باربارا فينكن تدخل 'عالم الأزياء'
القاهرة - تقدم الكاتبة الألمانية باربارا فينكن في كتابها "عالم الأزياء .. رحلة في تاريخ الموضة" رؤية نقدية عميقة لعالم الأزياء، مستعرضةً جملة من التساؤلات منها هل الموضة تعبير عن الحرية أم شكل آخر من أشكال الهيمنة؟ هل هي فن وإبداع أم مجرد أداة تسويقية تخضع لسلطة السوق؟، مقدمة كيف تحولت الموضة من مجرد تعبير عن الذوق الشخصي إلى قوة اجتماعية وسياسية تحدد موقع المرأة في المجتمع.
وتتناول فينكن في الكتاب الذي صدرت عن دار الترجمان للنشر نسخة مترجمة عنه من قبل الصحفي والمترجم أيمن شرف، أفكار مجموعة من المفكرين والفلاسفة، مثل بورديو، نيتشه، زولا، لوس، فلويجل، فوكس، فيبلين وزيميل، الذين رأوا في الموضة الغربية نظامًا يحتاج إلى إصلاح جذري، بل إن بعضهم دعا إلى التخلص منها تمامًا. في نظرهم، كانت الموضة عبر التاريخ أداة لتصنيف المرأة، إما كجسد مستهلك يستعرض ثراء أسياده، أو كعاهرة تبحث عن أعلى سعر.
ولم تفلح رغم مرور قرون من التغيير محاولات إعادة تشكيل الأزياء النسائية بطريقة عقلانية أو جماعية كما حدث مع الرجال عبر "البدلة"، بل بقيت الموضة النسائية أسيرة منطق الجاذبية الجنسية، وكأنها لم تكن يومًا صناعة قائمة على الاختيار، بل على التحكم في نظرة المرأة لنفسها.
وترى الكاتبة الألمانية أن الرأسمالية الحديثة لم تفرض الهيمنة على المرأة بالقوة، بل استعمرتها من الداخل، وحوّلت رغبتها في التحرر إلى سوق ضخم لا يلبّي الاحتياجات بقدر ما يصنع الرغبة في الاستهلاك. وتماشياً مع رؤية الكاتب الفرنسي إميل زولا، تصف كيف تحولت المتاجر الكبرى إلى "جنة النساء"، حيث تصبح الأنوثة سلعة وتصبح السلعة أنثوية، وحيث لا شيء أهم من الفرجة على الجسد.
ويبلور الكتاب مفهوما مغاير للموضة، فهي ليست مجرد أقمشة وقصّات جميلة، فالكتاب ليس فقط استعراضًا تاريخيًا للأزياء، بل تحليل ثقافي وفلسفي عميق يكشف كيف تتداخل الموضة مع السياسة، الاقتصاد، والجنس، وبأسلوب سلس وتحليل جريء، تضع باربارا فينكن يدها على الجروح التي يخفيها بريق الموضة، وتسأل أسئلة قد تبدو محرجة لكنها ضرورية لفهم هذا العالم.
ويدعو المفكرون والفلاسفة والمنظرون الذين استعرضت فينكن وجهات نظرهم في كتابها، إلى ضرورة إصلاح الموضة الغربية بل والتخلص منها، وبدت لهم - بعد استبعاد الرجل منها - رذيلة أنثوية مخنثة مدمرة أو أنها ترجع إلى العلاقات بين الجنسين في القرون الوسطى أو ترجع إلى العلاقات الرأسمالية الشرقية بين الجنسين في زمن الحداثة، رأوها نمطا من التشكيل الخارجي يصنف المرأة في نهاية المطاف "جاريةً أو جسدا محضاً يتعين عليها أن تثبت قدرة أسيادها على الإنفاق، أو لا تستطيع التصرف - بسبب عدم تحررها - سوى كعاهرة تبحث عن أعلى سعر".
ولم تنجح دعوات المفكرين ومحاولات عدد من مصممي الأزياء وبيوتها في تطوير ملابس المرأة نحو موضة غائية عقلانية تدمج جسدها في حالة جماعية أو تحدث نوعا من التوحيد مثلما حدث في أزياء الرجال "من خلال البدلة"، ولم تتم موضة حداثية عقب "تحرر المرأة" الغربية المفترض، وظلت حتى اليوم - كما ترى فينكن - ترتدي ملابسها من منطلق الجاذبية الجنسية.
وكأن سلطة التسليع والتشييء في الرأسمالية المعاصرة قد استعمرت المرأة الأوروبية "الغربية" من داخلها، واستغلت تصورها عن التحرر (بغض النظر عن مدى صحة الادعاء بتحرر المرأة الأوروبية من عدمه) لتنشئ صناعاتٍ هائلةً تقوم بالأساس على رغبات المرأة، تقوم حتى على مفاهيم صنع "الرغبة في الاستهلاك" وليس تلبية الاحتياجات الطبيعية العقلانية، لتخلق ما سماه زولا "جنة النساء" حيث المتاجر الكبيرة أو "معابد الاستهلاك" "حيث تصبح الأنوثة سلعة وتصبح السلعة أنثوية"، حيث لا شيء أهم من الفُرجة على الأنوثة.