألة خلافية بين الحكومة وولايات وقادة في المعارضة، بينما يلوح شبح تجدد العنف على انتخابات 2026 القادمة.

وتصاعد منذ أيام خلاف في الصومال بشأن طريقة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة عام 2026 في بلد يعاني من اضطرابات أمنية وسياسية ويقاتل منذ سنوات قوات حركة الشباب المتمردة.

وعقد البرلمان الفيدرالي جلسة مشتركة لمجلسيه الشعب والشيوخ، للتصويت على مشروع قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية.

وقال رئيس مجلس الشعب شيخ آدم محمد نور، إن 177 نائبا صوتوا لصالح مشروع القانون، ولم يرفضه أي نائب، فيما امتنع نائب واحد عن التصويت، وفق وكالة الأنباء الرسمية.

ومنذ نحو ربع قرن يعتمد الصومال طريقة انتخاب غير مباشرة، إذ ينتخب أعضاء المجالس التشريعية المحلية ومندوبو العشائر نواب البرلمان الفيدرالي، والذين ينتخبون بدورهم رئيس البلاد.

ولايات وقادة في المعارضة يتمسكون بالاقتراع العشائري غير المباشر، بدعوى أن البلاد غير مهيأة لتغييره في ظل اضطرابات أمنية وسياسية وحرب ضد حركة الشباب.

ويعتبر الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود من أبرز المؤيدين لإجراء اقتراع شعبي مباشر، ويرى أنه يتوافق مع الدستور المؤقت وباتت البلاد مستعدة له.
وقال في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، إن "الشعب يريد إجراء انتخابات مباشرة حرة ونزيهة في المناطق المحررة من قبضة حركة الشباب وفي الولايات التي تسيطر عليها الحكومة".
وأضاف أن "الانتخابات غير المباشرة تتعارض مع دستورنا، والمكوث فيها في الأوقات الماضية كان مفروضا علينا، أما الآن لدينا فرصة لنتخلص منها".
وتابع "أكثر من نصف قرن لم تشهد فيه البلاد انتخابات شعبية حرة، ونتطلع الآن لاجتياز الانتخابات التقليدية وأن يفهم الجميع العقبات المورثة من إجراء انتخابات غير مباشرة من فساد وجور بعض القبائل".
كما أعلن رئيس الحكومة حمزة عبدي بري، في سبتمبر/ أيلول الماضي، استعداد حكومته لإجراء الانتخابات بنظام الاقتراع العام المباشر.
في المقابل تتمسك ولايات، بينها بونتلاند وجوبالاند، وقادة في المعارضة بالاقتراع العشائري غير المباشر، بدعوى أن البلاد غير مهيأة لتغييره في ظل اضطرابات أمنية وسياسية وحرب متواصلة منذ سنوات ضد حركة الشباب المتمردة.

وفي عام 1968 شهد الصومال آخر انتخابات مباشرة، حين أُجريت انتخابات برلمانية ورئاسية، فاز فيها حزب الشباب (لا علاقة له بحركة الشباب).
وشارك في هذه الانتخابات 88 حزبا، واختار الناخبون 190 نائبا انتخبوا رئيس الجمهورية، وسرعان ما تحالفت معظم الأحزاب مع حزب “الشباب”.
وفاز في هذه الانتخابات الرئيس عبد الرشيد علي شارماركي. لكن آمال الشعب تلاشت في الحكومة المدنية، واندلع صراع على السلطة وزادت نعرات قبلية، ما مهد الطريق لاغتيال شارماركي في عام 1969 برصاص أحد عناصر الشرطة.
وقادت عملية الاغتيال إلى انقلاب عسكري وتولى محمد سياد برى حكم البلاد، ثم أُطيح بحكومة بري العسكرية المركزية عام 1991.
وبعد حروب أهلية دموية استمرت أكثر من ثلاثة عقود، إثر انهيار الحكومة العسكرية، بدأ الوضع السياسي يتحسن تدريجيا، وصار قطاع من الشعب الصومالي يتطلع إلى إجراء انتخابات بالاقتراع العام المباشر.
ومنذ عام 2000، يعتمد الصومال نظام انتخابات غير مباشرة، مبني على المحاصصة القبلية، أي تقاسم المناصب السيادية على "قاعدة 4.5"، بمعنى أربع قبائل كبرى وخمس قبائل صغرى.

ويقوم أعضاء المجالس التشريعية في الولايات ومندوبو القبائل باختيار أعضاء البرلمان الاتحادي، الذين يختارون بدورهم رئيس البلاد.

لكن في عام 2018 اتفقت الحكومة ورؤساء الولايات الفيدرالية على إجراء انتخابات بالاقتراع العام المباشر، وبالفعل صادق البرلمان على هذه الخطوة.

غير أن رؤساء الولايات تراجعوا، خشية أن تؤدي مثل هذه الانتخابات إلى تغيير المعادلة السياسية في البلاد، وتمنح فرصة لاستمرار الرئيس آنذاك محمد عبد الله فرماجو لولاية إضافية.

وبعد تجاذبات كاد يغرق البلد في فوضى سياسية عارمة، واتفقت الحكومة ورؤساء الولايات الفيدرالية، في سبتمبر/أيلول 2022، على استمرار الانتخابات غير المباشرة.

وفي مايو/ أيار من ذلك العام، فاز حسن شيخ محمود بانتخابات الرئاسة، وأعلن أمام البرلمان قبل أيام اعتزامه إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في 2026 بالاقتراع العام المباشر.

ويخيم التهديد باستخدام العنف على أجواء انتخابات 2026، سواء من حركة الشباب أو تنظيم داعش أو مليشيات معارضة مسلحة.

وحذر مستشار رئيس مجلس الشعب الصومالي (إحدى غرفتي البرلمان) لشؤون البرلمانات العربية والإسلامية محمد عمر طلحة، من "إجراء انتخابات غير مدروسة".
وأضاف أن "الصومال بحاجة إلى انتخابات مباشرة باقتراع شعبي حر، لكن ذلك يتطلب جهودا كثيرة، سواء على مستويات الأمن والسياسة والاقتصاد والمجتمع".
وأكد ضرورة "إيجاد بيئة سلمية يتمكن فيها الناس من اختيار المرشح الذي يصوتون له بحرية نفسية وقانونية وفي مكان مناسب يخلو مما يهدد حياتهم".
وختم طلحة بالدعوة إلى "توصل جميع الأطراف إلى اتفاق سياسي، وتوفير لجان الانتخابات، ورفع معنويات الشعب وتوعيته بنظام الانتخاب الجديد، لكن لا ينبغي علينا التسرع في هذا الإجراء دون تمعن وإعداد مناسب".