إدارة الأمن العام تنتشر في ريف درعا لمواجهة الانفلات الأمني
دمشق - تبذل الحكومة السورية جهودًا متواصلة لإعادة بسط الأمن والاستقرار في مختلف مناطق البلاد، في ظل تحديات أمنية متصاعدة تهدد السلم الأهلي ووحدة الدولة. وتأتي هذه الجهود ضمن سياسة أمنية جديدة تنتهجها السلطات الجديدة، تهدف إلى إعادة بسط هيبة الدولة، ومعالجة بؤر التوتر والنزاع، لا سيما في المناطق التي شهدت اضطرابات متكررة في السنوات الأخيرة.
ورغم هذه التحديات، حققت الحكومة السورية اختراقًا أمنيًا مهمًا مؤخرًا، تمثّل في توصل إدارة الأمن العام إلى اتفاق مع وجهاء منطقة بصرى الشام في ريف درعا، بهدف تعزيز الاستقرار وبسط سلطة الدولة. وشمل هذا الاتفاق تسليم أربعة مطلوبين يُشتبه بتورطهم في حادثة اعتداء على أحد المواطنين وعائلته، وهو ما يُعد مؤشرًا على رغبة حقيقية لدى بعض الفعاليات المحلية في التعاون مع الدولة لطيّ صفحة الفوضى والانفلات الأمني.
وبحسب ما أعلن عنه المكتب الإعلامي في محافظة درعا، فقد جرى الاتفاق أيضًا على تعزيز مفرزة الأمن في بصرى الشام بقوات إضافية، في خطوة ترمي إلى تأمين المنطقة ومنع تجدد أعمال العنف أو الاستهدافات الفردية. وترافق هذا التحرك مع نشر تعزيزات عسكرية كبيرة في ريف درعا الشرقي، وذلك في محاولة من الحكومة لاحتواء التوترات الأمنية التي تصاعدت إثر مواجهات عنيفة شهدتها المنطقة مؤخرًا.
وفي السياق ذاته، أفادت مصادر إخبارية على منصة "تلغرام" بأن الحملة الأمنية الجارية تستهدف أيضًا تفكيك ما يُعرف بـ"اللواء الثامن"، وهو فصيل محلي بقيادة أحمد العودة، ويتمتع بنفوذ في المنطقة منذ سنوات. وتشير المعلومات إلى أن هذا الفصيل كان له دور في التصعيدات الأخيرة، حيث أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن إصابة ثلاثة عناصر من القوات السورية في هجوم نُفّذ من قبل عناصر اللواء في بصرى الشام.
تُعد إدارة الأمن العام من أبرز الجهات الفاعلة في تنفيذ هذه السياسات، حيث تعمل على مواجهة التحديات المتعددة، التي تتراوح بين تهديدات الجماعات المسلحة والتدخلات الخارجية، وصولًا إلى حالات الانفلات الأمني والنزاعات المحلية.
ومن أبرز التحديات التي تواجه الحكومة السورية، المخاوف المتصاعدة من استهداف الأقليات، كما حدث في بعض أحداث الساحل السوري التي أعادت إلى الواجهة ملف الحماية المجتمعية وضرورة تعزيز التعايش بين مكونات المجتمع السوري. وقد شهدت بعض مناطق الساحلي ذات الغالبية العلوية العلوية توترات أمنية مفاجئة، ما أثار قلقاً واسعاً من عودة سيناريوهات الفوضى التي كانت سائدة خلال ذروة النزاع.
أما على صعيد الجنوب السوري، وتحديدًا في محافظة درعا، فلا تزال الأوضاع الأمنية تُشكّل تحديًا كبيرًا أمام مؤسسات الدولة. ويبرز في هذا السياق التوغّل المتكرر للجيش الإسرائيلي في بعض مناطق الجنوب، وخاصة في ريف درعا، ما يمثّل خرقًا واضحًا للسيادة السورية، ويهدد الاستقرار في منطقة حسّاسة من البلاد.
وكانت الحكومة الإسرائيلية حذرت القوات السورية من مغبة التواجد في الجنوب السوري معتبرة إياها منطقة منزوعة السلاح.
وتُعد الحملة الأمنية الأخيرة جزءًا من استراتيجية أوسع تتبناها الحكومة لضبط الأوضاع في الجنوب السوري، واستعادة السيطرة الكاملة على المناطق التي شهدت اتفاقات تسوية سابقة لكنها لم تُنفّذ بشكل كامل، ما جعل منها أرضية خصبة لحالات التمرد والاشتباك.
وفي المجمل، يبدو أن الحكومة السورية تسعى من خلال هذه الجهود إلى تعزيز صورتها كضامن وحيد للأمن في البلاد، والعمل على تقويض أي سلطة موازية أو ميليشياوية. غير أن نجاح هذه السياسات يظل مشروطًا بقدرة الدولة على بناء ثقة حقيقية مع المجتمعات المحلية، والاستمرار في المعالجات الأمنية دون الانزلاق إلى دائرة العنف الواسع.
وفي ظل التصعيد الإسرائيلي وتحديات الجماعات المسلحة والانقسامات المحلية، يبقى ملف الأمن الداخلي واحدًا من أعقد الملفات التي تواجه الدولة السورية، ويتطلب جهدًا منظمًا ورؤية متكاملة تجمع بين الحسم الأمني والحوار المجتمعي، لضمان استقرار طويل الأمد يعيد لسوريا أمنها المفقود.