مشاركة الذكاء الاصطناعي بالحرب على غزة قضية أخلاقية أم تجارية
واشنطن – عاد الحديث عن القضية الجدلية بشأن تعاون شركات التكنولوجية العالمية مع إسرائيل واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في اختيار الأهداف خلال الحرب على غزة، بعد أن أثارت المبرمجة المغربية ابتهال أبو السعد في شركة "مايكروسوفت" هذه المسألة.
واتهمت أبو السعد إدارتها بالمشاركة في الحرب الإسرائيلية على غزة، قائلة إن أيدي الشركة "ملوثة بدماء الفلسطينيين"، وذلك لدى مقاطعتها كلمة للمدير التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت مصطفى سليمان، كان يلقيها بواشنطن خلال احتفال بمرور نصف قرن على تأسيس الشركة.
وقالت المبرمجة في مقطع مصور نشر في 5 أبريل/نيسان الجاري "أنتم تجار حرب، توقفوا عن استخدام الذكاء الاصطناعي في الإبادة الجماعية"، كاشفة أن مايكروسوفت "تزود إسرائيل ببرمجيات الذكاء الاصطناعي التي توظفها في العدوان على الفلسطينيين".
وفي الواقع فإن ما أثارته المبرمجة المغربية كان قد تم تداوله سابقا في عدة تقارير ووثائق في وسائل إعلام عالمية، كما أن تعاون إسرائيل مع شركات التكنولوجيا الكبرى يمتد الى سنوات طويلة سابقة وتعد إسرائيل من بين دول العالم الأكثر إنفاقا على البحث العلمي.وكشف تقرير "الأمن القومي لإسرائيل - المفاهيم الأساسية والسياسات لـ2025-2026" الصادر حديثاً عن معهد الأمن القومي في تل أبيب عن تحوّل جوهري في الاستراتيجية الإسرائيلية، جعل من التكنولوجيا قلباً نابضاً وعصباً اقتصادياً. حيث تمثّل نحو 54 بالمئة من إجمالي صادراتها وفقاً لهيئة الابتكار الإسرائيلية.
ويتتبع التقرير مسار قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل، الذي يستوعب 15 بالمئة من سوق العمل، ويوفّر وظائف ذات قيمة عالية، إلى جانب كونه مصدراً رئيسيّاً للعملة الصعبة.
استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مع "أوبن إيه.آي" ومايكروسوفت ارتفع بمعدل 200 مرة تقريبًا في مارس/آذار 2024 مقارنة بالفترة السابقة لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ويعد تعاون الشركات التكنولوجيا مع الجيش إسرائيل خلال الحرب على غزة امتدادا لمسيرة طويلة من العلاقات التجارية بين الطرفين، لم تبدلها الانتقادات المتواصلة الحقوقية والأخلاقية لها.
وقال الخبير المغربي المتخصص بالمجال الرقمي والتواصل عبد الحكيم أحمين، في تصريحات لوكالة الأناضول، إن الذكاء الاصطناعي "تسبب بمقتل نحو 75 بالمئة من ضحايا الحرب بغزة وفق دراسات حديثة".
وأضاف أن "أسباب دعم الشركات التقنية لإسرائيل متعددة، منها الاستثمار المالي في مشاريع داخل إسرائيل"، مشيرا إلى أن "هناك العديد من الشركات الكبرى التي مولتها الشركات المالية الأميركية، مثل ميكروسوفت وأمازون وغوغل وغيرها".
وأوضح أحمين، أن هذه الشركات "استثمرت بشكل كبير داخل إسرائيل، مما يعد دعما مباشرا لها".
وبحسب الخبير، فإن "الشركات الرقمية ساهمت بتطوير مهارات بحثية وتقنيات معلوماتية تسعى من خلالها إسرائيل للحصول على معلومات بطرق متعددة، ولعل برنامج بيغاسوس خير مثال على ذلك، حيث يراقب المعارضين بالداخل والخارج".
وبرنامج "بيغاسوس" من صنع شركة "إن إس أو" الإسرائيلية التي تأسست عام 2010، والتي تتخذ من تل أبيب مقرا لها.
وتوضح الوثائق المسربة والتقارير الإعلامية أن مايكروسوفت تعد واحدة من أكبر مزودي الخدمات التكنولوجية للجيش الإسرائيلي خلال حربه على غزة. وقدمت الشركة خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي التي أسهمت في العمليات العسكرية الإسرائيلية، مما أثار احتجاجات داخلية وخارجية ضد سياساتها.
وشهدت العلاقة بين مايكروسوفت والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية نموًا غير مسبوق منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023. ووفقًا للوثائق المسربة أصبحت إسرائيل من أهم شركاء مايكروسوفت العالميين، حيث بلغت تكاليف الدعم الهندسي والاستشارات حوالي 10 ملايين دولار منذ بداية الحرب على غزة.
ووفقًا لتقارير وكالة أسوشيتد برس، هناك عقد بقيمة 133 مليون دولار بين مايكروسوفت ووزارة الدفاع الإسرائيلية. كما تشير الوثائق إلى وجود مشاريع دعم إضافية بقيمة 30 مليون دولار كانت قيد الدراسة في عام 2024.
