
ماكرون يعلن من بيروت عن مؤتمر دولي لإعادة إعمار لبنان
باريس - أعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من بيروت التي وصلها اليوم الجمعة عن مؤتمر دولي تعتزم باريس استضافته خلال الأسابيع المقبلة بهدف إعادة إعمار لبنان، بعدما أحدثت المواجهة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل دمارا واسعا في مناطق عدة.
وقال ماكرون في مؤتمر صحافي مع نظيره اللبناني جوزيف عون في القصر الرئاسي قرب بيروت، "منذ 9 يناير/كانون الثاني، في عز الشتاء، لاح الربيع"، في إشارة الى انتخاب عون رئيسا.
وأضاف مخاطبا عون "أنتم هذا الأمل، ورئيس الوزراء المكلف يجسد هذا الأمل الى جانبكم"، مؤكدا أن فرنسا التي لطالما "كانت إلى جانب لبنان الحبيب خلال السنوات الصعاب ستبدي مزيدا من الالتزام إلى جانبكم لمساعدتكم على النجاح في هذا الطريق".
ووصل ماكرون صباح اليوم الجمعة إلى بيروت في زيادة دعم للمسؤولين اللبنانيين، بينما تستعد البلاد لبدء مرحلة جديدة على وقع تغير موازين القوى، بعدما خرج حزب الله الذي لطالما شكل القوة السياسية والعسكرية الأبرز في لبنان، من مواجهته الأخيرة مع إسرائيل أضعف محليا، وبعد سقوط حليفه في سوريا المجاورة.
وتعتزم باريس استضافة مؤتمر دولي جديد من أجل لبنان. وقال ماركون "بمجرد أن يأتي الرئيس عون إلى باريس خلال الأسابيع المقبلة، سننظم مؤتمرا دوليا لإعادة الإعمار، بهدف حشد الدعم المالي بهذا الصدد".
وتابع "على المجتمع الدولي أن يعد لدعم واسع من أجل إعادة إعمار البنى التحتية"، في البلد الذي يعاني منذ اكثر من خمس سنوات من انهيار اقتصادي غير مسبوق.
وخرج لبنان قبل أسابيع من مواجهة مفتوحة بين حزب الله وإسرائيل، بعد التوصل الى وقف لإطلاق النار برعاية فرنسية أميركية، يفترض استكمال تنفيذه بحلول 26 كانون الثاني/يناير.
ودعا ماكرون إلى الإسراع في تنفيذ بنود الاتفاق، قائلا "تم تحقيق نتائج.. لكن يجب تسريع العملية وتأكيدها على المدى الطويل. يتعين أن يكون هناك انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية وأن يحتكر الجيش اللبناني بشكل كامل السلاح".
ومن المقرر أن يلتقي ماكرون في بيروت قبل مغادرته ليلا، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي يزور البلاد.
وتنوّه دوائر الإليزيه بالتطوّرات الأخيرة في البلد المتوسطي الصغير والذي يكتسي "قيمة رمزية وأخرى استراتيجية خاصة في الشرق الأوسط الحالي".
وسعى الرئيس الفرنسي جاهدا في السنوات الأخيرة لإيجاد حلّ في لبنان الغارق في أزمات متلاحقة. وكان زار البلاد مرتين عقب انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب 2020، لدعم انفراج سياسي تعذّر عليه تحقيقه حينها، وسط انقسام سياسي حاد بين حزب الله وخصومه.
لكنه واصل ممارسة الضغط على الأطراف اللبنانيين، وعيّن وزير الخارجية السابق جان-إيف لودريان مبعوثا خاصا في يونيو/حزيران 2023 في مسعى لتيسير انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. لكن كان لا بدّ من الانتظار سنة ونصف سنة قبل أن ينتخب البرلمان اللبناني الأسبوع الماضي عون رئيسا للبلاد، على وقع ضغوط خارجية خصوصا من الولايات المتحدة والسعودية، أعقبت تغيّر موازين القوى في الداخل على خلفية نكسات مني بها حزب الله في مواجهته الأخيرة مع اسرائيل وسقوط حليفه بشار الأسد في سوريا المجاورة.
وسمّى عون الدبلوماسي المخضرم نواف سلام رئيسا للحكومة.

وترى الدبلوماسية الفرنسية في هذا التعيين "انتصارا" يكّرس جهودها لأن القاضي الدولي الذي يحظى باحترام كبير كان مرشّحها للمنصب، لكنّ تسميته بقيت تواجه تحفّظات من حزب الله الذي شكل القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد.
ولم يحظ سلام الذي نال تأييد غالبية نيابية، بدعم حزب الله وحليفته حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري.
ويشير الأستاذ المحاضر في الجامعة الأميركية في باريس زياد ماجد إلى عوامل عدة ساهمت في حلحلة العقدة اللبنانية، منها "الحرب المدمّرة" بين إسرائيل وحزب الله و"إضعاف" الجيش الإسرائيلي لقدرات هذا الأخير و"الأزمة الاقتصادية المطوّلة" في البلد، فضلا عن سقوط حكم الأسد في سوريا والذي لطالما كانت له مطامع "هيمنة" على الدولة المجاورة و"الخشية من (تداعيات) وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض" و"دعمه إسرائيل".
ولا شكّ في أن أجواء زيارة ماكرون ستكون مختلفة عن تلك التي صاحبت زيارته السابقة للبنان. فما من حشود ستكون في استقباله وما من لقاءات جماعية مع الأحزاب السياسية، بما فيها حزب الله، كما كان الحال عام 2020.
وإضافة إلى الاجتماع بعون وسلام وبري، من المرتقب أن يلتقي ماكرون مع القائد العام لقوة اليونيفيل، والمشرفين على الآلية التي وضعت برعاية فرنسا والولايات المتحدة لمراقبة تطبيق وقف النار في جنوب لبنان.
وينصّ الاتفاق على انسحاب إسرائيل من المناطق التي دخلتها في الجنوب، بحلول 26 يناير/كانون الثاني ويشمل الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر في العام 2006 والذي من بنوده ابتعاد حزب الله عن الحدود، ونزع سلاح كل المجموعات المسلحة في لبنان وحصره بالقوى الشرعية دون سواها.
وبحسب مصادر مقرّبة من الإليزيه، سيشدّد الرئيس الفرنسي خلال زيارته على ضرورة "التزام المهل المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار".
كذلك، سيدعو حزب الله إلى "التخلّي عن السلاح" بغية "الالتحاق بالكامل بالمعادلة السياسية".
وتعهّدت الرئاسة الفرنسية أيضا اتخاذ "خطوات رمزية" لحشد دعم الأسرة الدولية للبنان بعد مؤتمر أقيم في باريس في أكتوبر/تشرين الأول.
وأشار ماجد إلى أن "لبنان لطالما كان بالنسبة إلى فرنسا بوابة دخول" إلى الشرق الأوسط، لأن الفرنسيين هم من الجهات القليلة التي "لها نفوذ على كلّ اللاعبين"، إذ "في وسعهم التحاور مع الجميع، بما في ذلك حزب الله وإيران"، خلافا للولايات المتحدة.
وإذا ما "استطاع البلد النهوض من كبوته، فإن دور فرنسا سيتعزّز في المنطقة"، وفق المحلل السياسي كريم بيطار.