فرنسا تنفتح على أزمة سياسية جديدة بعد انهيار حكومة بارنييه

ماكرون يجد نفسه مجددا أمام اختبار صعب لاختيار شخصية توافقية لتشكيل الحكومة الجديدة، بينما يكابد في مواجهة ضغوط سياسية شديدة يمارسها تحالف المصلحة بين نواب اليمين المتطرف والجبهة الشعبية الجديدة.
الصحف الفرنسية تشترك في أن اقالة حكومة بارنييه ستفتح الباب أمام مأزق سياسي أكبر
الأنظار تتجه لعدد من الشخصيات السياسية لتولي رئاسة الحكومة

باريس - يواجه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وضعا صعبا مع بوادر أزمة سياسية جديدة وانقسامات حادة بعد نجاح تحالف المصلحة بين نواب اليمين المتطرف والجبهة الشعبية الجديدة في الجمعية الوطنية مساء الأربعاء، في اسقاط حكومة ميشال بارنييه، بينما ينفتح المشهد السياسي في فرنسا على المزيد من التعقيد ومرحلة جديدة سيتعين فيها على ماكرون اختيار شخصية بديلة لبارنييه وهي مهمة لا تبدو سهلة.
ويجد ماكرون الذي يقاوم على أكثر من جبهة داخلية وخارجية، نفسه في وضع ليس بالهيّن في إعادة ترتيب أوراقه واستعادة زمام الأمور والمبادرة في مواجهة تحالف المصلحة بين اليمين المتطرف والجبهة الشعبية الجديدة.

وسيدفع اسقاط الحكومة ثاني أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي إلى أزمة سياسية أعمق تهدد قدرتها على التشريع والسيطرة على عجز ضخم في الميزانية.
ورسمت الصحف الفرنسية ملامح سلبية للوضع العام وللمشهد السياسي في تقارير ركزت على تداعيات وتأثيرات انهيار حكومة بارنييه وما ينتظر الرئيس ماكرون من تحديات وما إذا كان بمقدوره استعادة زمام المبادرة وتجاوز هذه الهزة السياسية تبدو في توقيتها قاصمة ومربكة لسياساته ومخططاته الاقتصادية.
وعنونت صحيفة ليبيراسيون في مقال في صفحتها الأولى تعليقا على حجب الجمعية الوطنية الثقة عن حكومة ميشال بارنييه " مطرود بكل اللغات" في إشارة لفشله السياسي.
وشددت على أن الإطاحة بالحكومة جاءت في الوقت الذي يوجد فيه ثلاثة نصوص ميزانية في البرلمان. مشروع قانون المالية الخاص بنهاية السنة المالية ومشروع قانون الضمان الاجتماعي ومشروع قانون المالية.
بدورها أوضحت صحيفة لومند في مقال تحت عنوان "حجب الثقة: اللعبة المشبوهة لمارين لوبان" أن فشل الماكرونية في تغيير هيكل أو المشهد السياسي في فرنسا واضح، وأن الوضع الفضاء السياسي الفرنسي لم يسبق له أن شهد مثل هذه الانقسامات والأزمات منذ سنوات طويلة".
وطرح الكاتب العديد من الأسئلة قائلا "هل كان حل ايمانويل ماكرون للجمعية الوطنية بعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية السبب المباشر لهذه الأزمة السياسية التاريخية التي تعيشها فرنسا؟.
بدورها تسائلت صحيفة لوبينيون عن التحديات التي يواجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد الإطاحة بحكومة بارنييه، وماهي الإجراءات التي يجب اتخاذها للتعامل مع الوضع الحالي، بما في ذلك اختيار رئيس وزراء جديد.
أما صحيفو لوفيغارو فقد اعتبرت في مقال افتتاحي ان ن حزب التجمع الوطني والجبهة الشعبية الجديدة دمجا أصواتهما، وفتحا بذلك أزمة سياسية وأخرى متعلقة بالميزانية العامة، وفشلت بذلك تحذيرات بارنييه وعدد من السياسيين الفرنسيين من عواقب حجب الثقة على البلاد.
بدورها قالت صحيفة لاكروا ان "قرار حل الجمعية الوطنية في 9 يونيو/تموز الماضي، بعد انتخابات البرلمان الأوروبي، اعتبره ماكرون حتميًا لتفادي حجب الثقة عن حكومة غابريال أتال، ومع ذلك، هذا هو السيناريو الذي يحدث الآن، ويزداد تعقيدًا بسبب عدم الاستقرار الناتج عن الأزمة السياسية المستمرة.
وركزت بعض الصحف الأخرى على مستقبل المشد السياسي بعد الإطاحة بالحكومة حيث قالت صحيفة لومانيتي أن الجبهة الشعبية الجديدة تسعى إلى بناء تحالف جمهوري واجتماعي قوي استجابة للتحديات السياسية الحالية وللتعامل مع نتائج الانتخابات الأخيرة التي شهدت تقدم الجبهة الجديدة.
أما لوفيغارو فقد تسائلت عمن سيحل محل ميشيل بارنييه في ماتينيون مبينة "أن الأسماء المرشحة هي سيباستيان لوكورنو، الرجل المخلص لرئيس الجمهورية منذ عام 2017، فرانسوا بايرو، الحليف التاريخي لماكرون ، برونو ريتايو وزير الداخلية في حكومة بارنييه وأخيرا بارنار كازنزف الذي يسعى للعودة إلى هذا المنصب بعد فترة من الغياب".