الشركات الرقمية ساهمت بتطوير مهارات بحثية وتقنيات معلوماتية تسعى من خلالها إسرائيل للحصول على معلومات بطرق متعددة.
وشهد استخدام الجيش الإسرائيلي لخدمات مايكروسوفت نموًا هائلاً، حيث ارتفع استخدام التخزين السحابي بنسبة تزيد عن 155 بالمئة بين يونيو 2023 وأبريل 2024، مع بلوغه ذروته قبل هجوم رفح في مايو 2024.
وتضاعفت بيانات الجيش الإسرائيلي على خوادم مايكروسوفت بين مارس ويوليو 2024 لتصل إلى أكثر من 13.6 بيتابايت. كما ارتفع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مع "أوبن إيه.آي" ومايكروسوفت بمعدل 200 مرة تقريبًا في مارس/آذار من العام الماضي مقارنة بالفترة السابقة لهجوم 7 أكتوبر.
وتقدم مايكروسوفت مجموعة واسعة من الخدمات التكنولوجية للجيش الإسرائيلي، بما في ذلك منصة أزور السحابية والذكاء الاصطناعي وتعد أدوات الترجمة أزور و"أوبن إيه.آي" من أكثر الخدمات استخدامًا، حيث تمثل نحو 75 بالمئة من إجمالي الاستخدام العسكري.
ويستخدم الجيش الإسرائيلي أزور لتجميع المعلومات التي يتم جمعها من خلال المراقبة الجماعية، بما في ذلك المكالمات الهاتفية والرسائل النصية والرسائل الصوتية، والتي يتم نسخها وترجمتها.
وتشير التقارير إلى استخدام تقنيات مثل "لافاندر"، وهو نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي مصمم لتحليل بيانات حوالي 2.3 مليون مقيم في غزة لتحديد الروابط المحتملة مع حماس. ووفقًا لتقارير إعلامية إسرائيلية، حدد هذا النظام في البداية حوالي 37.000 فلسطيني كـ "مشتبه بهم".
كما تعمل مايكروسوفت بشكل وثيق مع مديرية الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك وحدة المراقبة النخبوية، وتُستخدم هذه التقنيات في إنشاء "قوائم استهداف".
وتزود مايكروسوفت إسرائيل أيضًا بتقنيات المراقبة البيومترية المستخدمة لتتبع الفلسطينيين. وتشمل الخدمات الأخرى نظامًا تستخدمه قوات الأمن الإسرائيلية لإدارة سجل السكان وحركة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.
وأوضح أحمين أن "الدعم التقني لإسرائيل يتجسد في عدة أشكال، منها مشروعات تقوم على تقديم خدمات الذكاء الاصطناعي تسمح بمراقبة واسعة للفلسطينيين بالضفة وغزة، حيث تستعمل إسرائيل مجموعة من التقنيات لمراقبة جميع السكان الفلسطينيين.
وأضاف أن من بين ذلك "مشروع نيمبوس، وهو خدمة من طرف شركة غوغل وغوغل كلاود بلاتفورم، حيث يوفر هذا لإسرائيل سلاحا رقميا لمراقبة الفلسطينيين وتتبعهم، علما أن هذه الخدمة تعمل على افتراض أن جميع الفلسطينيين ممكن أن يقوموا بمشاريع أو أنهم أعضاء في حركات المقاومة الفلسطينية".
وذكر أن المشروع "يضع تصنيفا من 1 إلى 100 للفلسطينيين سواء بغزة أو الضفة، مما يسمح لإسرائيل بمراقبة والقيام بمسح جميع الفلسطينيين وتتبع تحركاتهم، بل ساهم هذا في توفير حيثيات عن مكان وجود الفلسطينيين من أجل استهدافهم بغارات".
وأظهر تحقيق أجرته وكالة "أسوشيتد برس" مطلع 2025 أن شركتي "مايكروسوفت" و"أوبن إيه.آي" تستخدمان نماذج ذكاء اصطناعي في إطار برنامج عسكري إسرائيلي لاختيار أهداف القصف خلال الحرب على غزة ولبنان".
وأدت هذه الشراكة إلى احتجاجات داخلية وخارجية، ودعوات للمقاطعة، ومطالبات بالمساءلة القانونية. كما أثارت هذه القضية أسئلة أخلاقية وقانونية حول مسؤولية شركات التكنولوجيا العالمية عن استخدام منتجاتها وخدماتها في النزاعات العسكرية والعمليات التي قد تنتهك حقوق الإنسان والقانون الدولي. وفي ظل تزايد الضغوط الداخلية والخارجية، يبقى السؤال حول ما إذا كانت مايكروسوفت ستعيد النظر في علاقتها مع الجيش الإسرائيلي في المستقبل.
ودعت منظمة "سكايلاين الدولية لحقوق الإنسان" إلى محاسبة مايكروسوفت على تواطؤها في "الإبادة الجماعية" في قطاع غزة. وأكدت المنظمة أن استمرار دعم مايكروسوفت لإسرائيل ينتهك مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان.
وحثت المنظمة الشركة على الكشف بشفافية عن طبيعة علاقتها مع اسرائيل وإنهاء جميع أشكال التعاون المرتبطة بالأنشطة العسكرية التي تنتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان.