'بيبي جون' معالجة بوليودية لقضية اختطاف واغتصاب الفتيات في الهند
الرباط - تدور أحداث فيلم "بيبي جون" للمخرج الهندي كاليس حول قصة "ساتيا فيرما"، وهو شرطي سابق يتنكر بهوية "بيبيي جون" لحماية ابنته من عدو قديم، و العمل هو إعادة صنع لفيلم "ثيري" التاميلي الذي أخرجه آتلي عام 2016.
الفيلم من سيناريو كاليس وبطولة كل من فارون دهاوان وكيرثي سوريش في أول ظهور لها في الأفلام الهندية، واميكا غابي وزارا زيانا وجاكي شروف.
يبرز فيلم "بيبي جون" نموذجا تقليديا لفيلم الانتقام الذي يعتمد على سرد مأساوي يتشابك مع الدوافع الشخصية، ويتجسد هذا في شخصية "ساتيا" الذي يفقد أسرته نتيجة لمؤامرة مدبرة من قبل عائلة فاسدة، فيتحول إلى بطل يسعى للانتقام، فالمأساة التي يعيشها تبرز الصراع بين الأمل واليأس، وبين العدالة الفردية والعدالة المؤسسية، وهذه العناصر تبين المشاهد باعتبارها عرضا للأكشن الهندي المعروف، ويظل محصورا في قوالب تقليدية لم تبتكر شيئا جديدا في سرد قصة الانتقام.
ويغلب على الفيلم طابع الميلودراما الذي يبالغ في تصوير التضحيات الشخصية مقابل العدالة المفقودة، خاصة في المشهد الذي تعرض له "بيبي جون" عندما تم قتل زوجته وأمه و تلقيه رصاصة، لكنه لم يمت فيضطر البطل للعيش مع شعور بالذنب والضعف، وهذا يدفعه للبحث عن الانتقام، لكن طريقة تنفيذ ذلك تفتقر إلى التوازن لتقلل من تأثير المشهد الدرامي على المشاهد، إذ يشعر المتابع بأن الفيلم يركز على الإثارة أكثر من إظهار حقيقة المعاناة النفسية لشخصية البطل، لأن الحبكة أساسا تستند إلى تصعيد العنف والعلاقات العائلية المعقدة، ولكنها تنحرف نحو الحلول السطحية في العلاقة بين الشخصيات، خاصة عندما يستخدم "بيبي جون" الأسلوب التقليدي الهندي الكلاسيكي، أي يظهر البطل كضحية ثم يتحول إلى شخصية قوية تحارب من أجل العدالة، ومع أن هذا التطور لا يخلو من الجاذبية، فهو هنا يعجز عن تقديم دافع أعمق لشخصية "ساتيا" التي تظل محكومة بعواطفه الانتقامية.
ويتنقل التكوين اللقطات بين الحاضر والماضي بشكل غير متوازن، ليفقده بعض الدقة الدرامية في السرد مثل مشهد دخول "بيبي جون" قسم الشرطة بأسلوب متخفي رغم أنه ضابط ممتاز، ثم بعدها بدأ المخرج بخلق صراع درامي تشويقي من خلال تقنية الفلاش باك الذي يكشف عن الماضي المأساوي للبطل، لكن طريقة الانتقال بين الأزمنة المختلفة تبدو مفاجئة في بعض الأحيان وتفتقر إلى البناء التدريجي، فهذه القفزات بين الحاضر والماضي لا تتيح للمشاهد فرصة للاندماج الكامل في القصة لأنها مربكة وغامضة.
ويعرض تسلسل الأحداث إلى العديد من القضايا الاجتماعية مثل الفساد والجريمة، ولكن يظل في إطار القصص المألوفة دون تناول حقيقي لهذه القضايا، مثل الاعتداءات الجنسية على النساء والفساد في الأجهزة الحكومية، لكن مشكلة العديد من الافلام الهندية هو غياب معالجة هذه القضايا بطرق نقدية أو فلسفية، فتظل أغلب الافلام سطحية وموجهة نحو الإثارة، والاكتفاء بعرض مشاهد عنف دون تحليل حقيقي لما خلفها.
ويجسد داوان شخصية "ساتيا فيرما" الذي كان ضابط شرطة سابقا، وأداؤه يفتقر إلى الجدية اللازمة لتجسيد هذه الشخصية القوية والصارمة، ففي مشاهد عدة يظهر فارون داوان وهو يتعامل مع المجرمين بفكاهة وسخرية لا تتناسب مع طبيعته كضابط شرطة سابق، وهو ما يجعل الشخصية تبدو غير صادقة وغير متماسكة، وهذا النوع من الفكاهة غير المبرر يزعزع من مصداقية الشخصية ويحولها إلى شخصية سطحية، وهو أمر لا يتناسب مع الموضوع الجاد للفيلم والذي يعتمد على الانتقام والعنف، بينما يتطلب فيلم من هذا النوع أن يكون البطل محاطا بهالة من القوة والصرامة، فنجد أن فارون داوان يفشل في نقل تلك الطاقة القوية التي تليق بشخصية ضابط شرطة سابق يسعى للانتقام، فيتصرف وكأن هناك حالة من التراخي واللامبالاة، تجعل شخصيته تبدو غير متسقة مع الأحداث المأساوية التي يمر بها.
وكان أداء جاكي شروف في دور المجرم المنتقم والقاتل السياسي رائعا كما هو معتاد منه، إذ استطاع أن يقدم شخصية "بابار" بإتقان، ونجح في تجسيد هذا الشخصية المتناقضة المليئة بالغضب والحقد، مع خلفية سياسية معقد، و كان حضوره على الشاشة قويا ومؤثرا، إذ برع في نقل عقلية السياسي المجرم الذي يعيشه هذا الرجل الثأري، وأظهر أبعاد شخصيته التي تجمع بين السلطة والقسوة، وقدرة على إظهار تفاعل معقد بين دوافعه الشخصية وأهدافه السياسية، فمنذ اللقطات الأولى على الشاشة، جعل الجمهور يشعر بنوايا "بابار" المظلمة، سواء في مشاهد انتقامه أو في طريقة تعامله مع خصومه، كشخصية مليئة بالغضب الأبوي والرغبة في الانتقام من قاتل ابنه، وهي مشاعر كانت متقلبة بين الرغبة في العدالة والشراسة المفرطة.