زيارة عون للرياض تمهد الطريق لعودة الدعم الاقتصادي السعودي
بيروت - تشكل زيارة الرئيس اللبناني جوزيف عون الى الرياض وهي الأولى له منذ توليه منصبه، منعطفا في مسار العلاقات اللبنانية السعودية بعد سنوات من الجفاء بسبب الانكفاء السعودي رفضا لمصادرة حزب الله المدعوم من ايران قرار الدولة وتمهد الطريق لتأسيس مسار جديد من المتوقع أن يعود معه زخم الدعم الخليجي للبلد الذي يئن تحت وطأة أسوأ أزمة مالية وسياسية وأنهكته حروب خاضتها الجماعة الشيعية نيابة عن طهران.
ومنذ الضربات القاصمة التي تلقاها حزب الله في الحرب مع اسرائيل وتراجع نفوذه وبالتالي تراجع نفوذ حاضنته إيران، بدا واضحا أن الرياض عازمة على إعادة رسم العلاقات مع بيروت وقيادة قاطرة الدعم الخليجي للبنان، بينما يركز عون بشدة على استعادة هذا الزخم في العلاقات وعينه على مساعدات خليجية قد تنتشل بلاده من أزماته.
وقد بحث الرئيس عون مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان العلاقات الثنائية وامكانية دعم لبنان في مختلف المستويات. وأوردت وكالة الأنباء السعودية (واس) أنّ ولي العهد "ورئيس الجمهورية اللبنانية يعقدان جلسة مباحثات رسمية" في قصر اليمامة في الرياض.
وكانت الرئاسة اللبنانية نقلت في وقت سابق الإثنين عن عون قوله "أتطلع بكثير من الأمل إلى المحادثات التي سأجريها مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مساء اليوم، والتي سوف تمهد لزيارة لاحقة يتم خلالها توقيع اتفاقيات تعزز التعاون بين البلدين الشقيقين".
واعتبر عون زيارته للسعودية "فرصة للتأكيد على عمق العلاقات اللبنانية السعودية" ومناسبة أيضا للإعراب عن "تقدير لبنان للدور الذي تلعبه المملكة في دعم استقرار لبنان وسلامته وانتظام عمل المؤسسات الدستورية فيه".
وفي وقت سابق، أظهرت مقاطع مصوّرة بثتها "الإخبارية" عون وهو ينزل من الطائرة في مطار الرياض حيث كان في استقباله نائب أمير منطقة الرياض الأمير محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز، وسارا معا على مدرج المطار حيث صافح شخصيات أخرى كانت في استقباله.
وقالت الخبيرة في مركز "الأهرام" للدراسات السياسية في القاهرة رابحة سيف علام إنّ الزيارة "تعتبر إعادة افتتاح للعلاقات الثنائية بعد فترات توتر خلال السنوات الماضية".
وعادت السعودية مؤخرا إلى المشهد السياسي في لبنان بعد انكفاء طويل، رفضا لتحكّم حزب الله المدعوم من إيران بالقرار اللبناني.
وكان عون أعلن بعد يومين على انتخابه أن السعودية ستشكل وجهته الخارجية الأولى، إثر تلقيه دعوة لزيارتها خلال اتصال هاتفي مع ولي العهد، انطلاقا من دورها "التاريخي" في دعم لبنان وتأكيدا "لعمق لبنان العربي كأساس لعلاقات لبنان مع محيطه الاقليمي".
وفي مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية التي تتخذ في لندن مقرا، نوّه عون الجمعة بـ"العلاقة القديمة" بين البلدين.
وقال "آمل وأنتظر من السعودية وخصوصا ولي العهد.. أن نصوّب العلاقة لمصلحة البلدين، ونزيل كل العوائق التي كانت في الماضي القريب، حتى نبني العلاقات الاقتصادية والطبيعية بيننا، ويعود السعوديون إلى بلدهم الثاني لبنان".
وشهدت العلاقات بين لبنان والسعودية توترا في السنوات الأخيرة، بلغ ذروته في العام 2021 حين استدعت دول الخليج بما فيها السعودية دبلوماسييها من بيروت بسبب انتقاد وزير لبناني للتدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.
وأعلنت الرياض قبل ذلك في العام 2016، أنها أوقفت برنامجا بقيمة 3 مليارات دولار لإمدادات عسكرية إلى لبنان.
وفي فبراير/شباط 2016، حثت السعودية مواطنيها على عدم السفر إلى لبنان والمتواجدين هناك على المغادرة، قبل أن ترفع الحظر بعد ثلاث سنوات. وعادت الرياض وفرضت في مايو/أيار 2021 حظرا على سفر مواطنيها إلى لبنان لا يزال ساريا.
وأشارت الخبيرة سيف علام إلى أنّ عون يعول على الزيارة "لتكون مفتاح انعاش الاقتصاد اللبناني عبر البوابة السعودية" مضيفة "إذا بدأ الدعم السعودي من المتوقع ان يعقبه الدعم الخليجي كله ثم تزداد ثقة الداعمين الغربيين فيما بعد وتتوالي المساعدات التي ينتظرها لبنان".
ويأمل لبنان كذلك أنّ تؤدي الزيارة الى رفع حظر السعودية لسفر مواطنيها للبنان وحظر استيراد المنتجات اللبنانية.
وتابعت سيف علام "يعول اللبنانيون على استئناف الصادرات اللبنانية للسعودية بعد حظرها لفترة طويلة بسبب تورط بعض المصدرين في تهريب المخدرات إلي المملكة".
وأتاح تراجع نفوذ إيران وحلفائها في المنطقة انتخاب عون رئيسا.
وفي يناير/كانون الثاني وبعد انتخاب عون وتكليف نواف سلام تشكيل حكومة جديدة، زار وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان بيروت وأعرب عن "الثقة" بقيادة لبنان الجديدة للقيام بإصلاحات.
وحظي انتخاب عون رئيسا بدعم خمس دول تعاونت في حلّ الأزمة الرئاسية اللبنانية، بينها السعودية التي شكلت خلال عقود داعما رئيسيا للبنان، قبل أن يتراجع تباعا اهتمامها بالملف اللبناني على وقع توترات إقليمية مع طهران، داعمة حزب الله.
وجاء انتخاب عون رئيسا للبلاد في 9 يناير/كانون الثاني، على وقع تغيّر موازين القوى في الداخل. إذ خرج حزب الله من مواجهته الأخيرة مع إسرائيل، أضعف في الداخل بعدما كان القوة السياسية والعسكرية الأبرز التي تحكمت بمفاصل الحياة السياسية، وبعد سقوط حليفه بشار الأسد في سوريا المجاورة.
ويعول لبنان على دول الخليج، خصوصا السعودية، لدعمه في التعافي من انهيار اقتصادي غير مسبوق يعصف بالبلاد منذ خريف 2019، وللحصول على مساعدات لتمويل مرحلة إعادة الإعمار، بعدما خلفت الحرب الاسرائيلية دمارا واسعا في جنوب لبنان وشرقه وفي ضاحية بيروت الجنوبية.