واتحد نواب من أقصى اليمين واليسار لدعم اقتراح حجب الثقة عن بارنييه وحكومته، بأغلبية 331 صوتا من أصل 574. ومن المتوقع أن يقدم رئيس الوزراء استقالته واستقالة حكومته للرئيس إيمانويل ماكرون سريعا.
ولم تخسر أي حكومة فرنسية اقتراع حجب ثقة منذ 1962. وعجل ماكرون بتلك الأزمة السياسية عندما دعا لإجراء انتخابات مبكرة في يونيو/حزيران أسفرت عن برلمان منقسم يتسم بالاستقطاب الحاد.
وبدا أن فرنسا تخاطر بإنهاء السنة دون حكومة مستقرة وبلا إقرار لميزانية 2025 لكن الدستور يسمح بإجراءات خاصة لتجنب إغلاق حكومي على غرار ما يحدث في الولايات المتحدة.
ومن شأن الأزمة السياسية في فرنسا أن تزيد من ضعف الاتحاد الأوروبي الذي يعاني بالفعل من انهيار الحكومة الائتلافية في ألمانيا، وذلك قبل أسابيع من عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وعاقب اليسار واليمين المتطرف بارنييه على لجوئه إلى استخدام صلاحيات دستورية خاصة لتمرير جزء من موازنة لم تحظ بالتأييد والتي سعت إلى توفير 60 مليار يورو لتقليص العجز.
وقالت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان إن انهيار الحكومة "هو السبيل الوحيد الذي يتيحه لنا الدستور لحماية الفرنسيين من موازنة خطرة وغير عادلة بل وعقابية".

الضغوط تتزايد الآن على الرئيس

وأوضحت أن الضغوط تتزايد الآن على الرئيس لكنها لم تدعو لاستقالته وأضافت أن له القول الفصل في ذلك. من جانبها طالب حزب فرنسا الأبية اليساري الراديكالي الأربعاء ماكرون بالاستقالة.
وقالت ثلاثة مصادر إن ماكرون يعتزم تعيين رئيس جديد للوزراء بسرعة وقال أحدهم إنه يريد تسمية شخص جديد لتولي المنصب قبل احتفال بإعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام يوم السبت الذي سيحضره ترامب.
وسيواجه أي رئيس جديد للوزراء نفس التحديات التي قابلت رئيس الحكومة المقال لإقرار تشريعات وموازنة في برلمان منقسم. ولا يمكن إجراء انتخابات برلمانية أخرى قبل يوليو تموز.
والخيار الآخر المتاح لماكرون هو أن يطلب من بارنييه وحكومته البقاء بصلاحيات تصريف الأعمال ليتيح لنفسه وقتا لاختيار رئيس وزراء قادر على كسب دعم كاف من أغلب الأحزاب لإقرار التشريعات.
وقال قصر الإليزيه الرئاسي اليوم الأربعاء إن الرئيس سيلقي كلمة عبر التلفزيون إلى الشعب الفرنسي مساء الخميس.